الصعود إلى الجبل

موقع الكتابة الثقافي uncategorized
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد المسعودي 

كنت أريد صعود الجبل.

خرجت من بيتي في ظلام الليل قبيل بزوغ الفجر.

سرت بين دروب مدينتي إلى أن خرجت إلى ظاهرها. سرت مسافات واسعة وإذا بي في أراض رملية صحراوية خالية.

توغلت في قرى بناياتها حمراء عالية.

وبساتينها تمتد على ضفاف أودية يسمع هديرها من بعيد.

سرت أياما وليالي ولم أبلغ الجبل.

دخلت أحد “القصور” من بابه المزخرف بكتابات ورموز لم أرها من قبل، وإذا برجل يرتدي برنسا أحمر فوق جلباب أبيض، ويشتمل عمامة بيضاء يقف جانب باب منزل يطيل النظر إلي وأنا أتقدم نحوه. سألته عن طريق الجبل، فقال لي:

-ما زال بعيدا.. وأنت تبدو غريبا..

أمسك بيدي وسار معي مسافة طويلة يحادثني ويستفسرني عن مدينتي الشمالية، وعن أهلي، وعن سر غربتي.. كان غبش المساء يلون الأشياء بظل سحري. قال الرجل:

-انظر.. الأرض من هنا وحتى الجبل كلها ماء.. أودية ومستنقعات وبحيرات.. لكي تمر وتمضي في طريقك عليك أن تكون حذرا.. أن تعرف أين تضع قدميك..

ووضع قدمه اليمنى في مكان يبدو كأنه أرض عادية مستوية، فإذا بها تغرق حتى الركبة.. أذهلني ما رأيت فبقيت مسمرا في مكاني.

جرني من يدي وسار معي مسافة أخرى. توقف أخيرا وقال:

-لا تنخدع بالعشب والحجر والشجر.. كلها أفخاخ.. احذر.. واعرف أين تضع قدميك لتنجو.. وتصل إلى الجبل.. الآن سر على هذا الدرب..

أشار بيده نحو جهة من الجهات وقفل عائدا من الطريق التي قطعناها معا.

أخذت، بدوري، طريقي على الدرب الذي أشار إليه. سرت أياما وليالي أخرى.. دخلت “قصورا” أخرى.. مررت بأطفال يلهون في بعض المستنقعات ويسبحون في بعض الغدران والأودية الصغيرة.. لم أثر انتباههم..

سرت وسرت.. وجدت صعوبة كبيرة في التمييز بين الطريق الصحيح وسط الحفر والوديان ووسط الأعشاب والأشجار المخادعة والأراضي الطينية المتحركة..

لم أبلغ الجبل.. كان يبدو كأنه يتزحزح عن مكانه كلما اجتزت متاهة من متاهات هذه الأرض بعد ضنك وعذاب..

ومن الطريق نفسه عدت.

 عدت ولم أبلغ الجبل.

 

مقالات من نفس القسم