محسن يونس
تظهر قدرة الكاتب أحمد عامر جلية فى براعته على وضع التأويل والمأول فى طريق قارئه، وسهولة الوصول إليه سريعا، أثناء القراءة، بعيدا عن الغموض الملغز، مع أن الكتابة التى يستخدمها – وهو بارع فى أدائها، كما ذكرنا- ويسيرها نحو العبث واللامعقول، وتقترب فى أجزاء منها إلى الروح والأجواء السريالية، وشخصيات تقابل تقلبات الحياة الواقعية بمشاعر وأفعال مركبة من شتى الانفعالات التى تزيد من وتيرة غربتها، فالشاعر فى القصة الأولى لا يكتفى بأن يعتزل، بل يتعلم فن التنكر، وهى رمية سهم ساخرة، تؤكد لنا سطحية القرار، وأنه يضع الناس فى حالة لا هى التصديق، ولا هى النفى، حالة بين بين، فهل نصدقه حينما يرفض علنا وفى الاحتفال بتسلمه الجائزة، التى ربما جاءت بعد نهاية الطاقة على الكتابة، صحيح أن الجو العام المحيط به يرفع من قيم الاستهلاك، وما يصاحب ذلك من تردى القيم الفنية والأدبية التى يدعى الانتماء إليها ( كيف أقبل هذا التكريم وأنا لم أنجح حتى في الكتابة عن جسدي المهلهل؟! عن روحـي التي انسحقت تحت هذا الكم الهائل من الإعلانات؟! – القصة الأولى ) هل نحن مع الفعل الإيجابى منه ، وهو الانسحاب من المواجهة التى ربما تكشف عن اضطراب الرؤية والانغماس فى الذات، ومع هذا فالنص لا يسعى إلى إدانة الفرد بقدر ما يدين المجتمع أيضا، فهو مسئول فى المحل الأول على إفراز مثل هذه الشخصيات ، وتركه لها لترعى وتنمو، وتشارك فى جعله بيئة تنمو فى سيرها نحو هاوية، لذا فسوف تجد شخصيات هذا المجتمع تلبس ثوبا ليس ثوبها، وتتحدث بلسان غير لسانها، القصر والإلزام من هذا المجتمع يجعل الشخصية تنكر وجودها الأصلى لصاح وجودها الزائف (كانت مشغولة بطفلها الثالث الذي تحمله على صدرها كان يشد حجابها ليغطي جبهتها، ناديتها : شيماء! نظرت ٍ إلى بغضب بالغ، ردت مستنكرة : شيماء مين؟ أنا أم عبد الله؟ أي خدمة؟ .. قصة وردة معتقلة فى كتاب) وكذا فى قصة (المرأة التى باعت حلمها للصائغ المزيف) هذه التيمة التى تشير بإصبع الاتهام للواقع وناسه، الذين يكذبون على أجسادهم حتى، ويعيشون حياتهم لصالح حياة أخرى أكثر زيفا، وهم لا يدرون!!
فى تعاملك مع قصص المجموعة لن تجد الحكاية الهادئة الطيبة التى لا مشاكل معها فى القراءة وتتبع أحداثها بتسلسل منطقى، عند كاتبنا أحمد عامر، تجد نصه قد يبدأ من النهاية، وما القص إلا بناء فوق بناء فى الاتجاه العكسى، تقابلك جمل طازجة تدهشك بتركيبها ، ويلح عليك قولك الذى تردده بينك وبين نفسك : هذه ألفاظ تلتقى مع بعضها البعض بصدفة سعيدة.. هكذا وتواصل دهشتك مع مواصلة القراءة، وأنت يزداد اكتشافك أن القصة القصيرة شكل نبيل يعيش فتوته من قدرة الكاتب الدائمة على أن يكون تجريبيا، مغامرا نحو ابتكار شكل جديد، وكما قال “إرنست فيشر”: (الشكل ثورى بينما المضمون تقليدي) يمكننا فهم ما يحاول عامر أن يجد ويكد فى فعله من حلال الكتابة، صحيح أن معظم تجارب المجموعة تقدم في النهاية أفقا منغلقا على مَأْساة الوجود، ولكنها من ناحية أخرى تقدم هذا الوجود مطعما بالساخر والمتهكم، مما يجعلنا كقراء نواصل القراءة آملين أن يتسع الأفق مع ذلك ..
هذه قراءة عاجلة، وليست نقدا كما يتطلب النقد، حاولت فيها أن أكتب كل مشاعرى، وفهمى وانطباعاتى أثناء قراءة المجموعة القصصية (عين سحرية تطل على خرابة) للكاتب ( أحمد عامر) الذى أرجو له دوام التألق والإبداع الراقى والفارق.