طه سويدي
بين جملتي «حياتي رمل ناعم» و«سجون كلها الحياة» يقدم الروائي أحمد جاد الكريم في روايته الأخيرة «أشواك سيزيف» الصادرة مطلع هذا العام عن منشورات إيبيدي بالقاهرة، لوحة هادئة لا تخلو من القسوة والغضب المكبوت عن الخوف والفقد والوحدة في مصر خلال الفترة الممتدة بين الربع الأخير للقرن الماضي والربع الأول الصاخب من القرن الحالي.
يتتبع العمل الحياة القلقة لرجال عائلة الونان الثلاث الأب محمود، والعم حسني والابن أحمد. وبتنويعات متقنة نشاهد الرجال الثلاثة محبوسين كل في زنزانة شيدها من المخاوف والهواجس والعناد وتعززت أسوارها وارتفعت بواقع المعيشة المتأزم في مصر مركزًا وأطرافاً. يجمع الرجال الثلاثة وخصوصاً الابن والعم هوس مشترك بأسطورة سيزيف والتي يعبر عنها الكاتب بلا مواربة في مواضع متعددة داخل النص. وعبر فصول الرواية نتتبع رحلة الشخصيات الثلاثة هروبًا من واقع لا يعجبهم، يستخدم الكاتب المأساة في خلق شخصية العم حسني والذي يتعرض لمحنة تدمر حياته الهادئة و تدفعه إلى العزلة والزهد في الحياة والبشر، فيتحول إلى شبح منسي لا يتذكره سوى أخيه محمود وابنه أحمد. عبر مأساة العم يولد تمرد ابن الأخ -أحمد- الذي يضيق حياة القرية الرتيبة، ومساعي أبيه الخائبة في تعينه مدرساً بالحصة في مدرسة القرية، ينطلق أحمد في التغريبة الأزلية لأبناء الريف المصري نحو تخوم العاصمة بحثاً عن الطموح وسعة العيش، والحب. لا يحزن أحمد طويلاً على ليسانس الآداب، ينساه سريعاً في خضم محاولاته المضنية لمراوغة روائح الأحذية العطنة في الغرفة التي يقضي فيها سويعات راحته بين ورديات الحراسة الليلة الطويلة في صحراء القاهرة حيث يبني علية القوم ورجال السياسة بيوتهم بمعزل عن العاصمة القديمة المزدحمة بالفقر والأحلام الضائعة وندوب الفساد.
تسيطر رحلة أحمد الوعرة في القاهرة على غالبية فصول الرواية ومن خلال تأملات الابن يقدم العمل صورة مصر منذ الثمانينات حتى قيام ثورة يناير والتي قلبت حياة الثلاثي رأساً على عقب، يقدم العمل من خلال أبطاله تصوراً للمصريين كمشاهدين حرموا المشاركة والفعل في مسرح الأحداث الكبيرة التي عايشوها طيلة هذه الفترة، وبفعل هذا الحرمان تعاملوا مع الحدث الكبير بمزيج من الريبة والغربة. يحسب النص تناوله للثورة بعيدا عن ميدان التحرير والتطرق لأجوائها في صعيد مصر وتأرجح أبطال العمل في تعاطيهم للحدث وتأثيراته عليهم.
يقوم ثلاثي عائلة الونان بتبادل الكراسي بين التسليم واليأس ثم الأمل وبعده التردد بين مطاردة الفرص وبين البقاء في منطقة الراحة والمألوف، لتبدو رواية أشواك سيزيف كعرض مصغر لرحلة جيلين بتفاصيل أصيلة ولغة سهلة.
استثمر الكاتب جيدا في شخصية العم حسني منحها لمحات من المأساة والغرائبية والكثير من محطات الصراع، مما جعلها الشخصية الأكثر حضورًا في العمل، ولربما افتقدت باقي الشخصيات نفس درجة الاهتمام والتفصيل ولعل أبرزها شخصية أمنية الفتاة المجتهدة التي تعرف أقرب الطرق للترقي الاجتماعي وتسلكها سريعا، فكان من الممكن أن تحظى بمساحة أكبر، من شأنها تعقيد الصراع وإثراء السرد.
تنتهي الرواية بانقلاب هادئ في لعبة الكراسي بين ثلاثي الونان، يتركنا معه النص لنتأمل سؤالا بخصوص الاختيار والمعاناة ونيل الفرص، أو بعبارة أخرى هل أصبح من حق سيزيف أن يلقي الحجر ويمضي في طريقه؟ أم أنه يركن طواعية لحمل الهم الذي يعرفه؟