حاورها: حسن عبد الموجود
إن قرأت الرواية الجديدة للكاتبة البحرينية ليلى المطوع «المنسيون بين ماءين» ستشعر بأن الحياة هي بحرٌ ممتدٌ لا نهاية له. في تلك الرواية تبرز خبرة الكاتبة الحياتية والفنية في رصد تفاصيل حياة سكان الجزر، بين واقع صعب وأساطير مجنونة، وبين ماءين، أحدهما عذب والآخر مالح. في هذه الرواية نضع قدما في الماضي بكل حكاياته عن نذور البحر، ووحوشه، وشعرائه، ونسائه، وقدما في اللحظة الحاضرة حيث تم ردم البحر وإضافته إلى رقعة اليابسة.
صدر لليلى المطوع من قبل رواية «قلبي ليس للبيع» التي تسببت في جدل كبير في البحرين. شاركت عام 2016 في ورشة البوكر «الجائزة العالمية للرواية العربية»، وتم اختيارها عام 2019 للمشاركة في كتاب «كم رئة للساحل» بمناسبة اختيار الشارقة عاصمة للكتاب من قبل اليونسكو، بهدف توثيق الأعمال الروائية لكتَّاب شكلت أعمالهم منحنى مختلفا في أوطانهم، وكتب مقدمة الكتاب الشاعر البحريني قاسم حداد والروائية العمانية جوخة الحارثي.
في هذا الحوار تتحدث ليلى المطوع عن الرواية وحكايات البحر وأساطيره وسكانه، كما تتحدث أيضا عن أحلامها للكتابة.
ما طبيعة التحضير الذي احتاجته منك رواية «المنسيون بين ماءين»؟
كنت أنهض كل صباح وأخرج برفقة الصيادين، لتعلُّم أسرار هذا الامتداد المائي، وفي أيام أتجول مع الفلاحين، أصعد النخلة بـ«الكر»، وأتعلم منهم الصبر على الأرض حتى تثمر. احتجت للتأمل، للمشي لساعات طويلة لمعرفة الأرض والاختلافات الحاصلة فيها، فنحن هنا لا نسير، نتنقل بالسيارة، فلا نعرف أرضنا ونجهل الجمال فيها، وأعيننا على المدينة الزجاجية، التي تتوسع وتلتهم كل شيء.
كنت أتأمل كيف يحمل الصيادون قواربهم وأكواخهم يتبعون البحر الذي يبتعد ساحله بسبب علميات الدفن، حتى تركوا قواربهم له، نفسه البحر الشقي الذي كان يسرق قواربهم ليمازحهم، فيربطونها بإحكام، تركوا القوارب له، ولكنها أمنية لم تعد تعني شيئا، فالبحر يحتضر. كنت أتجول لأسجل وأدون القصص، ثم أتتبع حدود الجزيرة، وجدت أن البحر كان يمنحنا يابسة بكرم لم نفهمه، يتراجع كلما تكاثرنا، ويحدد لنفسه ساحلا جديدا، ثم بدأنا نغتصب منه أرضه، نحاصره، وندفن ماءه، ولكن في رأيي أن عدم التوازن والتصالح مع البيئة سيعود علينا بالضرر، فللتمدن ثمن باهظ.
حين كنت أتتبع حدود اليابسة وجدت أنه في فترة معينة كانت هناك جزيرة في الشمال ظهرت فجأة، كانت كبيرة تسمى «فشت الجارم»، ثم هبطت في الماء ولم تبق إلا أجزاء منها، لذلك ألهمتني هذه الجزيرة، لأكتبها في واقعة «إيا ناصر» وأصورها على أنها جزيرة طاهرة مقدسة خُصِّصت للعبادة، وفي واقعة «مهنا» كان يغوص، فيجد آثارًا تدل على حضارة سابقة، فالماء الذي ينحسر ليمنحنا يابسة، تجده يعود ليأخذ مكانه.
كما أن من يدافعون عن البحر، ماتوا في أعماقه، مثل حسن الشاب الذي دافع عن «الفشوت»، وسعود جدي الأكبر، وكذلك مهنا الذي كان حريصًا على تعريف الجيل الجديد بجمال البحر وثرائه، لذلك منحت هؤلاء الأشخاص أسماءهم تكريمًا لهم على ما فعلوه لأجل البحر. التأمل والقراءة والبحث ساعدتني على كتابة هذه الرواية التي قدمتها لأول مرة في ورشة البوكر عام ٢٠١٦.
ما الذي تحاولين أن تقوليه للقارئ غير المحلي، الذي يجهل طبيعة المكان البحريني؟
جزيرتي منذورة للغرق، استخدمت التنوع البيئي والجغرافي الذي نملكه وخصوصية الماء، وتابعته لسنوات، وكشفت أسراره، لأفهم لِمَ ستتحقق هذه النبوءة، ما الذي فعلناه حتى نُنذَر بالشر. أنت تعرف نهايتك، لذلك تتبع الحكاية من أولها، منذ أن جاء جلجامش لهذه الجزيرة بحثًا عن زهرة الخلود في البحر، حتى الزمن الحالي، حيث يُدفنُ الماءان (العذب والمالح)، وتُجرَّف الحقول، وتبقى نخلة واحدة، فالنخلة في كل الأديان مقدسة، تجدها تمنح القدسية حين تكون على الأختام الدلمونية، وتجدها شاهدة على ولادة سيدنا عيسى، وتجدها آلهة كان يتبرك بها العرب، وتجدها مدللة الجزيرة. كل ما مرت به النخلة يستحق الذكر. لذلك أحذر أهل الماء، لا تنم على أرض لا نخلة فيها، فهي حارسة الجزيرة، ومنها أعيد كتابة الأسطورة.
بعد أن يقتل الوالي زوجها ويرغب في جسدها.. تهاجر «سليمة»، في زمن قديم، عبر البحر للنجاة بنفسها وجنينها.. لماذا لم تكتمل رحلتها؟
ومن قال إن الرحلة انتهت؟ أرى أن واقعة سليمة كانت خصوصيتها تكمن في الرحلة.
رحلة قراءة هذا الماء بدأت مع القارئ وهذا هو المهم، فأنا عبرت البحر كما فعلت سليمة، وكما فعلت القوافل العربية التي عبرت على تربة لينة قادمة من الصحراء الكبرى، وكما يفعل أهل الجزيرة حتى وقت قريب، يعبرون البحر على الأقدام في مواضع معينة لينتقلوا من جزيرة إلى أخرى. كنت آخذ القارئ في أول واقعة بالرواية ليقرأ هذا البحر المتنوع بجغرافيته، وخصوصيته، ففيه ينابيع عذبة، ورمال متحركة، ووديان وتلال وغابات. كل هذا ستره البحر بجلده المائي. لذلك بدأت رحلة القارئ مع هذا الجزء ليفهم أهمية البحر في تشكيل هوية أهل الجزر، وأختم العمل به. لقد عرف الإنسان ملامحه من خلال انعكاس سطح الماء.
هل تعتبرين أن حكاية «ناديا» وابنتها وجدَّتها هي إكمال لرحلة «سليمة» وأسطورتها؟
لا يمكن لي أن أوجِّه القارئ في تحديد رؤيته للعمل، ولكن الذاكرة هنا تنتقل من خلال الماء، والنساء يرثن خصال بعضهن، فتجدهن ينجبن الماء، ويلفحن (يرقصن) بشعورهن له، وهذه لغة بين النساء والبحر، لذلك حين عرف الرجال عاقبوا النساء بحلق شعورهن، حتى لا يخاطبن البحر، ولكنه انتقم لنسائه.
مات لسليمة أكثر من ابن.. وحتى تتخلص من لعنتها كان عليها أن تطأ دم شريف وتقفز فوقه وتأخذ روحه وتمنحها لمولودها الجديد.. هل استخدمتِ الحكاية بنصِّها في الموروث البحريني؟
في البداية «مقاليت» النساء (أي من لا يعيش لهن ابن) لا تعد من الموروث المتعارف عليه هنا، قرأتها في بيت شعر يعود لقرون مضت، وألهمني هذا الفعل، فربطته بقفزة النساء على «البيص» فترة الغوص، وهو هيكل السفينة. كان صانع السفن يرفعه عاليًا خوفا من أن تصيبه اللعنة ويموت بينما يعيش جنين المرأة التي قفزت على «البيص»، ثم استخدمت ذاكرة حيَّة لوالدي وللغواصين الذين يرقصون ويتقافزون يمينًا ويسارًا، كما تفعل المرأة «المقلات»، ولكنهم كانوا يقفزون على بحر مردوم، وبالتالي يموت البحر لنعمِّر الأرض نحن بسلالتنا، ويأخذ هو في تلك الحالة دور الشريف الذي يقفز الأهالي على جثته. هنا أحاول أن أفهم جذور ما حولي، وحتى الرقص الشعبي كان له وجود في العمل.
لماذا استدعيتِ الشاعر طرفة بن العبد ومنحتِه دور الشريف الذي تقفز سليمة فوق جثته؟
مقتل طرفة يفتح باب التأويل، لأنه غُيِّب في الزمن، ومرَّ في كتب التاريخ مرور الكرام، وكتبتُ الواقعة وانتهيتُ منها ثم وجدت بيت شعر لطرفة بن العبد عن امرأة من «مقاليت النساء»، فقال فيها «لا تلمني، إنها من نسوة – رقد الصيف، مقاليت نزر»، أي امرأة مترفة لا يشغلها عيال، فضحكت، وقلت لنفسي ربما انتقمت منه إحداهن وقفزت على جثته، وبصدق فإن التاريخ المغيَّب يترك لنا مجالا للتخييل.
ألم تخشي عدم تعاطفنا مع سليمة بسبب استخدامها جثمان شخص محبوب هو الشاعر طرفة بن العبد؟
ولكنها أم ثكلى، أخذت منها الأرضُ أبناءها، حيث إن عادات التضحية بالأبكار شائعة عند العرب، لذلك غريزة الأم دافع لتفعل المستحيل ليحيا جنينها. أما طرفة بن العبد فغروره المعروف هو الذي جرَّ عليه نهايته.
مشهد ولادة سليمة في قلب البحر كان مرعبا وأسطوريا.. هل كان في ذهنك منح المشهد تلك الأبعاد الكبيرة التي أحاطت مثلا بمولد بطل رواية «العطر»؟
إذا ما نظرنا للسياق فهو مختلف جدًا عن رواية «العطر»، ولا تشابه بينهما، ولكن فهمت ما تقصده؛ عن إيجاد أبعاد ذات خصوصية للرواية، كنت أعيد إيجاد أسطورة النخلة، ومنحها الرمزية التي بنيت عليها خطًا في الرواية، فهي حارسة الجزيرة، وحامية للذاكرة، والشاهدة التي ماتت أمام أعيننا، أما البحر فقد خضع لدموع سليمة حين فتحت ذراعيها له وهو يحمل جنينها برفق ليضعه بين يديها. لا أعلم ماذا كان في ذهني إلا إيجاد روابط لعالم نسجته وأسطورة كتبتها عن هذه الجزيرة لتكمل باقي الأساطير.
تتعدد الشخوص في الرواية، وكلها ترتبط بالماء، وتتعدد وجوه البحر، لأي حد ألهمك الماء عند إيجادك للشخوص والمكان؟
الماء هو بطل الحكاية، وهو ما شكَّل هويتي وهوية أهل الجزيرة، وبالطبع الشخوص، أما المكان فأنا أوجدته بين جزر ومد. هناك شخوص عاشوا في البحر مثل سليمة ومهنا، وشخوص على اليابسة وهم إيا ناصر ويعقوب ودرويش، لكنك ستلمس فورا ارتباطهم الواضح بالماء. وفي كل واقعة بالرواية أكشف عن وجه مختلف للبحر أمام القارئ، وعلاقته مع الشخصية. ألهمني البحر حين أغرقني، حين جلدني بموجه القوي، حين جزَّر بنفسه غاضبًا، وعاد بهدوء مخيف، وحين حاول ابتلاعي، حين تنكَّر وظننته يابسة. وحين غصت في أعماقه لأرى جمال قاعه.
سأحكي لك قصة مدهشة جرت لي في طفولتي. كنت في رحلة بحرية، وفي منتصف البحر، وجدت أنه لا وجود للماء من حولي، كأنه تبخَّر فجأة. علقنا لساعات طويلة حتى عاد الماء، وعرفت فيما بعد أنها منطقة في عرض البحر تتعرض للمد والجزر، أي يكشف فيها البحر عن تربته. فقاع البحر ليس متساويا كما يعتقد الناس، وليست كل مناطقه فيها ماء عميق.
و«الحالة» (وهي جزيرة رملية تختفي أسفل الماء وتظهر) ألهمتني، فلا أمان على ظهرها، تعتقد أنها يابسة فتعود للماء، وتعتقد أنها بحر، فتكشف عن نفسها بأنها تراب. عدم انتمائها ملهم، وتأمُّل كيف سلبها البشر قدرتها على التخفي أمر مدهش، وأنا لحسن الحظ كبرت في منطقة بها «حالات»، ولكنها مأهولة بالبشر.
كانت هناك رواية أخرى كتبتها «نجوى» جدة ناديا وأنت ضمَّنتِها الرواية.. لماذا لجأتِ إلى تقنية الكتابة داخل الكتابة؟
حسنًا هنا أتحدث عن نوعين من الذاكرة، «الجمعية» التي جاءت في «الواقعات»، وهي الجزء الذي أسرد فيه التاريخ القديم للجزيرة وأستخدم خلاله «الراوي العليم»، والذاكرة الفردية وهي تخص فصول «ناديا»، وأستخدم فيها ضمير المتكلم، وتتداخل في «الواقعات»، فتتحول ناديا من السارد إلى المسرود، ولا نعود بحاجة إلى القراءة لنفهم تاريخ المكان. ووظفت نوبة الصرع، وجعلتها وسيلة انتقال الذاكرة من الجدة نجوى إلى ناديا. ونجوى تظهر بهذا الشكل، لأنها ذاكرة حية من حياتي. حين كنت أفيق في طفولتي من نوبة صرع، أجد جدتي تغسل وجهي بالماء البارد، ثم تحتضنني، وتهمس في أذني بالمعوذات. الماء يشكل ذاكرة هنا، فهو من يعيدني للواقع، لذلك استخدمته ليكون طريقة في الانتقال من شخصية إلى أخرى.
هل تعتبرين روايتك عملا عن ضياع البحر؟ هل هي رواية عن وحشية الإنسان في تعامله مع الطبيعة؟ هل هي رواية عن التضحية بالنساء؟ هل هي ذاكرة لحفظ تاريخ الجزر البحرينية وما جرى فيها؟
كانت هناك أسئلة كثيرة تراودني، منها كيف تقبلت الأجيال السابقة كل هذه التغيرات؟ فالتغيرات بهذه الطريقة هي عنف، عنف تحولات الأمكنة وما تفعله بالبشر، وكانت هناك ذاكرة تطفو بين الحين والآخر عن جبالٍ من الرمل رست على الساحل ودفنته. هذه الذكرى شكلت رعبًا لديَّ، وما يزال نفس الإحساس يعاودني كلما تذكرتها، وأعتقد أننا نحن البشر خلقنا للتكيف، ولهذا تكيفت معها، وحين كتبت كنت أحاول فهم هذا الشعور، لذلك فإن هذه الرواية تحاول البحث عن أجوبة في داخلي، لأسئلة ظلت عالقة.
هذا العمل عن عوالم الماء، إرثنا المعرض للضياع، والكتابة تحافظ على جزء منه، ولو كان في الذاكرة.
جدتك كانت مصدر الحكايات عن البحر والجنيات خاطفات الصيادين.. ووالدك كان يستمع إلى أغاني الغوص.. كيف حولتِ هذه الحكايات والأغاني إلى فن؟
جداتي، وليست جدة واحدة، فوالدي وبسبب أسطورة اضطرت جدتي للتخلي عنه، فعاش وكبر تحت ظل نساء مختلفات، وكبرت أنا في البيئة نفسها، وجداتي أخذنني للعين، لأنذر لها، وأطعم الجني. كبرت والبحر قريب من منزلي، وأنا أعيش في جزيرة «عراد» التابعة لجزيرة المحرق، ومن حولي الجزر. كل هذا التنوع البيئي وما يأتي معه من أساطير الماء عن «بودرياه» خاطف الصيادين، شكل جزءا من هويتي، كما أن وجود النوارس صباحًا على الرصيف جعلني أسأل أمي لماذا تقف ها هنا دائما؟ فقالت لي إن الرصيف يحتل مكان بحر مدفون وليس يابسة كما كنت أعتقد. كان البحر يقطع الطريق حين يمد ماءه، وكنا نسمع عن حالات الغرق، وكنا نرمي له «الحية بية» وهي نبتة من الشعير نعتبرها أضحية للبحر. أنا ابنة الماء، من جاورته، وشكَّل وعيي. والدي كان يجلسني طوال الليل مع أصحابه، يغنون للبحر، يضعني في حضنه ويعلمني تصفيق الغواصين. لقد تشبعت بالحكايات، ومنها مثلا حكاية كانت جدتي «حصة» تخبرني بها دائمًا، عن امرأة تسكن العين، وتغار من الفتيات ذوات الشعر الطويل، كما أن جدتي «أمينة» تعلمني إعداد المحمَّر للجني، بينما والدتي فكانت كلما تجولنا في المحرق تشير للأرض وتقول: البحر كان هنا.
أهل البحرين يتذكرون حدود الماء، فلِمَ لا أكتب أسطورة تعبر عن جيلي؟ الجيل الذي خُدع وظن أن كل هذا يابسة بينما هو بحر؟ دفنوا بحري ومن حينها لم أعد أقوى على العودة لمنطقتي، أقصد جزيرة المحرق، ولكنني وجدت بحرًا آخر، أراقبه باستمرار. ظللتُ ثماني سنوات وأنا برفقته، يشاغبني فيقطع طريقي حين يمد ماءه، ويقيدني على ساحل آخر، فأضطر للسباحة حتى أعود، أمنحه كل ما يريد، وأنظف جواجبه (ينابيع الماء العذبة في البحر) من الطحالب، ووعدته أن أرقص له كما تفعل النسوة.
هناك أكثر من مستوى للغة لتناسب الواقع والأسطورة والميتافيزيقا والعلم.. هل عانيتِ في ابتكارها؟
نعم، لذلك كنت أقرأ كل ما يقع في يدي من كتب حول كل فترة زمنية أكتب عنها، أحيانًا أعمل لمدة سنة على التشبُّع من هذه اللغة، والفكر السائد، وطبيعة الحياة الاجتماعية والفكرية، والأديان، حتى أبتكر لغة تناسب الفترة التي تناولتها، ثم أكسرها بناديا، وبلغتها البسيطة الأقرب للحياة اليومية، لأهل الجزر في آخر عقد، فحاولت أن أوازي ما بين لغة الفصول في الفترات القديمة وبين لغة ناديا، كما أني حين أكتب أعتمد على حاسة السمع، فأشكل إيقاعًا خاصًا يناسب الأسطورة التي أحاول إيجادها للقارئ.
هل التقاليد العربية تخلق رقيبا ذاتيا في لاوعي الكاتبات؟
هذا سؤال صعب خاصة إذا حاولنا تفكيك المجتمعات العربية واختلافها، وحدود الرقابة والتقاليد الخاصة بكلٍّ منها، وأيضا حين نقول «الكاتبات» يبدو وكأننا جمعناهم في سلة واحدة. لكن نعم، هناك قيود، فالمجتمعات تميل إلى تصنيف المرأة الكاتبة حين تخرج عن تقاليدهم على أنها «جريئة»، ولا يقال نفس الوصف عن الرجل الكاتب.. أما أنا فلا حدود لي. أنا الرقيب الذاتي، أنشغل بعالمي، فلا أتابع الضجيج، لأن الضجيج هو أول سلوك بشري بدائي دلالة على الامتعاض، أما الإنسان المتحضر فيتحدث ويناقش.
هل من الوارد أن تكتبي عن البحر مرة أخرى؟
للماء ذاكرة أحاول الغرق فيها، وعمل واحد لا يكفي لفهم هذا الامتداد الأزرق.
هل ترين أنك مظلومة إعلاميا ونقديا؟
عدد النقاد قليل مقارنة بالكتَّاب، فالنقد يحتاج إلى خبرة تراكمية، ووعي، أما الكتَّاب فكثيرون، لذلك لا أشعر بالظلم، لأني في المشهد الثقافي وأعرف ما يحدث، ربما يُحكَم عليَّ بأنني نسوية ولا أكتب إلا هذا النوع من الأدب، ولكني أرى أن الإنسان أعمق مما يظهره، أي إنسان كان، لذلك أنا متفائلة بهذه الرواية.
ما جيلك عربيا؟ ومن الكتَّاب الذين تحبين القراءة لهم؟
أحب الكثير من الأقلام، وعدت لها في الفترة الأخيرة بشغف، خاصة أني كنت لسنوات أركز على مشروعي، وأبتعد عن متابعة ما ينشر، أبحث عن مَن يدهشني حين أقرأ، وأحب التجريب وكسر القوالب.
أخيرا.. ما طموحك من الكتابة؟
من الصعب الإجابة على هذا السؤال، ولكن أحاول أن أفهم، أنا كائن مليء بالأسئلة، ورحلة البحث أثناء الكتابة تمنحني أجوبة ترويني في الفترة الحالية، ولكنها تفتح بابا لأسئلة أخرى أبني عليها عوالم روائية. طموحي أن يصل هذا النص للقارئ، وأن يحفر الماء طريقه.