رضا صالح
قال له المحامى مهنئا:
– مبروك كسبنا القضية.
بدا عليه الارتباك والتلعثم، شعر الأستاذ طنطاوى أن المسألة ستزداد تعقيدا من هذه اللحظة ؛ يالها من لحظة!
استأنف المحامى كلامه مبتسما:
– يا أستاذ طنطاوى؛لا تنسى الحلاوة مع باقى الأتعاب!
تأكد له أن جهنم سوف تفتح أبوابها بهذا الفوز الذى طال انتظاره ؛لا يدرى أيفرح حقا أم يحزن؟ ما حدث لا يترك أى فرصة للأفراح! اعتقد أن مصارعة دون كيشوت لطواحين الهواء أهون كثيرا من صراع هؤلاء الإخوة وجدلهم العقيم.
—***—
لهؤلاء الإخوة بيت ورثوه عن أبيهم، بإحدى الشقق الرحيبة كان يقطن عجوز وحيد، عند وفاته حضر ورثته من خارج المدينة لعمل إجراءات الدفن وتقبل العزاء.أبت عليه النخوة إلا أن يترك لهم مفتاح شقة المرحوم حتى ينتهوا من العزاء، الحق أنه لم ينتظر منهم شكرا على ذلك.
على النقيض مما توقع، سمع الأستاذ طنطاوى أنهم دخلوا فى عراك ومشاجرات من لحظة دخولهم الشقة، كل منهم يريد أن يفوز بنصيب الأسد من التركة ؛ فهذا أعجبته الساعة الذهبية،وذاك قلب فى جيوب ملابسه بحثا عن المال، وسيدة مسنة طلبت طقم الأنتريه من رائحة المرحوم، وأخرى أعجبها طقم “الكتشن ماشين”، أما سيارته فلم يجرؤ أحد أن يتحدث عنها جهرا فور الوفاة.
انتهت أيام العزاء الثلاثة والوضع كما هو، ومر أسبوع آخر ولم يتزحزحوا.
قابل أحدهم مصادفة على سلم العمارة، كان قد شاهده يأخذ العزاء ويتردد على الشقة كثيرا ؛ سأله:
– متى تحبون أن تنقلوا عفش المرحوم؟
– لا أدرى على وجه الدقة ؛ يمكنك سؤال السيد حامد فهو أخو المرحوم.
– وأنت لم أتشرف بمعرفتك؟
– أنا صهر الأستاذ حامد.
– وأين الأستاذ حامد؟
– قال لنا سيشترى بعض حاجات لابنته لأن فرحها – عقبال أولادك – قريب.
تعجب الأستاذ طنطاوى من هذا المسلك , ولكنه أبتلع ريقه، قائلا لنفسه: الصباح رباح.
فى الغد دق الأستاذ طنطاوى جرس الباب متلهفا على إخلاء الشقة، وخصوصا أنه وكيل عن إخوته الأربعة ,فهو إذن فى وضع حرج، ولكن المسئولية لا يجب أن تنسيه المروءة والشهامة.
—***—
فتحت له عجوز متشحة بالسواد فسألها:
– الأستاذ حامد موجود؟
– لا يا بنى؛ سافر البلد
– والمفتاح ؛ أين المفتاح؟
– أى مفتاح؟
– مفتاح الشقة
– معه يا بنى ؛ كل حاجة معه.
– شكرا يا حاجه…
قالها وعاد يجر أذيال الخيبة
—***—
قال له الأخ الأوسط:
– كيف تترك لهم الحبل على الغارب؟
وبخته الأخت الكبرى:
– أنت وكيلنا ؛عيب عليك!!
أما الأخ الأصغر فراح يسأل المحامى ويستعجله في رفع الدعوى على هؤلاء الورثة الرعاع.
كان الأخ الأكبر يقول لهم دوما:
– عندما كان يدفع ثلاثة جنيهات صبرنا عليه سنوات طويلة ؛ والآن لا تحتملون الانتظار أياما قليلة؟
ترد الأخت قائلة:
– المهم أنه مات وغار فى داهية! آن الأوان لنستفيد من الشقة، ولابد من الإسراع فى طرد هؤلاء الملاعين.
أما الأخت الصغرى فهى متزوجة من موظف بمصانع حلوان للحديد والصلب وتعيش معه فى القاهرة، بين الحين والآخر تتصل للسؤال عن نصيبها وعن إخوتها.
—***—
بعد انتهاء الأربعين يوما؛ اضطر الأستاذ طنطاوى – الأخ الأكبر- إلى رفع الدعوى القضائية بصفته وكيلا عن إخوته بعد أن فاض الكيل، وبدأ هؤلاء الورثة الأراذل فى المساومة على مبالغ طائلة حتى يتركوا لهم العين، كثر المترددون على الشقة لدرجة أن الأخ الأكبر احتار فيمن يحدث ومن يترك، وتاه مفتاح الشقة بينهم، أو هكذا كانت خطتهم، كل منهم يدعى أنه أعطاه للآخر الذى سافر إلى البلد وسوف يعود بالسلامة بعد يومين أو ثلاثة على الأكثر.
—***—
مر أكثر من عامين فى المحاكم ؛ وانتهوا أخيرا إلى كسب القضية، فى هذا الوقت بالذات، استفرد كل واحد منهم بالأخ الأكبر ليحكى له عن مشكلاته، و يعرض عليه طلباته وهمومه
تقول الأخت الكبرى:
– إيجار الشقة الآن يساوى أكثر من 300جنيه،غير المقدم المرتفع
أما الأخ الأوسط فقد سبق أن قال لأخيه على انفراد:
– أخذت وعدا كما تعلم من المرحوم الوالد بأن أسكن فبها حين خلوها.
اتصلت الأخت المقيمة فى حلوان بأخيها الأستاذ طنطاوى ؛ وأبلغته أنها تتمنى أن تكون هناك شقة للعائلة يقيمون فيها عند حضورهم لزيارة المدينة
أما الأخ الأصغر فازداد تلهفا على التقاط مفتاح الشقة من أخيه الأكبر – بعد أن يستلمه – مقابل مبلغ من المال يدفعه سرا إلى الأخ الأكبر الذى رفض هذا العرض وقال لأخيه الأصغر:
– هذه ليست أخلاقنا، لابد أن يكون كل شيء فى النور.
—***—
أحس أن الأمر يزداد تأزما، بالرغم من إحساسه بفشل المواجهة إلا أنه قرر أن يواجه الإخوة بعضهم البعض؛ حتى يعرض كل منهم فكرته على الآخرين , عسى أن يصلوا جميعا إلى قرار واحد، وليكن ما يكون.
استمر يؤجل هذا الاجتماع حتى لا يحدث صراع بين الإخوة، لم يخبر أحدا منهم بوجهة نظر الآخر حتى لا تتعقد العلاقة بينهم،عندما أصبح أمام الأمر الواقع، وبعد أن سلمه المحامى مفتاح الشقة أخيرا،اضطر إلى عقد الاجتماع.
قال الأخ الأصغر:
– لا بد أن تهتموا بى وتكرموني، المرحوم الوالد كان فى نيته أن يعطيني هذه الشقة فى حال إخلائها، وهذا من حقى، الغريب كان يؤجرها بثلاثة جنيه، وأظن أنا أولى منه.
ردت الأخت مندفعة:
– يا سلام!! هى الأنانية بعينها، لا تفكر إلا فى نفسك!
قال الأخ الأوسط:
– وتريد أن تؤجرها بثلاثة جنيهات أيضا؟؟
– وهل الغريب أفضل منى؟
قال الأخ الأكبر:
– تريدون أن تسمعوا كلامي ؛ نعرض الشقة عن طريق سمسار يؤجرها لأعلى سعر؛ لتعم الفائدة على الجميع
رد الأخ الأصغر:
– ما معنى ذلك؟ أنتم متفقون على ولا شك..!! أنا فى بداية حياتى العملية، ومرتبى محدود، فأنتم لا تجهلون أنى موظف حكومة، لست مثلكم أعمل فى التجارة أو أى مهنة حرة!!
شاطت الأخت قائلة:
– أنت عينك صفراء،أعوذ بالله منك ومن نقك..
بعد أخذ ورد تشاتم الأخان الأوسط والأصغر , وانحازت الأخت إلى الأخ الأوسط الذى عشش فى قلبه أن أخاه يحسده على ما آتاه الله من فضله كما يزعم. وقرر الأخ الأكبر أن يفض الاجتماع بحزم قبل أن تزداد الأمور اشتعالا، و يمسكا فى خناق بعضيهما، ويصبح الموضوع فرجة للجميع.
—***—
قابل الحاج نجاتى صاحب محل الفراشة بأول الشارع، فاجأه بقوله:
– مبروك القضية أعرف أنك تبحث عن ساكن محترم
– إن شاء الله يا حاج
– وهل ستجد أحسن منى؟
– لا طبعا
– اعتبر هذا وعدا
– ربنا يسهل
وأشاح بوجهه ساحبا يده بجهد من يد الحاج نجاتى التى كانت قابضة بشدة على أصابعه
—***—
فى المساء عندما كان جالسا على كرسى الحلاقة، مخبئا وجهه فى جريدة؛ سارحا فى أفكاره, مسلما رأسه إلى الشاب نوشا المزين، تحدث نوشا بصوت كالهمس فى أذن الأخ الأكبر، قال له:
– لا أستطيع أن أعبر عن فرحتي لك بقرار المحكمة!!
– من أبلغك يا نوشا؟
– لا شيء يختبىء ؛ فنحن عائلة واحدة،أبناء منطقة واحدة ؛أم هل لك رأى آخر؟
– لا طبعا!!
– سمعت أنك تطلب عشرين ألفا من المقدم ؛ وليس لدى مانع، سأنتظر منك الرد
– خلاص
– خلاص ماذا؟
انتزع الأستاذ طنطاوى شبه ابتسامة، وقد لاحظ زيادة جرعة البودرة والكولونيا والاهتمام هذه المرة،
و هم بالوقوف قائلا:
– خلاص الحلاقة؟
– نعيما يا أستاذ طنطاوى
خرج من الصالون مهموما، أدركه نوشا على الباب وهو ينفض الملاءة البيضاء قائلا:
– أوعى تنسى ما اتفقنا عليه
– ربنا يسهل , كل شيء نصيب.
—***—
لم يستطع الأستاذ طنطاوى أن يأخذ قرارا فى موضوع الشقة،وخصوصا بعد تأكد له أنه لن يستطيع أن يرضى الجميع، توقف لحظة عن الانغماس فى همه،واستدرك قائلا لنفسه: ولماذا لا أشرك زوجتى معى فى التفكير فى الأمر ؛ عسى أن تجد لنا مخرجا.
فى المساء قال لها:
– الأخوة ليس لهم رأى موحد
ردت عليه بازدراء:
– أنت السبب فى كل هذا
– أنا؟
– نعم أنت
– ولم تقولين هذا؟
– لأنك غير حازم معهم
– وكيف يكون الحزم من وجهة نظرك، والمشكلة معقدة؟
– لا يوجد أى تعقيد
تعجب من قولها، وقال:
– وكيف؟
ردت قائلة ببساطة متناهية:
– ألا ترى أن احمد ابنك يريد الزواج؟
– وما لهذا وشقة العائلة؟
– أردت أن أوفر لك بدلا من أن تدفع مائة ألف أو أكثر فى شقة، وأنت تاجر وتعرف أن السوق غير مضمون، دائما فى الطالع والنازل!!
– لم يكن هذا يخطر على بالى قط!
– اجعله على بالك، خلينا فى بالك الذى يفكر دائما للآخرين.
—***—
لم تمض أيام قلائل حتى حرر الأستاذ طنطاوى – بصفته وكيلا عن الورثة عقد إيجار باسم أحمد طنطاوى، وسارع – بناء على إلحاح من زوجته – إلى توثيقه بالشهر العقاري حتى يضع إخوته أما م الأمر الواقع، لم يكتف بذلك، بل إن أسلوبه قد تغير معهم من النقيض إلى النقيض، اختلف تماما بعد هذه الواقعة، فأصبح يتهرب منهم كلما سألوا عنه، ويتعلل بأوهى الأسباب حتى لا يواجه منهم أحدا.
عندما دق الباب ؛ وجد الأستاذ طنطاوى نفسه أمام أحد المحضرين وقد طلب منه توقيعه بالعلم على إلغاء أخوته للتوكيل، بعدها بيومين جاءه شاويش من القسم زافا إليه طلب حضور، وذلك للنظر وإبداء أقواله فى حادث اعتداء بالضرب والسب على أخيه الأصغر، و نصب في إيصال أمانة بملغ مائة ألف جنيها , وموقع عليه باسم الأخ الأوسط والأختين شاهدتين على ذلك.