هبة بسيوني
أعادني هاوس للكتابة المقالية، مضت سنون دون أن تضغطني رغبة الإمساك بلوحة المفاتيح. هناك شيء به يجعلك تتعلق. ربما لأنه يحمل جزءا منك وربما يمثلنا جميعاً. هاوس المليء بالألم والتهكم والذكاء الحاد والفكاهة.
هو الطبيب النابغة الذي يرأس قسم “الطب التشخيصي” بمستشفي “وينستون جنرال”، معروف بسمعته كطبيب نابغة قادر علي حل لغز أي مرض وشفاؤه، وقدرته التحليلية العبقرية وقوة ملاحظته غير المسبوقة لكل ما يحدث حوله.
يمتلك كريغ حواسا مرهفة تسمح له أن يكن الأفضل، شخص بقدرات خارقة تميزه لكنه ليس الصورة التقليدية للبطل الخارق اللامع بلا أي قصور إنساني. الحقيقة أنني أكره البطل الشاب ذو الأسنان اللامعة والبشرة بلا شائبة والجسد الممشوق والتصرفات المثالية.
د. هاوس أبعد مايكون عن المثالية فهو طبيب في منتصف العمر، لديه عرج بساقه ومدمن للفايكودين. وحيد، ملحد، ومعتل اجتماعيا، في منتصف العمر، لا يملك سوي صديقا واحدا هو ” ويلسون” طبيب الأورام في نفس المستشفى. هو صديقه المخلص الذي يتستر عليه ويحبه ويفعل كل مايلزم لصالحه. علاقة صداقتهما استثنائية، يراقبه ويدفعه للجنون لكنهما مرتبطين ببعضهما برباط لا ينفصم. أعتقد أنني أدعو الله لشخص كـ “ويسلون” في حياتي.
لدي هاوس لسان لاذع قاس لايرحم وتعليقات مليئة بالسخرية ولا يثق بأي مخلوق، تركته زوجته إثر جراحة ساقه والشرخ الذي حدث في علاقتهما بسبب الجراحة. اتخذت قرارا أثناء إصابته بالغيبوبة جعله يشعر بالألم للأبد ويدمن المسكنات.
تنجذب النساء إلي هاوس كعادة النساء في الانجذاب للرجال المحطمين. أولهم طبيبة تدعي “كامرون” ضمن فريقه التشخيصي. أصغر منه بعشرين عاماً، لكن شخصيته تبهرها وتقع في حبه من طرف واحد. كما تشعر نحوه بالانجذاب فتاة في الثامنة عشر عالج والدها، وامرأة متزوجة “ليديا” قابلها في مصحة نفسية أثناء رحلته للتعافي وبادلها العواطف. لنكن واقعيين فهو رجل بنكهة الحامض والعسل أو ماندعوه “سويت آند ساور”.
لديه إعجاب خفي بـ”كادي” رئيسته في العمل والوحيدة التي تحتمله وتتفهمه وماهرة في التعامل معه. هي تحبه لكنها تحجم عن إظهار عواطفها بسبب طبيعة شخصيته وخشيتها من التعرض للألم.
د. كادي هي النموذج الأمثل للمرأة التي تقف في ظهرك وتحبك حبا غير مشروط وتغفر لك كل مرة وتقبلك كما أنت. يجمع بينهما عاطفة مشبوبة من المشاعر المختلطة (الغيرة والحب والعدائية). هناك لغة وكيمياء خاصة بينهما تشعر بها كلما يجتمعا سوياً. هناك التوتر المحبب الذي يخلقه الإعجاب المسكوت عنه. حتى يدركا أنهما ينتميان لبعضهما. هما ذلك المثال علي المثل القائل “ليس كل ما تحبه مناسباً لك”.
رغم كل ماسبق ورغم مشاعرهما الجارفة لم تنجح علاقتهما. هو كآلة مصممة لتدمير الذات وإبعاد كل من يحب.
هاوس غير حليق وغير مهندم. قميصه دوماً مجعد ويرتدي أحذية رياضية ولايحمل جدية الأطباء وبالتأكيد لا يرتدي معاطفهم. يتحايل على أي شخص ويستطيع التلاعب بعقلك كما يتلاعب بعصاه. يتحدث الأسبانية والصينية وملم بثقافات البلاد الأخرى والتاريخ ويعزف البيانو. هو مثقف حقيقي ويمتلك كاريزما غير مسبوقة وابتسامة تجعلك تقع في حبه. هو قادر على إغراقك في عينيه الواسعتين الزرقاوين الصافيتين. عندما يحدق بك لديه نظرة قادرة على الولوج بروحك. لا يخطئ في تحليل أو توقع أي شخص حوله.
رغم قوته العقلية المفرطة وذكاؤه الحاد إلا أنه هش من الداخل لديه طفولة بشعة مع أب قاس يكرهه وأم ضعيفة كانت شاهد صامت ولم تستطع حمايته. يخاف من السعادة ومن التعود على الأشخاص ومن أن يظهر حقيقته لأحد وينكر وجود إله يسمعه أو يشعر بنا.
شخصية كريغ شديدة التعقيد والخصوصية ولكنها – في رأيي – أفضل شخصية درامية تم كتابتها علي الإطلاق.
لديه من جنون العظمة ما يجعله يعتقد أنه يستطيع أن يتحكم في مصائر البشر وإنقاذ حيواتهم بينما لايستطيع أن ينقذ نفسه من الحزن أو من الوحدة ومن الإدمان. تراقب صراعه مع نفسه ومحاولات استعادة حياته، وقوفه أمام الباب ثم تراجعه، اتهامه للناس بالجبن والتخاذل والكذب بينما يفعل هو كل ذلك. تترقب كل مرة وقلبك يخفق أنه سيبوح أخيراً بما في قلبه، سيتغير، سيواجه، لن يبتلع تلك الحبة لكنه يخيب أملك كل مرة.
يمتلك هيو لاوري – الذي قام بدور عمره والذي أشعر أن الشخصية خُلقت لكي يلعبها – أكتر وجه تعبيري بالعالم وكأن الحياة كانت تعده ليقوم بهذا الدور، يستطيع بدون ان ينطق كلمة أن يعبر لك عما يشعر بالضبط وهو شيء ساحر. درس الموسيقي ويمتلك صوتا جميلا وقام بالإخراج وأدوار صغيرة لم يتلفت إليها أحد حتي أصبح يتقاضي خمسين ألف دولار عن الحلقة الواحدة ويصبح المسلسل الذي يحمل اسمه من أنجح المسلسلات التليفزيونية علي مستوي العالم. لاوري هنا ليخبرك أن الوقت لا يصبح متأخراً أبداً وأن الحياة ربما تؤهلك بطريقتها الخاصة للدور الذي خلقت لتفعله. وربما النجاح يقبع هنا علي بعد خطوات، وربما هاوس هنا ليخبرك أن تترفق بنفسك لأنه مهما كانت مميزاتك فلا أحد كامل.
