أكرم محمد
هذا كتاب يقوم بفعل التأريخ، ملتقطًا هامشا ما، يعنى بالمركز، مسجلاً الصحافة كذاكرة توازي التاريخ، مستقطبًا من فعل الذاكرة، ذاته، محاولة لفهم الخاص في ثقافتنا وسياستنا، منطلقاً من ثنائية الفن/ السياسة، وهو ما يطرحه المقال الأول في الكتاب كتمهيد لاستقرائه لتلك الثنائية بين ثنائية أخرى هي الخاص/العام، لكنه يعنى بالخاص بذاكرة الوطن وصنعة الصحافة.
يستنطق كتاب “سنة ٩٠”، للكاتب معتز نادي، والصادر عن دار “ريشة”، فعل التجييل بالتأريخ للصحافة من زاوية تسجيلية شاعرية تستقرئ عاما من الزخم الصحفي، ١٩٩٠، ليتحول فعل التأريخ ذاته لمفهوم مجرد حول ذاكرة مصرية تستقرئ صحافة بلادها، فيبدأ الكتاب بفصل يؤرخ للقاء صحفي جمع المحاور والصحفي الشهير الراحل مفيد فوزي مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ذلك اللقاء الذي شحذ ذاكرة محمد عبد الوهاب، ليحولها إلى ذاكرة موازية للصحافة المصرية.
يتحدث عبد الوهاب في ذلك الحوار عن رؤيته لثنائية الفن والسياسة، وكيف اجتمع بسعد زغلول في سن صغير، حين اصطحبه الشاعر أحمد شوقي له، وكان في صحبته مكرم عبيد وأحمد ماهر، ويتابع ذاكرته، ليتضفر فعل الوصف الروائي مع التأريخ لذاكرة مثلت السياسة فيها خلفية للفن.
ثم يتناول الكتاب في فصله الثاني مقاربة تأريخية بين وضع مهرجانات السينما المعاصرة، مثل مهرجان الجونة، والمهرجانات سابقاً، مثل مهرجان القاهرة عام ١٩٩٠، الذي كاد يفقد سمعته؛ بسبب قدم آلات العرض، وهنا يقدم الكتاب استنطاقًا عامًا للفن ذاته، يتضفر مع الفصل الأول المعبر عن فعل الفن وعلاقته بالسياسة، من خلال تأريخه لما حدث في المهرجان، وأوله فوز فيلم “إسكندرية كمان وكمان” بثلاثة جوائز، فيؤرخ الفصل لصورة جمعت أحمد زكي ويوسف شاهين، كما يأتي ذكر يوسف شاهين مرة أخرى في عرض صحافي يلتقط حوارا مع الفنان الراحل يونس شلبي، عاد فيه الكتاب إلى الجزء الثاني من ثنائية السياسة/الفن، بعد مقال عرض قضية البترول في ثنائية الشرق/الغرب، وذكر يونس شلبي في الحوار رؤيته لمفهوم الإنتاج كمفهوم مجرد، فيرى أن السينما صنعة تحتاج لإمكانات كبرى لم يحظى بها، وتمنى العمل مع مخرجين مثل يوسف شاهين
يقتفي الكتاب، بفعل تأريخ يوازي ما فعله الصحفي والروائي والسيناريست إبراهيم عيسى من فعل تأريخ والتقاط لمادة صحفية هامة، حوار قام بإجرائه إبراهيم عيسى مع نجيب محفوظ عن كتاب صدر لعبد الحميد كشك ينقد رواية “أولاد حارتنا”، يقدم المقال عرضاً صحفيًا للرؤية المحفوظية للأصولية والسلفية والدينية والجمود الفكري في نظر أصحاب اللحي للفنون؛ فهم يرونها محض نص جامد يحتاج لقولبة إسلامية تأريخية جامدة، لا ترى الفن وفضاءه التأويلي، ويقتفي رؤيته لمفهوم الفن المجرد والفكر، ككل، ويستكمل الكتاب عرضه الصحفي لمنجز إبراهيم عيسى عام ١٩٩٠ بتناوله لتحقيق أجراه عن حال الثقافة في مصر، بين العرض الصحفي والكتابة الإبداعية مضفرًا ثنائية التقريرين/الإبداعي، فإضفاءه بنية درامية تظهر في طبقة من استقراء تلك العروض الصحفية الرابضة بكتاب معتز نادي.. يتوصل تحقيق إبراهيم عيسى إلى ثالوث يشكل البنية الثقافية لمصر، حيث الدين المسطح كملاذ، والجنس والمرأة، فتلاقي كتب الشعراوي مبيعات عالية، كذلك اعتماد خورشيد، وتلاقي النصوص ذات السعر الرخيص مبيعات عالية، كذلك يتتبع التحقيق مفهوم الأعلى مبيعًا، متناولًا العقلية الثقافية للشباب، وقلة شبكة مراكز بيع الكتب، ويقدم المقال مقاربة بين ثنائية الحاضر والماضي، وهو يمارسه في كل عروضه الصحافية، بطرح رؤية تحقيق إبراهيم عيسى للثقافة المصرية عام ١٩٩٠، واستقراء رمزي لحال الثقافة المعاصرة، ثم يتناول النقال التالي كتاب يتناول قضية البترول في الغرب الرأسمالي بين الإقتصاد والعسكرية، بنص تسجيلي تأريخي يوازي ذلك الكتاب، وكأن كتاب “سنة ٩٠”، يعود للجزء الأول من ثنائية السياسة/الفن، وهو ما يفعله الكتاب في فصوله.
يطرح الكتاب، أيضاً، مقالين يقطفي بهم هامش فني تناولته صحافة التسعينيات، الأول لموضوع صحفي أعده المحرر علي الشناوي تناول غضب المخرج ياسين إسماعيل يس؛ لرؤيته أن التلفزيون المصري يهمل منجز أبيه الكوميدي، والثاني لقضية أثيرت حول المسلسل الشهير “الراية البيضاء”، تأليف أسامة أنور عكاشة وإخراج محمد فاضل، وكانت القضية حول سرقة المسلسل من مؤلف شاب، مصطفى إسماعيل، قدم ملخصاً لنصه للتلفزيون المصري والرقابة وتمت الموافقة عليه، ويتناول المقال أيضاً ما حدث مع سيدة سكندرية تدعى “محبات” إبراهيم، توالت المكالمات الهاتفية عليها متسائلة عن كونها فضة المعداوي، من تلك الحكاية تتجلى بنية تأويليى وترميز للمفهوم المجرد للفن، ومنجز أسامة أنور عكاشة، فتكشف الحكاية محاكاة الواقع، وتناوله كسؤال خاص يطرح مفاهيم إنسانية وفلسفية تربض بالجزء الأول من ثنائية الخاص/العام، وتسعى لمحاولة التأريخ السياسي وطرح مروية تربضها جدارية اجتماعية تحاكي الواقع، حد اشتباك التخييل مع الواقع لحد التطابق وتلبس المتلقي بين فعل التخييل ومحاكاة الواقع.. ينبثق من المقالين شذى شاعرية تنبع من اقتفاء الهامش الفني، ليتضفر مع باقي الكتاب بدينامية تبعث هامش خاص يؤرخ لوطن، ومن المقالات الملتقطة هامش الفن مقال يقدم عرضاً صحفيًا لحوار أعده علي الشناوي مع المطرب الشعبي الراحل محمد العزبي، أوضح فيه “العزبي” رؤيته للوضع الغنائي، فرأى أن الفئة الأولى هي المطربون كعلي الحجار ومدحت صالح ومحمد الحلو، والثانية هم مطربة الأغاني الخفيفة كعمرو دياب ومحمد فؤاد، أما الثالثة فهم أصحاب المنتج الفني “الهابط”، ويطرح “العزبي” نظرته للفن الشعبي و صعوبته وأهميته، ويطرح الكاتب معتز نادي بعد ترميزي يمارسه فعل التخييل للوضع الفني الحالي، متسائلًا عن رأي محمد العزبي في مؤديي المهرجانات.