عبد العزيز دياب
شيء طبيعي أن يكون اسم السيدة “سوزان حدادلي”، أن يطل إيقاعه الموسيقي كل يوم وتلوح لي نغمته بكف رشيقة، شيء طبيعي أن تحاورني وأحاورها وهي تطل من شرفة تواجه شرفتي، فأنا لازلت أتمتع بخصلة الثرثرة الحميدة مع جنس النساء، أحتك بهن احتكاكاً جميلا، لم أجادلها مثقال ذرة عندما أخبرتني أن لها توقعات صائبة، قالت كأنها تحلم: سترقص اليوم على نغمة مزمار بلدي، يعزفها رجل بشارب ذهبي له شمخة، وطاقية عالية، وجلباب بلدي أنيق فضفاض.
فاصل
مزقت صورة “سوزان حدادلي” المرشدة فى رحلتنا الرائعة إلى “وادي الزرزورة” كانت جميلة بشعر خمري تطيره دفقات الهواء، اكتشفت أن لها نظرة عميقة ولفتات جسورة، اختصتني من دون كل اعضاء الرحلة لتخبرني بأن اسمها سوزان حدادلي.
ضحكت وأنا أسألها هل سأرقص على نغمة مزمار بلدي يعزفها رجل بشارب ذهبي له شمخة، وطاقية عالية، وجلباب بلدي أنيق فضفاض؟
سوزان حدادلي ساكنة الشرفة
لم يكن هذا اسمها الأصلي، إنما هو اسم شهرة اخترته لها وأنا ثرثر معها، اسم يناسب راقصة فنون شعبية، ستكون كما توقعت لنفسها قائد فريق الرقص تلهج بأغنية “البت بيضة.. البت بيضة وأنا أعمل إيه”، تتفوق برشاقتها وجمالها على كل السابقين لها، أعجبها ذلك الاسم واتفقنا عليه قبل أن يقف صاحب الشمخة والشارب الذهبي أسفل شرفتي يسأل بصوت جهوري: أنت صديق سوزان حدادلي؟
– ها هي أمامك فى الشرفة المواجهة.
– لا أقصد هذه.
– من تقصد بالضبط؟
كان الرجل يقصد سوزان حدادلي الشاعرة، صاحبة القصائد الفجة الرديئة، فى منتدي الشرق للإبداع.
فاصل
مَزَّقْت ديوان سوزان حدادلي الشاعرة بعد أن تَوَقَّعَتْ أنني سأرقص على نغمات مزمار بلدي يعزفها رجل له شمخة، بشارب ذهبي، وطاقية عالية، وجلباب بلدي أنيق فضفاض. لم تكتف بأن زَفَّت لى نبوءتها. من باب جانبي بالقاعة دخل زمَّار زنجي ليس له شارب أو جلباب بلدي، دعاها للرقص. الشاعرة سوزان حدادلي تخلصت من ملابسها عدا الكلوت يستر حاجتها، بدأت الرقص على أنغام شجية. صفق كل جمهور القاعة إعجباً، ورأيتني أتخذت ركناً صالحاً للبكاء، لم يمهلني الزمار الزنجي لحظة واحدة، منحني ورقة بها كتابة رديئة، بالكاد استطعت قراءتها:
الاسم: سوزان حدادلي.
العنوان: شارع…..، عمارة…..، شقة…..
الوظيفة: طبيبة أمراض نفسية وعصبية.
سوزان حدادلي المرشدة السياحية
إشارتها ناحية الصخرة المنحوتة على هيئة ضفدعة كانت فجة، تشبه إشارات الحواة ولاعبي التلت ورقات، خرج الزمار من وراء الضفدعة، أو من بطنها، كان يشبه السَّحَرَة وهو يطوف حولي، ينفض كم جلبابه ويعزف نغماً شجياً.
خاتمة
السيدة التي وجدتها أمامي بميدان لاظوغلي، اعترضت طريقي، قالت: أنا سوزان حدادلي، طبيبة أمراض نفسية. الممرض العملاق كان وراءها. فى وسط الميدان فرد الشازلونج المطوي، نزع عني ملابسي عدا الشورت يستر حاجتي، أشار لأتمدد. تمددت، امتشق مزماراً بلدياً يعزف نغماً شجياً. لم أتحمل طزاحة الللحن وانسياب النغمات، غادرت نومتي على الشازلونج فى وسط الميدان، بدأت أرقص فيما حاوطتني “السوزانات الأربع” وهن يشتعلن تصفيقاً: سوزان حدادلي ساكنة الشرفة المواجهة، سوزان حدادلي المرشدة الساحية، سوزان حدادلي الشاعرة، وسوزان حدادلي طبيبة الأمراض النفسية والعصبية.