نهى محمود
لا أعرف هل يبدو الفرق بين فيلم إلفيس المطروح نهاية عام 2022، إخراج باز لورمان وبطولة أوستن باتلر وتوم هانكس، وبين فيلم بريسيلا الموجود حاليا بالسينمات هو فقط الفرق بين رؤية النساء للحب والحياة، وبين ما يظن الرجال إنهم يقدمونه؟
قدم فيلم إلفيس قصة حياة ملك الروك آند رول أحد أهم موسيقي العالم، ورائد من رواد الموسيقي التي مزجت بين موسيقى الكانتري الريف وموسيقى البلوز والبوب.
مزج بين موسيقى السود والبيض، وكان دوره مؤثرا جدا في فترة كانت تختنق بالتميز والعنصرية التي أدت لاغتيال مارثن لوثر كينج، وبعدها السيناتور روبرت كينيدي.
كان إلفيس يغني على بعد خطوات من ذلك الخطر، يغني موسيقى قلبه التي يريدها ويحبها وتجعله سعيدا. كان يرى وقتها أن أمريكا/ الأمة تتألم.. تحتاج لصوت يساعدها على الشفاء، وظن كما قال له القس ذات مرة عندما تكون الأمور خطيرة للغاية بحيث لا يمكن قولها فلتغني.
قدم الفيلم بدايته، ونشأته في ممفيس، حيث حلم أن يشتري لوالدته كاديلاك وردية، وبيت كبير، وأن يؤمن المال لوالده حتى لا يشعرون بالعوز والفقر مرة أخرى، وقد حقق كل ذلك وأكثر، بعدما وقع عقد ار سي ايه بمعاونة الرجل الذي أدار مسيرته الغنائية طيلة عشرين عاما الكولونيل توم باركر أو العقيد كما كانوا يقولون عنه.
قدم الفيلم عثرات الفنان، ومقاومته للقالب والتنميط الذي أرادت السلطة حصره فيها، مقاومته لأجل فنه ولأجل أن يقدم ما يحب، السنوات الصعبة التي مرت عليه بسبب رحيل أمه وذهابه للخدمة العسكرية في ألمانيا، وقوعه في حب بريسيلا، الحفلات والتسجيلات، مشاكله المالية مع العقيد الذي احتال عليه وحصل على كثير من ثروته، مشاكله مع إدمان الأدوية والحبوب المخدرة، ظهور البيتلز وتقدم الزمن وتغير الأذواق، وصوله لسن الأربعين وزيادة وزنه، مسيرته وصراعه مع الموسيقي والحب حتى عثر عليه ميتا في قصره فريس لاند بممفيس والجدل بين انتحاره بجرعة مخدر زائدة أو أزمة قلبية لقلبه الذي أجهدته الحياة.
كانت آخر حفلاته في انديا بوليس في يونيو 1977.. وبقى الملك حتى بعد رحيله متربعا على القلب حيث سجل 784 أغنية، وقدم اكثر من 1,684 حفلة.
ألفيس الذي صدقت أمه دوما أنه يحمل قوة رجلين، لأنه ولد بعد توأم ميت، فحصل على قوتهما معا، وواجه بها الحياة. ألفيس الذي طالما رأى أنه لحن حر، يقول: كنت سابحا في الأفلام، شاهدت الأفلام وكنت بطلا فيها، طالما صدقت أني سأطير وأصل لصخرة الخلود مثل الكابتن مارفيل جونيو بطله المفضل في القصص المصورة
قال إلفيس كل حلم حلمته تحقق مئة مرة، تعلمت مبكرا في الحياة بأن اليوم لن ينتهي بدون أغنية، وبدون أغنية لن يحظى الإنسان بصديق، وبدون أغنية لن ينحنى الطريق لذا أنا أغني أغنية.
يقدم فيلم بريسيلا قصة أخرى عن رجل آخر، ليس الموسيقى الأكثر شهرة في
العالم، ولا الرجل الذي امتلك قلوب الملايين، وانطلقت لأجله الصرخات والدموع والسعادة. تتحدث فيه عن رجل حياتها، رجل قدمت له الحب منذ كانت في الرابعة عشر من عمرها بلقاء مدبر عندما كان يؤدي الخدمة العسكرية في ألمانيا ويشتاق للديار ويعاني من فقد أمه بعد وفاتها.
فيلم بريسيلا مأخوذ عن مذكرات بريسيلا بريسلي التي صدرت عام 1985 بعنوان ألفيس وأنا، بطولة جاكوب إيلوردي، وكايلي سبيني، وكتابة وإخراج صوفيا كوبولا.
ولأنه دورها في الحكاية فقد جاء حضور ألفيس الفنان باهتا، اكتفى الفيلم بمشاهد له
وهو يقذفها بكرسي في الأستوديو الخاص به عندما انتقدت عمل له، أو يصفعها
على وجهها إذا ما فازت عليه في لعبة لأنه يجب ان يكون الفائز كما تقول.
قدمته وهو يمارس سطوة ذكورية عليها ويختار ألوان فساتينها ويمنعها تماما من
ألوان أخرى يغير لون شعرها البني الفاتح للأسود، هل أرادت أن تقول إنه أراد أن يتحكم فيها تماما، وأنه اختار فتاة في الرابعة عشر من عمرها ليملكها، حتى عندما عرضت عليه أن تعمل لعدة ساعات في متجر بجانب دراساتها الثانوية لتحصل على بعض التسلية أثناء جولاته الغنائية قالها لها صريحة إما هذه المهنة أو أنا.
قدمته في مقاطع من الفيلم بمشهد المغفل تماما، عندما اعتنق رياضة اليوجا، وتعاطى العقاقير التي تسمو بالروح وتوقف عن ممارسة الحب معها لفترة طويلة
حتى تعلو الروح على الجسد، الأمر الذي تكرر لفترة طويلة بعد إنجابها طفلتهما.
فبدا أن ألفيس الذي ضاجع مئات النساء والمراهقات حتى أن ذلك كان سببا في
أزمته النفسية، كان يترك حبيبته وحيدة في الفراش لشهور طويلة.
بريسيلا التي بدا إنجازها الكبير في مراهقتها أنها أدمنت الحبوب، لتستطيع أن تمزج بين حياتها كطالبة تحاول التخرج من المدرسة، وبين كونها الفتاة التي تواعد إلفيس وتقضي الليل في سهراته وبين أصدقائه، بريسيلا التي كانت على استعداد لفعل اي شيء كي تبقى مع إلفيس، وتحصل عليه، تذمرت من كل ما قد يؤلم أي امرأة، عدم تقديرها، وحدتها وهي معه، خياناته المتكررة، وبكت في كل مرة هددها فيها أن يجعلها تحزم حقائبها وتعود لتقضي بعض الوقت في بيت والديها.
لذا وبعد سنوات طويلة من العيش معا وزواج استمر لست سنوات وطفلة، قررت بريسيلا أن تتركه وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، واجهته، وبكيا، وقال كل منهما للآخر إنه سيظل يحبه للأبد.
وقالت هي إنها يجب أن ترحل الآن وإلا لن تذهب أبدا، وأنها تتركه لتجد حريتها ونفسها. وبصرف النظر عما عانته حبيبة بريسلي فإني لم أعجب بفيلم بريسيلا فنيا، كنت اشعر بتلفيق للحقائق، لقطع بازل كثيرة ناقصة، حتى أن واحدا من أهم
الشخصيات المؤثرة والمتواجدة دائما في حياة إلفيس وهو العقيد باركر لم يظهر
في أي مشهد من الفيلم.
أتفهم بغضها له، ولكنها تحكي قصة أسطورة يحبها الناس، يملك كل منهم تصورا عنه وذكرى لصوته وموسيقاه، كان فن إلفيس غائبا تماما عن الفيلم. فكرت كيف لم تلحظ الحروب التي خاضها، وكيف اختيرت المشاهد كلها حول بريسيلا وحبها الذي بدا لي طوال الفيلم ينقصه شيء وأن الحكاية ينقصها سطور، لكني تفهمت أيضا أنها تحكي قصتها هي، وأنها تحكي عن مشاعر أعرف أنها عميقة وخاصة، رغم أنها أيضا تبدو ساذجة وعادية، طريقة البشر في الحب وانتظارهم لمعجزاته، والضربات التي تمتلئ بها قلوب الجميع والخذلان الذي يتـأبط ذراع الأمل ويلوحان للبشر في لعبة إغواء قديمة ومتكررة وطازجة وجديدة.
وربما يجيء صوت إلفيس في الخلفية متسائلا:
هل أنت وحيدة الليلة
هل تفتقديني الليلة
هل تشرد ذاكرتك نحو يوم مشمش أكثر أشراقا
عندما قبلتك وقلت لك يا حلوتي؟
هل الكراسي الموجودة في ردهتك تبدو فارغة وعارية؟
هل تنظرين نحو عتبة دارك وتتصوريني هناك؟
هل قلبك ممتلئ بالألم، وهل يجب عليّ العودة من جديد؟
قولي لي يا حبيبتي هل أنت وحيدة الليلة؟