سامح إدوار سعدالله
بطيء يمر الوقت، لماذا؟
أنتظر والساعات كثيرة لا تنقضي، خرجت إلى الشارع في هذا الوقت المتأخر، إلى أين؟ لا أدري. شكل الشارع بالليل مختلف تمامًا عن الفجر عن الصباح عن الضحى، رغم أنه هو نفس الشارع، وفي هذه الليلة الجو حار أشد حرارة من سطوع الشمس من نهار شهر يوليو، لا عابر في هذه الليلة المقمرة. أرى قطًّا خبيثًا يتلصص النوافذ، ماذا يفعل؟ لماذا يراقب البشر من الداخل وهم في عزلتهم قد ضاق الحر بهم؟ فتحوا النوافذ، وخلعوا ثيابهم، ولم يتبقَ منها إلا القدر البسيط.
تعلو الضحكات هنا والصرخات هناك، وصوت الأطفال يدوي في سكون الليل العميق، ما زلت أتابع القط المتحرش الذي ينتهك حرمات البيوت بنظراته الخبيثة؛ أمسكت حجرًا وصوبته في اتجاه القط شاردِ الذهن، وقد نال منه الحجر، فرماني بنظرة خاطفة مثل السهم الثاقب، وكأنه يقول: ما بك؟ مالك ومالي؟! الحق قد أصابني الخوف واقشعر بدني، وأسرعت الخطى، شعرت بمن يتبعني، نظرت للخلف، كان القط الأرقط يتبعني، توقفت فلا داعي للخوف فالمطارد قط.
قررت أن أدهس هذا القط بأقدامي أو أركله بقدمي القوية أو أمسكه، وحطمت رأسه بجدار المنازل المتراصة في عشوائية غبية؛ وعندما اقتربت من القط لأركله أو أمسكه لأنتقم منه دون أن يعاديني. فقط أنا من بدأت الإساءة؛ لكن كانت نظراته كفيلة بتوجيه عداء مقيت، حاولت الاقتراب من هذا المخلوق الصغير المغرور الذي نشب أظافره مثل نمر ضخم يتربص بطريدة عجفاء.
تريثت من مهاجمة هذا القط الفتي وشعرت حقا بالخوف من هذا الكائن الصغير الحجم القوي.
تراجعت للوراء و انطلقت مسرعًا وعيوني لا تفارق هذا القط الأرقط، نظرت هنا وهناك، و اطمأننت عندما غاب القط من ساحة الميدان، وأكملت السير وأنا أشعر بالخزي؛ كيف أشعر بالخوف من قط صغير الحجم لا يملك سوى بضعة مخالب؟
تذكرت معها أيام أليمة عندما رأيت الذكريات؛ حيث كنت بالمدرسة ضخم البنيان وسط التلاميذ، كيف كانوا يتنمرون عليّ؟
وأنا قليل الحيلة، لم يكن في استطاعتي النيل منهم أو صدهم عني.
تذكرت أيضًا في حارتنا القديمة؛ لماذا الأطفال التي كانت تصغرني في السن تهاجمني و تضربني بالأحجار، وأنا عاجز عن رد الإساءة عن نفسي وعدم التلفظ عليهم، فهذا الفعل الشنيع لو عرف به أبي لكان عقابه أشد قسوة من هؤلاء الأطفال أطفال الشوارع، تربيت في بيت يحترم الآخرين ويراعي كل الآداب والتربية؛ لكنني صرت الآن بأسًا عاجزًا عن مهاجمة قط خبيث يتلصص حرمات البيوت.
مر الوقت طويلًا، بدأ الليل ينسحب في هدوء، وبدأت تباشير الفجر تقترب خطوة- خطوة غير محسوسة، حينها كنت قد اقتربت جدًّا من حافة النهر، وهناك على الضفة الأخرى وجدت قططًا كبيرة جدًا في حجم الأسود، لكنها ليست أسودًا، فهذه ليست ألوانها. ورغم أنها نفس حركاتها و زئيرها ولبدة الشعر الغزير التي تكسو رقبة الذكور، حينها وجدت بعضًا منها يعبر النهر في اتجاهي. صرخت خوفًا، وبسرعة هرولت نحو البيت لأحتمي به، فهو قلعتي الوحيدة التي لا أمان إلا فيه. وعند عودتي لم أر أمامي أي شيء، و لم أفكر في شيء قط سوى الهروب، وعندما اعترضنا القط الأرقط كان حب الحياة أقوى من الخوف؛ حينها دهست القط الخبيث تحت أقدامي، تشبثت مخالبه الصغيرة بأقدامي، ومع سخونة دمي الفائر من الخوف و الجري لم أشعر به، كل ما هو عالق في ذاكرتي طقطقة عظام القط وأنا أحطم رأسه تحت أقدامي. وصلت لاهثًا البيت ومن النافذة نظرت لأتابع مطاريدي الكبيرة؛ وجدت القط الأرقط لا يزال ينازع في مراحله الأخيرة، ولم أجد أثرًا للقطط الكبيرة، وقد تذكرت و تمنيت متى يحين انتقامي من تلك القطط الكبيرة؟