أبناء حورة .. عالم عبد الرحيم كمال وسحر الحكايات

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

سمر مجدي 

لو كان للعجائب عالم لكان عبد الرحيم كمال سيده. ذلك ما تبادر لذهني في أول  مرة شاهدت فيها عمل خطه قلم ذلك السيد لتأتي رواية أبناء حورة وتؤكد لي أن ما تبادر لذهني ما هو إلا الصواب.

لطالما كان هذا الرجل بارع في وصف ما لانراه، والعجيب أننا نتيقن من وصفه رغم عدم رؤيتنا للموصوف. فتراه يصف لنا في أعماله أزمان لم نعاصرها وعوالم عجيبة وأسرار تحاوط الأرواح.

حاوٍ يلعب بالحكايات بين يديه في خفة تسلبك تركيزك وتسرق ناظريك ويستحوذ على وعيك لتعتقد وأنت أسير بين سطوره أن ما تقرأه حقيقة تراها بعينيك رغم يقينك باستحالتها ومحض خيالها.

فها أنت تصدق وتقنع بعالم مبني على فتى وأوزة وقعا في حب بعضهما البعض ليولد عن ذلك الحب حياة مختلفة بنظام حكم لم يشهده العالم من قبل وحكام عندما تتمعن في حكمهم لأول مرة يصيبك التيه خاصة في مقرهم.

توقن تمامًا بلا شك أن تلك الحكايات تحت عنوان تلك الرواية هي خيال صرف لكن مع ذلك لا تستطيع أن تنكر فتنة حورى الأنثوي المختبئ تحت ريشها الزاهي، كما يأسرك الحسن الساري ويرق قلبك ليونس الحر ويقف عقلك دون تحديد لوجهته  بين الأعجاب بالسبعة أو خشيتهم  ولا تنسى شفتاك مذاق العنب من راحتي النيرة في دولة اللاجئين، ولا تجهل أذناك الذكر والمناجاة في غابة المنى  بإمامة الشيوخ الثلاثة. في حين  تكاد تقسم بإنك اجتزت الأربعين باب مع غلاب وقاتلت معه بسيوف الحكايات، وتستريح قدميك من رحلة أبو شوال، تنتقل من جيل لجيل وتتقاذفك الحكايات حتى تصل إلى الراصدة وتقع في شباك عروس البحر.

لعبد الرحيم العديد من الأعمال والعديد منها في شكل روايات، ولكن في أبناء حورة صنع من الحكايات المعتقة خمر اسكر بها القراء، حكايات عجيبة بعضها من التراث القديم ببصمة معاصرة خلطها ببعضا من روحه، فنلاحظ قواعد الواقع في كل زمن وبعض ملامح الحاضر في غير اغفال لمستقبل يخبئ في طياتها أمل وتوق للعدالة والمواساة والحب، أضاف عليها بعضا من الأسرار المتجلية على روحه وقلبه.

مغزولة رواية أبناء حورة بالعديد من الحكايات، غلاف أزرق يغلق على شخصيات ليس من اليسير حصرها تتشابك خيوطها بعضها في بعض لكنه تشابك لا يخلو من الوضوح، شخصيات على كثرتها إلا أن لكل شخصية مذاقها الخاص الممتع، لكل شخصية قصة متكاملة تستطيع أن تبنى بها رواية كاملة دون إخلال.

يلعب الكاتب بتلك الشخصيات على آلة موسيقية للزمن، كمن يمرر أطراف اصابعه على أوتار آلة القانون فترى زمن مثل زمن الستينات على قربه بعيد وتعيش في المستقبل حاضرك ثم تنقله إلى ماضيك وتعيش في مستقبل هو ابعد منه.

نسجت تلك الرواية بخيوط بيضة وطائر وكتاب ذات رسومات حفظ حكاية. لتحفظ بالحكاية  وجود أمة كانت الحكاية سلاحها الأقوى.

دعني أخبرك بسر نسجته على منوال سيد عالم العجائب أو هكذا تمنيت نسجه.

ذات ليلة بعد أحد الندوات التي كان ضيفها السيد عبد الرحيم كمال قررت أن اتتبع أثره وعلى غير العادة لم اتتبع أثره في الكتابة وإنما أثر خطواته.

وعلى طريقة أفلام التشويق رأيته يسير تحت ضوء القمر وعناية الأشجار حتى أقترب من باب قصر غير مسكون أخبرني غياب ضوءه بهجران أهله، وما إن وقف أمام الباب حتى فتح، دلف من خلاله واتخذت قدماي القرار رغم رجفة قلبي فادلفت خلفه ولا علم لي هل فتح الباب له فقط وتسللت خلفه أم أنه يفتح لأي خطوات.

فتح الباب وما إن فتح حتى تبدى الأمر واضحًا جليًا، فهو باب باطنه الرحمة وظاهره العذاب، فتح الباب على الحياة، كل جماد فيه حي، ولكل نصيب من النور، لا قانون للجاذبية فيه وإنما هو الطواف.

يسير عبد الرحيم وهو يعلم وجهته والتي بها تحددت وجهتي حتى وصلنا إلى سلم اكمل به طريقه وتوقفت عنده خطاي فأثرت الرؤية على المشاركة، فما كان في أسفل السلم إلا نهر عظيم ملقاة على شاطئه كنوز حية تنبض وتتحرك وتهمس من غير شفاه وماكان من سيد عالم العجائب إلا أن انتقى صندوق من بعض الصناديق الصامته  واخذ يضع ما طالته يداه من كنوز خلقت من معادن الأحرف وأسرارها داخل الصندوق وكأن الصندوق خلق من صمت ليحاوط همس الأحرف ويرتبها وما أن أنتهى السيد نظر إلى وابتسم ابتسامة تخبرني أنه تمنى أن يقتفي أحد أثره ويعلم سره فالباب مفتوح لا يتنظر أن يطرقه أحدهم وإنما يكفي أن يسمع اقتراب الخطوات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتبة مصرية 

مقالات من نفس القسم