يوسف أحمد الحسن
عندما أراد الأديب الروسي الكبير ديستويفسكي أن يتقدم لفتاة للزواج بها وكانت تعمل عنده على الآلة الطابعة، طلب منها في أحد الأيام أن تشاركه في كتابة حبكة روائية قال إنها صعبت عليه، حيث أخبرها أنه بحاجة إلى مساعدتها لكي يفهم نفسية الأنثى؛ “ففي الرواية فتاة، وهو غير ملم بارتعاشات نفوس الفتيات”، كما قال.
هذا ما ذكرته (آنا غريغوريفنا)، زوجته لاحقًا، في مذكرات أصدرتها بعد وفاته بسنوات تحت عنوان (مذكرات زوجة الكاتب ديستويفسكي)، وترجمها خيري الضامن عام 2015.
وكانت الرواية تتضمن بطلًا رسامًا يتقدم إلى فتاة تصغره كثيرًا في العمر. تقول عن ديستويفسكي: لكنه باغتني مرتبكًا: ما رأيك؟ هل تستطيع فتاة شابة أن تحب فنانًا عجوزًا مريضًا مثقلًا بالديون؟ لنفترض أن الفنان هو أنا، والبطلة أنت، فما رأيك؟
أجابته غريغوريفنا: لو كان الأمر كذلك لأجبتك: أحبك وسأظل على حبي مدى العمر. وتضيف: وبعد ساعة أخذ فيودور ديستويفسكي يخطط لمستقبلنا، ويسألني عن رأيي في التفاصيل. وكنت عاجزة عن الخوض فيها من فرط السعادة.
تقول: سألته مرة: لِم لَم تتقدم إلي بخطبة عادية كما يفعل الجميع، وجئت بمقدمات طويلة عريضة بشكل “رواية” مختلقة؟ فأجاب:
-الحقيقة كنت يائسًا، وكنت أعتبر الزواج منك تهورًا وجنونًا؛ فالتفاوت بيننا رهيب؛ أنا شيخ عجوز وأنت في عمر الطفولة، وفارق السن بيننا ربع قرن. أنا مريض كئيب سريع الانفعال، وأنت مفعمة بالحيوية والمرح. أنا إنسان مستهلك أكلت عمري وتجرعت المصائب والأهوال، وأنت تعيشين حياة هانئة والمستقبل كله أمامك… فماذا أنتظر؟
وهكذا تقدم لها وتزوجها، رغم أن عمره يبلغ ضعف عمرها، وقد عاشت معه وساعدته في مختلف الجوانب المادية، ثم في حفظ تراثه، ثم كتبت مذكراتها حول علاقته الشخصية ثم الزوجية بها.
هذه الطريقة في البوح بحبه لها ثم الزواج بها تشبه بعض جوانب حبكات رواياته التي يبدو أنه يتبناها في حياته الواقعية، وهي طريقة تختلف عن الطرق التي يتبناها الآخرون عندما يرغبون في الزواج.