سعيدة بوكردوس
المعروف عن كافكا ارتباط اسمه بالرسائل واليوميات، فلقد اتخذها كبطاقة سفر يعبر بها إلى قلوب عشيقاته اللواتي لم يتخط معهن عتبة الخطبة، بداية من فيليس وغريت ونهاية بميلينا و دورا، إذ كانت حياته العاطفية مضطربة، كتب ذات مرة واصفا كتابة الرسائل بأنها التعري أمام الاشباح وهي تنتظر ذلك بنهم كما أن القبلات المكتوبة تشربها هذه الاشباح وتتغذى عليها وتفاقهمها هو الذي دفع إلى ظهور اختراعات كثيرة ساهمت في تحقيق التواصل الطبيعي. الأمر الذي جعل هذه الرسائل وصاحبها مصدر اهتمام الكثير من الادباء، ولعل الكاتبة جاكلين راوول دوفال كانت من بينهم ما جعلها تجمع في روايتها حياته العاطفية بعنوان “كافكا الخاطب الأبدي”
عمدت الروائية إلى تسمية كافكا ب “الخاطب الأبدي” وذلك لسبب متعلق به، فالمتتبع لسيرة كافكا سيجد أن جل علاقاته لم تنجح وأغلبها انتهت عند العتبة الأولى أي عند الخطبة، ما جعله خاطبا أبديا رغم أنه كان على استعداد للزواج بدورا لكن ذلك لم يتحقق لأن موته ربح الجولة على حد قول لويس غروس في كتابه “ما لا يدرك”.
تُعد الرواية ملخصا للحياة العاطفية الخاصة بكافكا فرانز، الروائية في بداية اشتغالها على الكتاب كانت قد وضعته على شكل مسرحية لكنها توقفت عنها لإحساسها بأنها كانت على الطريق الخاطئ إذ أرادت بكتابها أن تحيي جميع الشخصيات التي مرت على حياة كافكا مبتعدة قدر الامكان عن البيوغرافيا بمعناها التقليدي حسبما ذكرته في الصفحة 263 من كتابها، لكن ذلك لم يمنع من إعطاء صورة مملة للرواية ( كأننا فعلا نقرأ بيوغرافيا كلاسيكية) كما أنها تكمل في نفس الفقرة قائلة أنها لا تدري في أي جنس أدبي تكتب، ما يجعل تسمية هذا الكتاب برواية امرا ليست متأكدة منه.
تنتهي الرواية بوفاة كافكا بعد سنوات من المعاناة من المرض، ثم مآل كل شخصية من شخصيات الرواية، من عائلته، و أصدقائه وعشيقاته.
اعتمد كافكا الرسائل كوسيلة تعارف واعتراف لعشيقاته، ولقد صنف الألسنيون هذا الشكل الادبي (الرسائل) في إطار أدب الهامش أو أدب الأقليات، وهو نوع ارتبط بالدرجة الاولى بالأدب وعلم الاجتماع لكونه ينقل أوضاع فئة معينة مهمشة، يعد خروجا عن المألوف كما يهتم بالمبتذل واليومي وهو عكس الادب المركزي (الرسمي) ومن أمثلته روايات دوستويفسكي، محمد شكري، فيكتور هيجو وغيرهم.
ولقد صار كل مهمش ذو أهمية بالغة عند فيلسوف الهوامش ورائد المنهج التفكيكي جاك دريدا فبحسبه “لا وجود لثقافة نخبوية في مقابل أخرى دونية، ومن ثم لا وجود لنموذج متعال لتفسير الظواهر.” حاول اذن دريدا من خلال منهجه إعادة الاعتبار لهذا النوع من الأدب من خلال نقد الفكر الغربي “ما ورائي ميتافيزيقي” القائم على ثنائية، أحدهما يمتلك كل الامتيازات والفوقية والآخر مهمش مغيب ودوني.
وأخيرا، شخصيا – لم أحب الرواية، في البداية اعتقدت أن وتيرتها ستتغير أو قد يكون سردا مخالفا عن كافكا لكني لم أجد نفسي سوى أمام محاكاة لحياة كافكا العاطفية لا غير.