صبري الموجي
تبدأ رواية “الدم والعشق” للروائي الطبيب سيد عبد العال حسان، والصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، ببعث وإحياء “ماعت” إله الصدق والحق والعدل؛ ليُحذر الناس مغبة الظلم والقتل، وليعلن قانون السماء العادل، القائم علي أن الجزاء من جنس العمل، فمن قتلَ يُقتل، ومن طغي وبغي فجزاؤه جحيم أبدي يعاني ويلاته، ويقاسي سعيره !
وهنا يثور سؤال، هل الآلهة يموتون ويبعثون، كما بُعثَ” ماعت”، حيث عاد ليُعلن قانون السماء، الذي قوامه العدل ورد المظالم، وتطبيق القصاص !
من بين سطور راوية ” الدم والعشق” وفصولها يتضح ولعُ الكاتب بالتفاصيل، وشغفه برسم الصور، اعتمادا علي خياله الخصب، الكاشف عن كثرة القراءة والاطلاع، حيث برع في تصوير صورة أدهم، وكشفِ حالته المزاجية والنفسية، كما برع في إضفاء نوع من التشخيص لأثاث الحجرة، والذي بدا كشخوص من ” لحم ودم” تتكلم وتتحرك، فبدت ساعةُ الحائط في حراك مستمر ليتولد من رحمها فجرٌ جديد، يُعلن ميلاد يوم جديد مملوء بالمواقف والأحداث
ويبدو كذلك أنَّ عمل الكاتب طبيبا، أثر عليه إلي حد كبير، إذ يُثبت تأكيدُه قدرة الطب علي تخليص أدهم من تشوهاته الجسدية، وإخفاء ترهلات جسمه، وتجاعيد وجهه، فيعود إليه رونقُه وبريقه؛ ليأسر قلوب النساء، وأفئدة العذارى – أقول يُثبت هذا – انتصاره لمهنة الطب، وتأكيد أنه بإمكان العطار أن يُصلح ما أفسده الدهر !
ومن جديد تعود، فتتضح خلفية الكاتب الدينية، إذ يأتي علي لسان أدهم أن المرء مجزىٌ بباطنه، وليس بظاهره، فلو استطاع الطبُّ التغلب علي تشوهات الجسد، فأبدا لن يتمكن من إخفاء سوءات الروح !
بعدها تأتي جملةٌ من عبارات الكاتب علي لسان أدهم أشبه بفلاشات مُتعاقبة تشير إلي نبع ثقافة الكاتب الصافي، وفطرته السوية من خلال عبارات: “ما كان لك وصلك غير منقوص، وما كان لغيرك لم يصل إليك لحكمة يعلمها الله”، وكذلك حديث أدهم لنفسه، ولومه اللاذع لها في قوله : ” أنسيت أن للكون ربا يصيره ويدبر أمره ويرعي شئونه” .
ثم ينتهي فصل الرواية الأول بأوامر أدهم المتعاقبة، التي تُثبت أنه رجل أعمال من العيار الثقيل، وسياسيٌ محنك، يعرف من أين تؤكل الكتف، فاستخدم مجموعة من الأسلحة الفتَّاكة للتغلب على خصومه، وعلي رأسها سلاح الإعلام، والذي (يصنع من الفسيخ شربات)، ويضفي علي من يريد هالة تصنع منه نجم مجتمع، تتصدر صورُه الصحف والمجلات !
وفي خضم المتعة وتسارع الأحداث ينتهي الفصل الأول، ليبدأ الفصل الثاني من أحداث الرواية بحديث دكتور مراد لنفسه، اللافت إلى الحرب المُستعرة بين سلطة المال، وصولجان المكانة الاجتماعية، لتشتم أنَّ مراد يعلن تغلب نفوذ المال علي العلم؛ إذ إن كلَّ الشهادات التي حصلها ما هي إلا حبرٌ علي ورق في مجتمع لا يُقدر العلم والعلماء !
وهو ما أصاب دكتور مراد بحالة من اليأس، جعلته يُفكر في عالم الموت، ويطرح مجموعة من الأسئلة عن الغيب والبعث والحساب، تُثبت حقارة الدنيا، وأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ومن خلال هذه الأسئلة تتجلي من جديد خلفيةُ الكاتب، وعقيدته الصافية !
وبين سطور الفصل الثالث يخرج صوت أمين، ليلقي الضوء علي طائفة ثالثة من المجتمع، تضاف إلي طائفة رجال الأعمال، ويمثلها أدهم، وطائفة العلماء، ويمثلها مراد ، وهي طائفة ” الموظفين في الأرض”، أو بمعني أصح ” المطحونين في الأرض”، الذين جروا وراء “الوظيفة الميري” فكانت ” سرابا بقيعة “، إذ عاني أصحابُها قلةَ الدخل، فانطلق بعضهم لا يلوي علي أحد يفتش عن ثغرات ونوافذ تدر عليه دخلا يعينه علي أعباء الحياة، ولو جاء ذلك علي حساب اللوائح والقوانين !
وخلال زخم الرواية بالشخوص والأحداث، يظهر سلاحٌ جديد بسمه الزُّعاف، وهو سلاح “نساء الليل” والذي هو والمال صنوان، ويبرز هذا في الحفل الماجن الذي أقامه أدهم بك، ودعيت إليه الفاتنات الحسان.
رواية “الدم والعشق” رواية جديرة بالقراءة، مليئة بالأحداث، والصراعات، ترصد أطياف المجتمع المصري، ثقافته وقناعاته، آماله وآلامه، تجري علي أشلائها شلالات دم جمال وشوكت وغيرهما من الأبطال.