أحمد عبد الرحيم
تحوّلت مشاهدتك للفيلم السينمائى فى دار العرض إلى فيلم رعب فى حد ذاتها. هناك من يقزقز اللب ويصوِّب قشره نحو قفاك، وهناك بائع المياه الغازية الذى يفتحها فى وجهك ظنًا أنه يحرجك كى تشتريها، وكان هناك – زمان – الفتى الذى يلقى نكاتًا بذيئة، بصوت عالٍ، على كل حدث فى الفيلم المعروض، هذا الفتى تزوج الآن فتاة تتحدث فى هاتفها المحمول طوال العرض، وأنجبا أطفالًا يلعبون الاستغماية داخل قاعة العرض!
إليكم أسوأ 10 مواقف واجهتها داخل دور عرض، حيث منعتنى من الاستمتاع بالفيلم الذى اخترته، وأبكتنى على حق التذكرة التى قطعتها لمشاهدته، وربما أجبرتنى على دفع ما هو أكثر مقابل العلاج النفسى لاحقًا!
***
10) الفيلم: جمال عبد الناصر (1999).
تاريخ المشاهدة: 15-7-1999.
الموقف: رغم طموح الفيلم، فإنه لم يكن من أفضل أفلام السير الذاتية، لكن ما أزعجنى بحق كان رجلًا وامرأة أصرا على الجلوس فى الصف الأخير، مستغرقين فى ضحك صاخب طيلة الساعتين مدة عرض الفيلم. سأحاول أن أكون حسن النية، إلى أبعد الحدود، وأقول إن كليهما لم يعجب بعناصر فى الفيلم، أو بالفيلم كله!
لقطة أخيرة: لو سمعت تلك الضحكات ساعتها، التى أقل ما توصف به أنها “رقيعة”، كنت ستخمِّن أن الأمر لا صلة له بالسياسة، أو بالفن، من الأساس!
***
9) الفيلم: Sleepy Hollow أو سليبى هولو “عُرِض تجاريًا بعنوان: أسطورة الفارس المجهول” (1999).
تاريخ المشاهدة: 11-5-2000.
الموقف: حينما يعرض الفيلم قبل تترات بدايته لوجو شركة إنتاجه Mandalay Pictures، وهو عبارة عن نمر يتحرك نحو عين الكاميرا، وتجد السيدة الجالسة وراءك تعبِّر عن توجسها قائلة: “من أولها كده!”، فتأكد بدرجة 95% أنك على موعد مع مشاهدة سيئة! الفيلم عن فارس مقطوع الرأس يظهر ليلًا فى قرية كى يقطع رءوس أهلها، وأمام ذلك بقيت تلك السيدة تشهق، وتصرخ، وتضحك ثم تكرِّر الأفعال الثلاثة، بالترتيب نفسه أو بغيره، طيلة أغلب الفيلم، حتى توتِّرك أكثر من أحداثه!
لقطة أخيرة: يعد الضحك آلية نفسية عند البعض لمواجهة المواقف المرعبة بدلًا من الصراخ. النادر أن هذه السيدة انشغلت بالضحك والصراخ معًا!
***
8) الفيلم: 16 Blocks أو 16 بناية “عُرِض تجاريًا بعنوان: العملية المميتة” (2006).
تاريخ المشاهدة: 30-4-2006.
الموقف: حكى الفيلم عن ضابط مُكلَّف بتوصيل شاب سيشهد فى محكمة تبتعد عن مقر احتجازه بـ16 بناية، بينما يطاردهما الأشرار، الذين ستسجنهم تلك الشهادة، كى يمنعوهما من الوصول. فى الوقت ذاته، عانيت أنا من أم وابنها وابنتها الشابين، يتحدثون مع بعضهم، وفى الهواتف المحمولة، بخصوص قضية أخرى، بينما تغلى النقاشات بينهم، حتى صاروا أشد شرًا من أشرار الفيلم. إذا ما كانت تلك الأسرة لديها مشاكل، فلماذا يصطحبوها إلى دار العرض كى يضايقوا أنفسهم، ونحن، بها؟ هل لأن السينما مكيَّفة مثلًا؟!
لقطة أخيرة: لم أفهم القضية التى أخذت تلك الأسرة تثرثر بشأنها، ولا القضية التى يعرضها الفيلم أيضًا!
****
7) الفيلم: The A-Team أو فريق النخبة (2010).
تاريخ المشاهدة: 12-6-2010.
الموقف: هذا فيلم مرح عن فريق للعمليات الخاصة مكوّن من 4 رجال، يخوضون حربًا لإثبات براءتهم من جرائم نُسبِت إليهم. لكنى حين مشاهدته، قضيت وقتًا غير مرح خلال حربى، وكل الجالسين فى دار العرض، مع فريق مكوّن من 5 شبان وشابات، عاقبونا على جريمتنا لمحاولة متابعة هذا الفيلم. لقد كانوا مجموعة مرفهة، مستهترة، بعضهم متضايق لأنه لا يفهم الفيلم (رغم أن حبكته فى مستوى الأطفال!)، وبعضهم يُطلق تعليقات بالعربية والإنجليزية على مواقفه، وجميعهم يتحاورون معًا فى أثنائه؛ كأنهم جالسون على مقهاهم المفضل. المشكلة أن أحدًا لم يعلّمهم أخلاق احترام العمل الفنى والآخرين، وهو ما أضاع العمل الفنى من الآخرين!
لقطة أخيرة: عند استدعاء أحد عمال دار العرض من قِبل المشاهدين، كى يستأذن ذلك الفريق الإجرامى فى السكوت قليلًا، لاذ شبانه وشاباته بالصمت قبيل اقترابه منهم، حتى لم يملك العامل إلا تحذير إحداهن من رفع ساقها فوق الكرسى الفارغ المقابل لها، فأنزلتها بهدوء، ثم بمجرد مغادرته، أعادت رفعها بالهدوء نفسه.
****
6) الفيلم: Lethal Weapon 4 أو السلاح القاتل – الجزء الرابع “عُرِض تجاريًا بعنوان: شرطيان فى الجحيم 4” (1998).
تاريخ المشاهدة: 21-10-1998.
الموقف: دار العرض فارغة إلا منى وصديق لى يجاورنى، ورجل متوسط العمر خلفى. فى أثناء الإعلانات التى تسبق الفيلم، طالبنى الرجل، برنة من حدة، بألا أحرِّك رأسى (؟!!)، فنهضت ببساطة، مُغيِّرًا مكانى إلى كرسى آخر بعيد عنه. لا.. لم يتجه إلى الكرسى الخلفى، جالسًا عليه، كى يطالبنى: “دماغك يا كابتن!” كما النكتة الشهيرة التى دارت حول تعلُّم السخافة، وإنما فعل ما هو أسخف، حين بقى طوال الفيلم يُعلِّق بالكلمات والصفارات على أحداثه، ويتنبأ بها بأعلى صوت، بل يردِّد الأغنية المعروضة فى تترات النهاية! اتضح طبعًا أن هذا رجل شاهد الفيلم من قبل، حتى حفظه، وجاء كى يسمِّعه لنا!
لقطة أخيرة: البعض يحاول لفت النظر إليه بأسوأ الطرق!
**
5) الفيلم: Ocean’s Thirteen أو رجال أوشن الـ13 “عُرِض تجاريًا بعنوان “عصابة الـ13” (2007).
تاريخ المشاهدة: 18-6-2007.
الموقف: فى الفيلم السابق كان هناك رجل يردِّد تعليقات على أحداث فى الفيلم. هذه المرة – حاول التخيّل – كان هناك شابان يردِّدان كل جملة حوار ينطقها ممثلو الفيلم!
لقطة أخيرة: البعض يحاول تعلُّم الإنجليزية بأسوأ الطرق!
***
4) الفيلم: Star Wars: The Phantom Menace أو حروب النجم: تهديد الشبح “عُرِض تجاريًا بعنوان “التهديد الخفى” (1999).
تاريخ المشاهدة: 1-11-1999.
الموقف: شبه فصل كامل “زوّغ” من المدرسة، باحثًا عن فيلم ممتع، لم يجده فى هذا الفيلم غير الممتع بالفعل، والنتيجة: مجموعة تلاميذ، بحقائبهم وملابسهم المدرسية، لا يعنيهم أىّ من المعروض على الشاشة، منصرفين إلى الحديث، والتشاحن، والحركة داخل قاعة العرض. إنس أى مقاومة من المشاهدين، أو سيطرة من عمال الدار، فأنت أمام كتيبة أشقياء، ومشاريع مجرمين. للأسف، بعد ثلاثية “حرب النجوم” الأولى (1977، 1980، 1983)، التى حققت نجاحًا هائلًا وشعبية جارفة، صُنِع هذا الفيلم كبداية ثلاثية جديدة، لكنه جاء متخم الحوار ومُرهِقًا بصريًّا، لدرجة نفّرت حتى أشد عشاق السلسلة منه، فما بالك بهؤلاء الصبية!
لقطة أخيرة: حدث ذلك قبل عصر الكاميرا التى يحملها كل فرد، والشبكة الرقمية التى تحوى صفحة لكل شخص، فلو كان ذلك متوافرًا وقتها، لكنت سجّلت ڤيديو لما حدث، وحمّلته على الصفحة الرسمية لچورج لوكاس، مؤلف ومخرج ومنتج الفيلم، دليلًا على عجز عمله عن الاستحواذ على هؤلاء، رغم كونهم جمهوره المستهدف!
***
3) الفيلم: X-Men: The Last Stand أو رجال إكس: المواجهة الأخيرة (2006).
تاريخ المشاهدة: 11-6-2006.
الموقف: لم تكن المشكلة فى الزحام، وإنما فيما جعل المشاهدة تشبه يوم الزحام. الحضور الكثيف لا يفعل شيئًا إلا الكلام بشراهة، وبصوت صريح العلو؛ وهو ما أنتج صخبًا يصم الآذان، ويهلك الأعصاب. ستشعر طوال الوقت أنك فى ميدان مكتظ، أو محطة قطار محتشدة، ولا فائدة من محاولات التركيز لأنها ستبوء بالفشل. العجيب أن الصمت كان يظهر وقت مشاهد الأكشن، ويموت بعدها؛ وهو ما ذكّرنى بالغريزة الحيوانية فى الإنسان، التى تميل إلى الانفعال، وليس التفكير، وكيف أن غَلَبتها على الإنسان تدمر رقيّه!
لقطة أخيرة: كان بجوارى مجموعة من 4 مراهقين، يعشقون الحديث بدون استراحة، وحينما التمست منهم السكوت، وصمتوا لبعض الوقت، لم أشعر بأى انتصار، فبقية دار العرض كانت تتحدث، وتتحدث (ربما كانت الكراسى والأرضية تشاركهم الحديث أيضًا!)، حتى يحصدك العجز لو تصوّرت أنك ستقدر على إسكات كل هؤلاء!
***
2) الفيلم: Titanic أو تيتانيك (والمقصود “السفينة الجبارة”) “عُرِض تجاريًا بعنوان: لغز السفينة تيتانيك” (1997).
تاريخ المشاهدة: 16-7-1998.
الموقف: كوكتيل من أنواع مضايقات مختلفة؛ فدار العرض لم تكن مُدرَّجة، بمعنى أن جميع كراسيها كانت فى الارتفاع نفسه، لهذا حينما جلس رجل فارع الطول أمامى، لم أر إلا أقصى الجانب الأيمن، وأقصى الجانب الأيسر من كل كادر (كذا لم أدرك إلا أول وآخر الكلمات فى سطور الترجمة!)، وهناك سيدة لا تكف عن لطم خديها، والتحسر على ركّاب السفينة وأثاثها ساعة غرقها، إلى جانب أطفال يتشاجرون، ثم يبكون، ثم يتصالحون، ثم يغنون، ناهيك عن أن الفيلم الحائز على أوسكار الصوت كان معروضًا بصوت مكتوم تمامًا، ولما اشتكيت الأمر إلى أحد موظفى الدار، أصابه الذهول، وهرع لإصلاح ذلك (لم أره ثانية، ولم ينصلح العيب!). باختصار، غرقت السفينة تيتانيك فى المحيط الأطلنطى، وغرقت أنا فى هذا المحيط من المزعجات!
لقطة أخيرة: اضطررت إلى مشاهدة الفيلم مرة أخرى، فى دار عرض مختلفة، بتاريخ 15-8-1999، باعتبار أن هذه المرة المنكوبة غير محسوبة!
***
1) الفيلم: The Ring Two أو الحَلْقَة – الجزء الثانى (2005).
تاريخ المشاهدة: 13-6-2005.
الموقف: فيلم رعب لم يعجبنى أى شىء بخصوصه، فقد كان محض تكسّب من نجاح جزئه الأول، تم على نحو متسرع وركيك. لهذا تفرّغت للسخرية بصوت مسموع على كل مشهد فيه، وإطلاق العبارات المتهكمة على نقاط ضعفه المتعددة. فقيام “سامارا”، شبح الفيلم، بإسالة الماء من جدران منزل البطلة لإخافتها جعلنى أصيح: “الفيلم ده محتاج سباك!”، ومحاولة سامارا التسلل من وراء البطلة حين تمشيها وحيدة نالت منى تعليق: “إيه حركات التخويف القديمة دى؟!”، كذلك أخذت أتخيل أجزاء تالية للفيلم قائلًا: “بكرة يعملوا (عودة سامارا)، (سامارا تقابل باتمان)، (سامارا تحب اللمبى)!”
لقطة أخيرة: لم يعترض أىّ من الحاضرين على هذه التعليقات؛ هل لأنها أعجبتهم، أم لأنهم اعتادوا عليها؟!
***
..وهكذا، اكتمل فيلم الرعب الذى تحوّلت إليه المشاهدة فى دور العرض؛ حينما انقلب المشاهد إلى الوحش الذى يحاربه. يبدو أن العيش وسط كل هذا التشوه هزمنى، لكن من المؤكد أنى لم أسمح له بفعلها مجددًا، وأدعوك – عزيزى القارئ – للانتباه إلى ذلك أيضّا، فالاختيار صار حاليًا بين رفضك أن تكون الوحش، أو هربك من ملاقاته بمشاهدة الفيلم فى أى وسيط آخر. هزيمة الوحش لم تعد اختيارًا؛ فالتعامل المهذب لن تستجيب له الأغلبية، والتشاجر مؤذى العواقب. أما اختفاء الوحش ذاته؛ فيتطلب وعيًا بقيمة الحرية، وتربية على احترام الآخر، وغيره مما لم يعد موجودًا فى بلدنا.. بهذه الوفرة!
……………………..
*نُشرت فى موقع عرب لايت – 2 يونيو 2019.