بروفة لحياة مؤجلة وهزيمة جيل كامل

بروفة لحياة مؤجلة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد سمير سعد

“بروفة لحياة مؤجلة” رواية جديدة للروائي المبدع أحمد عامر. نجد فيها البطل يحاول الهروب من استسلامه لنمطية العالم وشعوره الدائم بالهزيمة.. الهزيمة في الحب والهزيمة في الحرب/ الثورة.
ربما نجد في هذا البطل انعكاسا لجيل كامل، فالبطل أربعيني هو من عمري تقريبا وعمر جيلنا كله وربما مر بكل الأحلام العظيمة التي تحطمت على صخور الواقع وكأنه مندوب عنا يتحدث بألسنة الغالبية، يقص أزمة الوطن وأزمة منتصف العمر، يقف في منتصف الطريق ينظر إلى ماذا وصل ويكاد يؤمن أن الأفق مغلق وأن التفاصيل اليومية الروتينية العادية التي يحاول اختلاقها والعيش فيها لم تعد كافية.
رغم أن شخصية البطل شخصية عميقة، لها أبعاد ومشاعر وذكريات إلا أنها شخصية حداثية بامتياز، هي لا تتميز تقريبا بأي شيء خاص لتؤكد ربما على أنها رمز أو مندوب جيل بأكمله مهزوم مأزوم، عادة تأتي مثل هذه الشخصيات مسطحة في النصوص لكن الروائي نجح هنا في رسمها بعمق.
يتنقل الراوي بين استخدام ضمير الغائب وضمير المتكلم.. بين السرد على لسان الراوي العليم وما يشبه التدوينات بلسان البطل، وقد تم ذلك في سلاسة ولطف وهي انتقالات ذكية قادرة بالطبع على كسر أي رتابة وقادرة على الانتقال بالحدث.
لا أخفيكم سرا أحب الروايات التي تتنامى فيها الأحداث بصورة أكبر وهذه الرواية من دون حدث متنامٍ إلا أن ذلك في ظني يخدم رؤية الكاتب ويدعمها فهو يصور بطلا يعيش في عالم راكد وكأنه لا شيء يحدث في هذا العالم سوى شذرات بعيدة وغير مترابطة وقلما يشتبك معها الكاتب بالأساس أو يسعى في إثرها.
أخيرا لفت نظري عندما أمسكت بهذه الرواية للمرة الأولى ترقيم الفصول فهو ترقيم غير معتاد، لا يبدأ بالواحد أو حتى بالصفر بل يبدأ بالسالب ثم يأتي الصفر في فصل قرب الثلث الأخير من الرواية ثم يبدأ العد بالموجب بعد ذلك.. وأشدت بالطبع بهذه الطريقة الذكية والجديدة بمجرد أن أمسكت بالرواية، إذ إننا انتقلنا بهذا الترقيم من أعداد العد (الأعداد الموجبة بدءا من الواحد) – بل انتقلنا من الأعداد الطبيعية (الأعداد الموجبة مضافا لها الصفر) إلى الأعداد الصحيحة (الموجبة والسالبة) وهي ذات امتداد لا نهائي في الاتجاهين الأقل من الصفر والأكبر من الصفر) وكأن الرواية لقطة في تيار متدفق بلا نقطة بدء في الماضي أو وصول في المستقبل..
حقيقة حاولت تأويل هذا الأسلوب في الترقيم من خلال الرواية، هل الصفر هو الذروة لكن الرواية بلا حدث متنامٍ أم لحظة الكشف أو الاستفاقة، الأقرب في ظني أن الصفر يمثل لحظة المواجهة المباشرة وأولى محاولات المقاومة.

مقالات من نفس القسم