رحاب إبراهيم
لمحتُ يدك..
الآن.. فجأة، وبلا أي مقدمات.
كنت أجلس إلى مكتبي في العمل، أرتب بعض الأشياء، ثم قفزت إلى دماغي
يدك اليمنى السمراء.. رأيتها بوضوح لثوان قبل أن تختفي
يدك النحيلة كما يليق بفنان
يد غير مدللة في جوهرها، ولكنك تجيدين الاعتناء بها
بأظافرك المنمقة والفضة التي تزين معصمك وأصابعك
بنعومة وجنون
يتناغم لون الفضة مع لون بشرتك
الخاتم الذي يحمل مفتاح الحياة تضعينه في السبابة اليمنى
ربما لهذا السبب تكتسب الأشياء بُعدا مختلفا حين تشيرين إليها ..
تحملني الفضة عاليا حتى أذنيك
هل كنت ترتدين حلقا؟ لا أذكر
لكن بالتأكيد لو كان هناك واحدا فهو فضي كذلك
في الجنة وُعدنا بالفضة
آنية وأكواب وأساور
هانذا أفتقدك وأستدعي يدك لأحكي حكاية لها وعنها
الغربة أن تكون لديك حكاية وليس لديك من تحكيها له
فضة يديك كانت تحيل كل ما تلمسينه ذهبا
تمسكين الكاميرا، تدققين النظر بها لضبطها بسرعة واحترافية ثم تشيرين إليّ
تضبطين وقفتي – أو وقفتنا – اتجاه الشمس ..ارتفاع الكاميرا
بعد عدة تجارب تستقرين على الوضع المثالي
أثبت مكاني وتنطلق الضحكة بلا جهد
عندما كنت تصورين بكاميرا الموبايل تكون اللقطة أسرع
ترفعين الموبايل وتشيرين إلى نقطة محددة تنقرين عليها بإصبعك نقرات خفيفة متتالية وتقولين بتأكيد : بصي هنا..عشان انتي بتبصي ف اتجاهات غريبة
غالبا ما كنت أنظر إلى صورتي الظاهرة على الشاشة أو أي نقطة أخرى فتأتي صورتنا ونحن ننظر في اتجاهين مختلفين ..عيناك تنفذان لمركز اللقطة، بينما أنظر أنا يمينا أو يسارا أو إلى الأعلى
ترين الصورة وتضحكين وأضحك وتطلع الصورة حلوة
يدك الفضية كانت معجونة بالسحر فيما يبدو
كنت أظهر في الصور التي تلتقطينها أجمل من أي صور أخرى
وكنت تفعلين ذلك مع كل من تلتقطين لهم الصور أصدقاء كانوا أم عابرين
ولم يقتصر السحر على البشر
بل امتد ليرسم خطا لامعا بطول مرورك
تتقافز فيه قطط الشوارع والعصافير والبيوت وضحكات المتعبين
تستحيل القرية الصغيرة منتجعا سياحيا فخما
وتتحول ورقة ملونة لمائدة خشبية عتيقة
تحكي العصافير حكايات عن الحب والغيرة والغضب لا يراها سواك
تقتنصيها مثبتة إياها في الكاميرا السحرية الساحرة على كتفك
لتعرضيها على صفحاتك مساء وسط عاصفة من الدهشة والإعجاب
حين بدأتِ العلاج تخليتِ بنفسك عن الضفيرة السوداء الطويلة قبل أن يبدأ شعرك في السقوط..
قصصتها بعناية واحتفظت بها في لوحة محاطة بالتفاصيل الرقيقة
زهور اللافندر الجافة..سلسلة الساعة..وظرف الرسالة المربوطة بحبل رمادي رفيع
أصبحت الصورة مزيجا من الحزن والإصرار والمقاومة والأسى
وقرب نهاية العلاج صنعت لوحة أخرى
من قرون الفلفل الأحمر المشطشط مقطعة بالسكين شرائح رفيعة
حين رأيتها كدت أصرخ
من الألم
من المذاق الحرّاق
من نصل السكين
كنت تصرخين بالفن والألوان
بينما تشفّين تدريجيا …صاعدة للأعالي