قصائد من “قلبي ثلاجة موتى”

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

أحمد حافظ 

مُنتَصَفُ الحانة

 

في مُنتصفِ الحانةِ

في مُنتصفِ الليلِ

انفضَّ السُمَّارُ

وعلَّقَ كُلٌّ في يدِهِ صاحبةً ومَضَى

وتراختْ عَيْنَا السقَّاءِ كأستارِ المسرحِ

وتعالَتْ موسيقى “الچازِ” بإيقاعٍ سَلِسِ

 

والصمتُ يرنُّ…

ولا يقطعُهُ إلا حشرجتي حين أُحدِّثُ كأسي:

“يا ساهرةً مثلي

يا واهبةَ الرحمةِ 

يا خالقةَ اللحظةِ من عَدَمٍ

يا مُفردةً واضحةَ المَعْنَى في الزمنِ المُلْتَبِسِ

يا أوْفَى الرُفَقَاءِ لقلبي الأوحدِ

يا كاسرةً عَجَلاتِ الأيامِ الخشبيةِ

يا نافخةَ الروحِ

وباعثةَ النسمةِ في العُمرِ المُحْتَبِسِ”

 

مُنْفَرِطٌ عِقْدُ يقيني في هذا الوقتِ الُمتأخِّرِ

محشوٌّ بالوهمِ الفاتنِ قلبي..

أتساءلُ أيتُها الشمعةُ:

مَنْ أَذْكَى في جنبيَّ النارَ؟

ومَنْ كسَّرَ قوسي وسهامي بيدَيْهِ

وخلَّاني في معركتي الأولى

أبحثُ عن فَرَسِي؟

أتساءلُ هل نَقَّرَ ماضِيَّ على طاولتي..

أم طافَ حوالَيْها؟

ولماذا يخفُتُ صوتُ الموسيقى الآنَ

ويملؤني الرعبُ

ولا أملِكُ أنْ أضبِطَ نَفَسِي؟!

 

علَّمَني جدِّي الأوَّلُ ألَّا أنسُجَ قُمْصانَ النارِ

بخيطانِ الأحجارِ.

علَّمَني أنْ أحترِقَ.. لكي أخلُقَ قَبَسِي!

في مُنتصفِ الحانةِ

في مُنتصفِ الليلِ

أُحدِّثُ كأسي:

” يا مُفْلَتَتي من يَأْسي

وخَلاصي من نَفْسي

يا غاسلتي بالماءِ القُدُّوسِ

ومانحتي لُغَةً -أَصْفَى من عينِ الديكِ-

مُجَلْجِلَةَ الجَرَسِ

أغيثيني يا رمزَ الحريةِ من جلَّادي

لأُنظِّفَ مكتبتي وفمي وبلادي

من هذا الخَرَسِ…

…………………………………

كَــذَا.. أُحِبُّ خيالي.

 

خلعتُ ما أرتدي: قلبي.. وتأويلي

فمرَّ بي كلُّ شيءٍ

كان يبدو لي

رأيتُ وجهي دُخانًا طائرًا

ويدي ممدودةً كأيادي أُمِّنا الغُولِ

رأيتُ أغنيتي الخضراءَ

ذابلةً تَذْوي

وتنمو حُشُودُ القالِ والقِيلِ

رأيتُ حولي جماعاتٍ مُـكَـفَّـنَـةً

فهل تُرى ذكرياتي

أم مَقَاتيلي؟

 

رأيتُ كلَّ المرايا

وهْيَ تنظُرُ لي شَـزْرًا

وتُمعِنُ في شتَّى تفاصيلي

لكنني كنتُ أمضي شاردًا

فأنا بكلِّ ما هُوَ حولي غيرُ مشغولِ

أنا تُـرابٌ.. ونـورٌ لامـعٌ

ولذا… أحبُّ نفسي، قليلًا، مثلَ قابيلِ

تُضيءُ في الليلِ أخطائي

فأيُّ يـدٍ

قد عـلَّـقَـتْـها أمامي كالقناديلِ؟

وهل تموَّهتِ الأشياءُ

أم ظهرتْ ليَ الحقائقُ في شكلِ التخاييلِ؟

عينايَ نافِذَتَا حُلمٍ وأخيلةٍ

لكنَّ رأسيَ

                                   صُندُوقُ الأباطيلِ

أرى حياتيَ حينًا وهْيَ مُذهِلةٌ

                   ودائمًا ما أراها غيرَ مذهولِ

حتى كأنيَ من فرطِ السُّكُونِ

صَدًى

                لِمَا يجولُ بأحلامِ التماثيلِ

فما الذي سوف يعنيني

بشأنِ غدي

                  إذا رَمَاني سؤالي للمجاهيلِ!

 

أريدُ أنْ ينقضي عُمْري على مَهَلٍ

ولا يضيعَ هَبَاءً في الأضاليلِ

وأنْ أُجفِّفَ أشواقي بطَرْفِ يدي

كي لا أفكَّرَ في عَطْفِ المناديلِ

وأنْ أربِّيَ إيقاعي السريع

على صوتِ الينابيع

لا رَنِّ الخلاخيلِ

وأن أُعلِّمَ مـائـي

ما يُـسِـرُّ بهِ فـمُ الغمامةِ في أُذْنِ الغرابيلِ!

أريدُ قُـبَّـعَـتي الزرقاءَ ألبسُها

ولا أريدُ على رأسي أكاليلي

كَــذَا.. أُحِبُّ خيالي..

فهْوَ زاجلتي

إذا كتبتُ إلى الدنيا مراسيلي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

شاعر مصري، والديوان حاصل على جائزة الدولة التشجيعية في شعر الفصحى لعام 2023

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم