في ديوانها الأول “كأنها القيامة” الصادر في مصر عن دار الأدهم عام2021، تقدم الشاعرة “نهاد ذكي” قصائد مقطَّرة لا تجد بها تزيُّدات لغوية أو بلاغية تستسلم لغواية التداعي أو الفضفضة حتى في القصائد الأطول، فلا نجد أمامنا إلا ذات أنثوية تخاطبنا بقدرٍ واضح من الإحساس بأن الصمت أكثر بلاغة واكتنازاً من الكلام، لكن وبعد أن امتلأت الروح بوطأة الواقع والثقافة وثقل الكينونة والتجارب المروعة للنفس في سلامها، مرَّرت الحجارة ريق هذا الكائن وصارت نظراته لا ترى إلا الداخل الواسع الضيق، فكان لابد من أن تخرج الحروف الحذرة بقسوة وحدة أحياناً- ربما لتكون أكثر قابلية وطواعية للتأمل وإعادة الكشف حتى لو كانت النتيجة غير مأمونة وقاسية:
هناك أبواب/يجب أن تظل مغلقة/أبواب مقابضها صدئة/مكتوب عليها «اللعنات»/إن فتحتها أيقظت الألمَ النائم. ص8
وكأن الذات في صيرورة حياتها تتأرجح بين خيارين، أن تظل كالبئر التي تخفي كنوزاً أو جحيماً بداخلها أو تكون ظاهرة للعيان أو بالأحرى ظاهرة ومقروءة لمرآة الذات التي ظلت تشبه الخبيئة المدفونة حتى قام الألم بإزاحة التراب قليلاً قليلاً لتظهر المكنونات ولكن بشكل ربما لا يرغب حقيقةً في إعلان المواقف وفضح الذكريات وتبيان المواقف قدر تغيي تلافي الانفجار المحتمل حدوثه على الدوام.
في نص دال بعنوان “ميراثي” تفكك الذات نفسها عن طريق طرح كل عضو وتأمل حمولته الموروثة والبحث عن الكينونة الموزعة بين جينات متعددة.. هنا نجد كائناً يصبو لأن يصير ذاته بلا أي تدخل قاهر لأننا نُصنع بحالنا التي نجد أنفسنا عليها ثم لا يكون بوسعنا إلا أن نحاول طول عمرنا أن نتواءم مع الأقدار التي لم نخترها هي الأخرى بل اختارتنا هي لنؤدي أدواراً محددة في مشاهد مختلفة تدور في دوائر لا تتوقف أبداً :
كل بئرٍ شربت منها صارت في دمي/حتى أصبح جسدي خارطة طريق/كل علامة فيها هبة ممن عبروا من هنا/وشربوا قبلي. ص7
هذا الكائن الحساس عندما يتموضع في العالم سواء على هيئة محبوب أو أم أو زوجة فإن الأنوثة تظهر بقوة وبلا مواربة و لا حسابات تخص التعاطي مع تناقضات الثقافة والمجتمع-كهوية نفسية حقيقية، تقودها لتأمل الآخر سواء كان حبيباً أو زوجاً أو طفلاً أو حتى دال الزمن-ثم بناء ردود أفعال بناء على حدس داخلي ثابت لكنه مضطر أن يكون مراوغاً وطيِّعاً وقادراً على أن يتشكَّل المرة بعد الأخرى على مقاس تصرفات هذا الآخر أياً كان وأفعاله ودرجة حفره في الروح بإسعادها أو قهرها..
تعد تجربة الحمل والولادة أمراً عضوياً وأساسياً ومركزياً في تكوين وتكرار بعث طاقة الأنوثة داخل خلجات المرأة حيث تجمع هذه التجربة بين المشاعر المحسوسة، في تجليها الأكثر صدقاً وحقيقةً بالنسبة لهذا الكيان، وبين اللحم والدم، النبض والتكون و الفيزيقا، وتدشين التلاقي بالتالي مع سر الكائن البشري كله في استمرار النوع، المرأة هي الإلهة التي تهب الحياة، الأرض التي لا تتكون بذور حياة إلا داخلها، لهذا فعندما تتعرض الأنثى لتجربة قوية وصعبة مثل فقد الأجنة، الذين هم صور من روحها وجسدها وأشباه وظلال وامتداد، تسعفها الشعرية بأن تستدعي اللعبة القدرية وتتقاطع معها، فتترك جزءاً من ذاتها مع كل جنين فُقِدَ ثم تزرعهم لتنمو هذه البذور في أماكن عدة لتتوزع ملامحها في كل مكان وتكون قادرة ساعتها على أن تقابل ذاتها دوماً فلا تضيع منها وتتلاشى ولا تعود، كأنها تعوض ضياع أشباهها الحقيقين بصنع ظلال لها و لهم داخلها، في كل مكان :
أطلقتُ اسماً على كل نطفة أجهضتها/نثرتُها في تربة مالحة/تركتها للطبيعة/بذور خلق/نزفت وتفتقت زهوراً وورداً./هي ثمر البطن/تقول:/«في الغد أقطف منها و أتذوق طعمي». ص9،10
لكن ألا تتمرد الذات وتكون أكثر ثورية وقدرة على الفعل خاصة بعد أن فككت كينونتها وتأملتها واكتشفت أكثر من منطقة خصبة بالقوة؟ لقد قررت إذن أن تحفر في الأنفاق وأن تعيد رسم الأصل البعيد مُمَثلاً في الجَد، وتقرر أن ترد إليه كل لحظة ألم ذاقتها عن طريق نسله المتوالي – وهي منه بالطبع، خاصة أثناء اللحظة المرعبة لاجتماع العالم كله بغاية إفقادها أطفالها- وعندما يتسرب هذا الإحساس لروحها، تدفع بالهررة الصغيرة، التي هي مخلوقات تجمع بين رقة الأنوثة وشراستها في آن وربما ترمز لها كذلك، لتمتلك القدرة على الفعل في أقسى أشكاله وتنقض على الظل الكبير للعائلة وتمزقه وتحول كيانه الرمزي الكبير إلى مجرد أشلاء ومِزَق، و كأنها تذيقه الألم على مَهَل ثم تُشفي نفسها منه باستعادته وإبرازه وتجسيده بواقع جديد يخلو من أية هيمنة: بالأمس حلمتُ أن قططي الإناث/أنجبت الكثير من الهررة الصغيرة/رأيتها تلتف جميعاً حول الجسد الميت لجَدي،/ثم بدأت تنهش لحم وجهه/تاركات عظام الفك ظاهرة للعيان. ص11
ثم تعرج الذات على أصل آخر هو الأب وتعطيه نفس المصير الدموي، أن يتمزق لحمه ثم يتلاشى بعيداً في بطن قطة:
أما الأب/فقد أكلته قطتي في العشاء./الآن وحدي في غرفة الطعام/يتدلى مني حبل سُرِّي/يتطوح كبندول ساعة بين ساقيَّ. ص19
وفي القلب من كل هذه الدماء التي تسببت بها خطيئة الجد ثم الأب في بعث و خلق وإيجاد الذات لتتعذب هكذا وتعاني، يبرز نوع آخر من القهر متعلق بالأم التي هي مقابل لنسل الجَد، وكأن كل هذا العنف مع شخص الجد ثم الأب، مستحق كذلك مع أشباهه الأقرب للبطلة، مع الأم، ولكن لأن تعذيب الأم للذات يأخذ شكلاً آخر يبتعد عن العنف الجسدي المباشر، يكون الجزاء هو الهروب أو التلاشي فقط، لهذا تلجأ لفعل الإخفاء لأفعالها وهو أمر يظل في حالة التضاد مع قيم التفاهم والحرية وربما الحب المفترض مع رمز الأم، وبالتالي يكون أقرب للاتهام والإدانة والرفض:
ما أقلقني أنني كنت هناك/أراقب جدي يؤكل/قبل أن أخبئ جسده من أمي في الخزانة/خشية أن تعنفني. ص12
هذه الأجنة التي ماتت قبل أن تدب فيها الحياة يعيدها الفن في هيئة هررة صغيرة تقوم بالنهش والأكل، وعندما تنتهي عملية ابتلاع الجد ربما ترجع الهررة للموت ومعها هذا النسل بأكمله الذي وقع في فخاخ القسوة وأوقعنا فيها.
إن الأنوثة ترى تجربة الحمل ثم موت الأجنة من وجهها الذي رفده الألم والفقد بنارٍ مزلزلة، و الذي يتماهى مع الوجود من حيث صيرورة الموت و الحياة، فما بالنا والأمر كان أقرب لشِبْه الحياة، للنقص وعدم الاكتمال، للوعد وليس للتحقق؟ بالطبع يظل أكثر قسوة وحدة، وكأن الحكاية كانت هبة وهدية قدرية تم سحبها بعد تهيؤ الروح لاستقبالها وتفتُّح المسام في انتظار أريجها.. وتصرح الكتابة بجملٍ قد لا يصلح معها أي مجاز غليظ، قاسية وقاطعة وناجحة في تبيان الألم الهائل وكذلك رسم خريطة مفصلة لكل تفصيلة وكل همسة فقد وموت:
شيء فيَّ تيبَّس كعضو ضامر./ أبحث في جسدي عن الغرغرينا/ولا أجد ما أبتره/ُكلِّي محتقن بالدماء/كل خلية تتعفن على حدة/أحسُّ وجعها. ص15
فيرجع بهذا الجنين الميت لأصله البعيد كعضو من أعضاء الجسد، يتيبس وتضيع الحياة منه فجأة ويترك مكانه ألماً جباراً رغم اختفائه كجزء ملموس.. الجسد ساعتها يكون أشبه بالمقبرة التي لا تجمع إلا أجزاء متعفنة ولا تنثر إلا رائحة الفناء.. إن هذا الحمل ليس بشارة بالحياة بل هو أزيز الموت في الحقيقة، هو عملية ولادة حدثت لكن من دون شرطها الرئيس والوحيد: المولود، إنه حبل خلاص كتب عليه أن يظل مكتوماً ومدفوناً في النفس، وهكذا تعود الذات من رحلتها الطويلة في الزمن النفسي، بعد تعميد الفشل في نثر أشباهها في هذه الحياة:
موت أشبه بالمخاض/ لكن من دون رضيعٍ باك/من دون مشيمة وحبل سُرِّي/ خلاصي حملته في بطني/كمن ابتلعت نفسها. ص16
لكن هذه الذات مازالت تملك بعض النبض، فتقرر أن تنتصر على لعبة الفناء بصنع خلود ذو أشكال متعددة، إنها لا تريد أن ينتهي الأمر ببساطة لهذا تجاهد لتصنع امتدادات للتجربة تطيل عمرها وتحمل لها وجوداً مختلفاً وجديداً ومتجدداً ولو حتى إلى جوارها فقط:
آلام وضع/جسد يتلوى./ أضع جنيني المشوهَّ في المزهرية/ ومعه ملعقة سكر وبعض الماء/حت ينبت ويزهر. ص18
إن الذات تبدأ القيامة بنفسها هي ثم تنهيها بكل الإناث، تجسدها داخلها ثم تنقلها لكل الأمهات الشبيهات بحالها ليقفن معاً ويعدن صياغة الحياة من زاوية ما جرى لهن وشعرن بنيرانه تكوي جوف كل واحدة منهن.. إن الألم والقسوة وتجربة الميلاد المكتنز بالموت يكافئون بداية الوجود ثم نهايته وقيامته، والبشر ما هم إلا أجنة غير مكتملة الحياة لأننا سنوت حتماً وتقوم قيامتنا بعد فرصة حياة محكوم عليها سلفاً بالفناء:
في منامي/اعتدتُ أن أرى أجساد مَوْتَى تطرح ثماراً/ناضجة جاهزة للقضم. ص13
لا تبصر الذات دائماً إلا الموتى الذين يستقرون في حديقة قوامها أشباهها هي، من الذين لم يُكتب عليهم إلا الموت فقط بعدما سُحب منهم عرض الحياة ذات فجأة:
تحت شواهد القبور/ ترقد الحديقة/على مدخلها كُتب: «ادخلي جنتي». ص14 تتناص الكتابة مع النص المقدس لتذكِّر بالآية القرآنية المرتبطة بالتعامل مع الموتى:
“فادخلي في عبادي وادخلي جنتي” الآيتان 29 و30 من سورة “الفجر”–
حيث تجتمع أمواتها وقتلاها في حديقتها أو جنتها التي هي مصير هؤلاء الأبرياء الذين لم يحصلوا على الحياة وذلك حتى يستأنفونها هناك وبهذا يظلون أحياء في وعيها وبصيرتها للأبد.. وعندما تنتقل التجربة لبقية الأمهات لتكمل به ما بدأته، تصنع الشعرية مشهداً شعرياً لافتاً حيث تقف الأمهات في مواجهة العالم ويُشرعن أرحامهن ويسترددن ما فقدن من قتلى، وعندئذٍ يفرغ العالم من سكانه وتنتهي قيامته.. إن الشِعر يشرع أسلحته البلاغية وخياله ليعيد ويرسم ويقرر ويغير من صورنا الثابتة في وعينا ويرينا زوايا جديدة ويجبرنا على إعادة النظر:
تقف الأمهات صفاً واحداً/ أرحامهن مفتوحة لاسترداد الأبدية/هبتهن إلى العالم/كل مستعدْ لأن يأخذ ما أعطى/حتى يفرغ العالم من سكانه./عندها فقط .. تنتهي القيامة.ص17
وتقول الشعرية في نص بعنوان دال هو” لا أريد لرحمي أن تتورط في الخلق”:
أخشى من الأمومة/كما تخشى على نفسها مني./أحبال سرية كثيرة تلك التي قطعتُ/كي أحافظ على وحدتي في العالم./لا أريد أذيالاً لخيبتي/ لا أريد لرحمي أن تتورط في الخلق/كما تتورط الآلهة. ص21
كأنما الأنوثة هي وجه الخلق والألوهية باعتبارها الوعاء الذي تخرج منه البشرية لتتورط في لعبة الميلاد والموت، وعندما تفشل اللعبة وتفسد ولا نخرج إلا أمواتاً لا حياة منتظرة لهم لا يكون أمامنا إلا الوحدة والرضاء برنين الصمت من حولنا. إن الذات تظل دائماً وأبداً في وضع متأرجح بين رغبة “أنثوية” خاصة وشفيفة ومحفورة في تخليد مأساتها، وبين رغبة “انسانية” طبيعية ومعتادة فينا كبشر، في التخلص منها والبدء من جديد:
أنقب عني بين الأجساد المدفونة في العمق/حتماً لي بصمة وراثية هنا أوهناك/حتماً لي جسد آخر بينها/تائه في مدينة الموت/ وهويته ضائعة. ص24
إن النسيان والتنفس من جديد ربما يبرق كحل ووسيلة ناجعة وأمنية كذلك، عندما يفيض الألم ويزيد ويمتد ويأخذ زوايا جديدة كلما مر عليه الزمن، لهذا تبذل الذات ما تبقى من قوتها في خلقه وبعثه من جديد لتتوكأ عليه في الأيام القادمة:
الآن وقد احترقتُ/ُ ستكون قيامتي من الرماد/زهرة تنبت من بطن الأرض الخربة./ولادة جديدة/مَنْ منا تأتيه الفرصة لأن يولد مرتين؟ ص22
هذا النسيان دليل على التعافي من مطاردة الألم في كل لفتة، إنه أشبه بولادة جديدة وحياة متجددة.. إن السكينة والارتياح بعد كل هذا العذاب هو رغبة حقيقية وصادقة ومتطابقة مع ما جُبلنا عليه جميعاً من مقاومة للفناء إنه النور الذي يزحزح أرتال الظلام من حولنا وعندها تتحول قيامة الذات من تعبير عن النهاية إلى بعث جديد:
ادع لي، لأفنى../ لأتوحد في الضوء/لتكون قيامتي كزهور العبَّاد/ أتبع الشمس في كل لحظة/حتى تأتيني السكينة. ص27
ويعبر الحب عن وجه آخر مؤسس داخل الكيان الأنثوي المكتنز بالنور والنار، يستدعي كغيره من القيم التي تلف حياة كل أنثى، استراتيجيات الأنوثة المختلفة للتعامل معه، لكن عندما تتقاطع هذه القيمة مع الزمن، ربما تنكشف هشاشتها وفشلها في نجاح المحبوب في القيام بتسكين الروح المعذبة، المكتئبة، الوحيدة في خيمة السكينة، وكأن هذا الزمن طريق موحش لا نستطيع عبوره إلا وأصابعنا متشابكة:
ربما كان عليك أن توقف الزمن من أجلي كقطار/ ربما كان علينا أن نصعد معا فوق عقاربه/ عوضاً عن أن نتركه يعبر من جسدينا،/فقل لي: ما الذي بقي منا الآن؟ ص46
وربما يمارس الزمن ألعابه فنظل نتأرجح بين الأمل في اكتمال الحب، والأمل خصيِّصة بشرية ولعبة بليغة لازمة للاستمرار- وبين اليأس:
تلك القبلة التي لم نقبِّلها/ْ ظلت عالقة على شفتي عشر سنوات/تنتظرك. ص 61
وتقترح الشعرية حلولها التخيلية فتقتفي لعبة الخصوبة برموز أخرى:
كان علينا أن نزرع شجرة/ أن نضفِّر أجسادنا معاً./حتى لا يفصلنا الزمن/ في نقطتين مختلفتين. ص67
لأن الزمن مهما تجمَّل يظل وجه الفراق الأبدي، لهذا فلابد لنا من الاندماج التام ورفد ملامح وأعضاء كل منا بالآخر حتى نفسد عليه حيلته الأقسى.. لكن المفارقة أنه ينتصر عندما نعترف بأننا الأضعف في هذا الصراع في لحظة جارحة نكتشف فيها الحقيقة:
ليس هناك من أبدٍ في انتظارنا/ما ظنناه لا نهائياً قد ينتهي غداً. ص 79
وتظل الرغبة في الاعتراف والصراخ والمكاشفة أمر حتمي لتأمل الحياة: أنا حبيسة هذا البيت وتلك الحياة/ جسدي لعبة جنسية/زوجي نقيضك. ص62 حيث المحبوب يظل لغزاً عصياً على الاستيعاب، ويظل الحنين إلى الحب القديم ضاغطاً على الروح لدرجة النوستالجيا التي تحاصرها في كل نَفَس: لماذا لم تخترني أنت؟ / فقد كنت نصفي.. توءم روحي. ص63 حتى تيأس النفس وربما تكره كل أعمدة المحبة وتذكاراتها وإشاراتها:
أنزع جلدي/ثوب زفافي/وسخ قلبي المتعلق دائمًا بمن يوجعه. ص66
وتعتبر العلاقة مع الرجل، أي رجل، أمراً مستحيلاً وقاهراً ولا قدرة لها على تحمله، لهذا تبرز الأنوثة قوتها وغضبها الأسود، الذي يضمر ألماً لا نهائياً في الحقيقة، وتغلق محل التواصل والتلاقي وإمكانية التشارك في الخلق وصنع أشباه:
أخيط ثقبي/أسدُّه بالطين/لا رجل بإمكانه/ أن يهمس سره فيَّ. ص64
وعندها لا يكون أمامها إلا التطهر ومحاولة المحو الجارح لنفي أي أثر لأذرع الألم وإشعاعاته إذ ربما يعود الهواء للصدر نقياً كما كان قديماً:
أستحم مرة بعد مرة/أفرك طبقات الغرباء عن جسدي/ لعلي أستعيد نفسي الأولى. ص76
وهكذا تسمي كل من مروا بها بالغرباء، لأنهم لم يمدوا نور العلاقة الجسدية إلى منابعها الأولى في الروح، لا فرق بين زوجٍ أو حبيب أو خلافه، أنهم مجرد آخر في مقابل الذات المثقلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ