مقطع من رواية “أيام الشمس المشرقة”

أيام الشمس المشرقة
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ميرال الطحاوي

دخلت نعم الخباز إلى ممرات “الشمس المشرقة” بخطوات ثقيلة ومتعبة وحذرة، كان قلبها يدق بعنف ولم تجد لذلك سببا واضحا فواصلت السير في الطرقات التي تعرفها، توقفت قليلا بعد أن لمحت أمام بيتها عددا من سيارات الشرطة وسيارات الإسعاف يحيط بها عدد من أفراد طاقم الإغاثة الذين وقفوا بانتظارها، لمحت أيضا بعض الجيران الذين صوبوا نظرتهم المرتبكة باتجاهها، أدركت نعم آنذاك أنها في مواجهة كارثة، لكنها لم تستطع أن تقدر حجمها أو أبعادها، فالكوارث التي تحدث في الجوار يصعب عدها أو تقدير حجم ما تسفر عنه من خسائر,

حين دخلت البيت وجدت نعم الخباز بكرها الذي جاوز التاسعة عشرة بقليل ممددا على الأرض وجهه إلى الأسفل والطلقة التي اخترقت دماغه خرجت من الخلف واستقرت في الحائط، رأت جسده الضخم ممددا في بركة من الدماء الطازج الذي لم يتجمد بعد.

منذ عدة أشهر حدثت تلك الضجة أمام منزل جارتها سوزانا بعد أن قتلت ابنتها يولاندا بعدة طلقات من سلاح صديقها الذي قتل نفسه أيضا وعبرت الجثتان في سيارة الإسعاف سريعا، ولم يكن هناك وقت ليفكر الناس كيف ماتت يولاندا الصبية الجميلة ابنة الثامنة عشرة، تلك البنت التي عرفوها منذ كانت تلعب مع الصبية حول البيوت الخشبية المتناثرة، وراقبوا جسدها وهو يتفتح باكتمال ونضارة مثل ربات البهجة في الأساطير القديمة، ثم شهدوا خروجها المأساوي من الحياة.

شاهد البعض كيف بكت سوزانا بحرقة لأنها فقدت ابنتها الكبرى، ثم عادت إلى تنظيف البيوت  وفتح صدرها للرجال الذين لم يتوقفوا عن خطب ودها ومواساتها في تلك المصيبة التي ألمّت بها، ماتت البنت الجميلة وبقيت هي  في البيت نفسه، محت آثار الدم عن نوافذ بيتها ثم فتحتها كأن شيئاً لم يكن.

قبل ذلك بوقت قصير، شهدت “الشمس المشرقة” أيضاً مقتل أوسكار الذي كان يعبث في ماكينة الرصيف الذي يتكدس عليه عمال كثيرون كل صباح بانتظار فرصة عمل يومي.

في الحادية عشر مساء تقريبا عندما كان كل شيء يبدو ساكن ا في “الشمس المشرقة” انطلقت رصاصة ما لتستقر في رأسه، وحين خرج الجميع ليتابعوا بقية المشهد، كانت جثة الشاب أوسكار ملقاة أمام ماكينة الصرافة ولم يستطيعوا تقدير حجم النزف على السترة الحمراء.

 

عودة إلى الملف

مقالات من نفس القسم