مارثيلو بيرماخير
ترجمة: أحمد عويضة
“في عيد ميلادي الخمسين أهدتني ابنتي قميصًا عليه صورة الـ تشى جيفارا”.
قالها لي صديقي جوفي، ثم أتبع:
عمرها خمسة وعشرون عامًا، وكثيرًا ما ارتدت قميص الـ تشى جيفارا، لم يعجبني ذلك، لكنها كانت ترتديه على أي حال. ماذا سأفعل؟ ليست فتاةً صغيرة على أي حال. لكن أن تهديه لي؟ لي أنا؟ في عيد ميلادي الخمسين؟؟ لم أستطع تحمل ذلك، فقدت السيطرة.. سألتها إن كانت تعرف ماذا كان يعمل تشي جيفارا؟ وأخبرتني أنه عمِل ثائرًا. أجبت بأن هذه ليست مهنة. بل إنها مصير تفرضه عليك الظروف في بعض المناسبات، بل في مناسبات نادرة.. مصير مميت و حتمي.. لكن ليس مهنة. يعمل الناس كمُعلمين، محاسبين، ميكانيكية، ربما عمال نظافة. لكنهم لا يعملون كثائرين، ذلك ظرف استثنائي وليست وظيفة.
تستيقظ في السادسة صباحًا، تُقِل أطفالك إلى المدرسة، تدفع مساهمتك الاجتماعية، تدفع ضرائبك، كذلك لا تسرق، لا تكذب، ولا تقتل. بالمناسبة.. تشى جيفارا كان طبيبًا، لكنه أزهق أرواحًا أكثر مما أنقذ. ولماذا قتلهم؟! لقد ساعد كاسترو في كوبا على تأسيس الديكتاتورية الأطول أمدًا في العالم المتحدث بالإسبانية. قضيا على حرية التعبير تمامًا وسجنا كل معارضٍ تجرأ على رفع رأسه، اضطهدا المثليين واحتجزاهم في معسكرات “إعادة التأهيل”، ها.. احتجزاهم في معسكرات إعادة التأهيل. طلبتُ منها أن تخبر أصدقائها الذي يحتفلون بقوانين الزواج المثلي وهم يرتدون قمصانا عليها صورة تشى “جيفادا” لأنني أسميه تشي جيفادا، لأنه رجل أحمق[1].
سافرتُ إلى تلك الجزيرة في 1997، ولم أر مثل هذا العدد من الناس الذين يقومون بإعداد البيض مثلما رأيت في وسط هافانا. لم تكن لديهم وظائف، ولم يعرفوا ماذا يفعلون، باستثناء بيعي رُما رخيصا مغشوشا. والدعارة.. سمعت طوال حياتي أن هافانا في عهد باتيستا كانت عبارة عن بيت دعارة عملاق، لن أناقش هذا. باتيستا كان ديكتاتورًا، لكن كاسترو وحاشيته أيضًا كانوا كذلك أيضا، وفي عام 97 رأيت في هافانا عروضًا لممارسة الدعارة في الشارع كما لم أر في حياتي. أنا لا أكذب عليك.. ولست متعصبًا، بل إنني أعطيك شهادة حية. لكن ما أكدت عليه لابنتي هو أنه حتى منتصف الستينات، وبمعاونة تشى جيفارا، قام كاسترو وحاشيته باحتجاز المثليين جنسيًا في معسكرات إعادة التأهيل. لذا فلا يمكن الاحتفال بزواج المثليين بقميص تشى جيفارا، ربما كان الأوقع ارتداء قميص بصورة سومرست موم أو أوسكار وايلد.. كما تشاءون، لكن ليس قميصًا لتشي جيفارا.
اسد لي معروفًا، لا تُهد لي هذا القميص، ليس اليوم، فما أنا إلا فقير بائس لا يخرج ليقتل أحدًا، ولا يسجد لماو تسي تونج، ولا يجعل المدافع الرشاشة تدوي، ولا يحب أن توجد نسختان أو ثلاث نسخ من فيتنام. أنا أفضل مار دل بلاتا، وأن أجد اثنين أو ثلاثة مار دل بلاتا، خاصةً في الصيف.
قلت لصوفي: لا أعرف ماذا فعل تشي جيفادا من أجلك.. كنتُ أستيقظ كل يومٍ لأقلك إلى المدرسة في مرحلتك الابتدائية والثانوية، أدفع نصيبك من المشاركة المجتمعية، الأكل، المسكن، أقللتك ذهابًا وإيابًا من حفلات الرقص، تحملت أصدقاءك الحميمين، واشتريت لكِ شقة. لم يتبق لديّ شيء، عذبتني أمك لأنني لم أتمكن من الادخار. لكنني استطعت البقاء حيًا خلال التسعينات بفضل تجارة النسيج، وربما تمكن أبناؤك من متابعة تلك التجارة، فأنتِ تُفضلين العلوم النظرية.. لا أعرف ما الذي تقومين به على وجه الدقة. أنا أحترمك، أدعمك.. بإمكانك أن تتحدثي معي دائمًا، لكن لا تُهديني قميصًا للتشى جيفارا لأن البطل هو أنا.. أنا الذي تحملت الحياة خمسين عامًا في هذه البلد دون أن أسرق أو أكذب، وأؤكد لكِ أن ذلك لم يكن سهلًا.. ذلك لم يكن سهلًا. لذلك يا ابنتي العزيزة فإن هديتي لإتمامي عامي الخمسين يجب أن تكون قميصًا عليه وجهي أنا وتحتها: لقد ظل جوفي خمسين عامًا على قيد الحياة. اكذبي عليّ وأخبريني أنني بطلك في عيد ميلادي.. لأن الذهاب إلى الكونغو وقتل الناس هو لعلمك أمرٌ أكثر إمتاعًا من أن تستيقظ يوميًا في السادسة صباحًا لتعتني بأبنائك. وفي نهاية الأمر من الضروري أن ننظر ما إذا كنّا نحن الشياطين البائسة الذين اختاروا العيش في سلامٍ وصدق هم من قاموا بالتضحية الكبيرة أم لا، وأن إحدى أكبر مشكلات تشى جيفارا وأتباعه هي أنهم لا يقدرون على عيش حياة عادية.
لم أنتهِ من كلامي في هذا الموضوع بعد، لكن حتى أنتهي من استكشاف الأمر أرغب في أن ترتدي في عيد ميلادي الخمسين قميصًا عليه صورتي، وإن كنتِ ترغبين فمن الممكن أن يُكتب تحتها “حتى النصر.. بين وقتٍ وآخر”.
…………………………
* نُشِرت على موقع زيندا في ديسمبر 2022
[1] كلمة Huevada تعني الأحمق.