نورا عثمان
تنويعات على الحُبّ
(1)
يُغازِلُني لاهيًا…
بينما كانَ يَخطُرُ لي عَصرُ قلبي، كحبَّةِ فاكهةٍ، كالقُماشِ المُبلَّلِ،
حتَّى أقطِّرَهُ كُلَّهُ وأقدِّمَهُ لكلينا،
لأنَّ المحبِّينَ دَومًا نَدامى
يُغازِلُني لاهيًا…
بينما أتزوَّدُ مِن صوتِهِ زادَ رُوحي،
ومِن نظرةٍ حينَ تَصدُرُ مِنهُ، تُقوِّضُ سورَ دَلالي،
أزوِّد عينيَّ كي تلمعا لذَّةً وغراما
يُغازِلُني لاهيًا…
بينما في الحقيقةِ شاركني في الجوى
وتراءى لهُ أن يلطِّفَ أشواقَهُ بالمُزاحِ
وإن كانَ مُشتَعِلًا كلُّهُ حينَ يلهو
فيا نارُ كوني عليهِ سلاما
(2)
أُجافيكَ قدرَ المحبَّةِ
أقسو، ولا أتلطَّفُ إلّا لأنَّ النَّوى يَقصِفُ الرُّوحَ مثلَ العصا،
والتَّصافي يكونُ التحاما
أغارُ؟
نعمْ،
وأظنُّ إذا كانَ للنَّاسِ أن يحبسوا مَن يحبُّونَ عن غيرِهم
لحبستُكَ.
لكنْ، بلا حيلةٍ…
نتقلَّبُ في نارِنا،ونزيدُ اضطراما
وقدِّرْ لأنَّكَ -في موضعي- عاشقٌ
أنَّنا نتبادلُ هذا:
نغارُ، ونجفو، ولا نتحمَّلُ
-ممّا جرى بيننا-
جَفوَةً وخِصاما
(3)
“معًا”
هل نكونُ بأيَّةِ حالٍ معًا؟!
للمحبِّينَ أحوالُهم،
غيرَ أنَّ الّذي صارَ فينا، وذوَّبنا في زجاجتِهِ،
كانَ يكفي ليخلِطَ أجسادَنا -بالغرامِ- تماما
يقولونَ لسنا سوى شَطرِ أرواحِنا
وبهذا يكونُ مُحالًا
إذا لم نجدْ شطرَنا لنهيمَ بِهِ، أن نَتِمَّ قواما
لذا طيلةَ الوقتِ نشقى،
نَحِنُّ،
وإن كانَ قلبُكَ مُلكي، ومُلكَكَ قلبي،
لأنّا نمارسُ لعبتَنا
“مَن يُسلِّمُ قلعتَهُ أوَّلًا”
بينما نحن حقًّا صُرِعنا هوًى
وامتلأنا سِهاما
………………………
الفراشةُ تحلمُ أنها إنسان
الفراشةُ تدخلُ في الحُلمِ،
تغرقُ في طورِ نومٍ عميقٍ،
ولكنّها لم تزل في الهواءْ
الفراشةُ تحلمُ، هذا أكيدٌ؛
أراها وقد عَلَّقتْ نفسَها في ثباتٍ غريبٍ،
ونامتْ، كأنْ ثَمَّ خيطٌ شفيفٌ يُهدهِدُها في مِهادِ السماءْ
حُلمُها، هل يكونُ بحقلٍ مِن الزَّهرِ؟
هل ثَمَّ ذاكرةٌ للفراشةِ؟
هل ثَمَّ عِطرٌ أثيرٌ لديها؟
وهل حين أُمسِكُها في حنانٍ ستصحو،
وتضربُ أجنحةً رقّشتْها الطبيعةُ،
بالأزرقِ الحرِّ، يغمرُ حقلًا مِن الهِندِباءْ؟
…..
الفراشةُ تحلمْ،
بينما لا دليلَ بأنَّ الفراشةَ تحلمُ،
كانَ لديَّ يقينٌ، بأنَّ الفراشةَ تشهدُ شيئًا خفيًّا،
وأنَّ الفراشةَ تبصرُ مُغلقةً عينَها..
ها هو الحُلمُ يُخبِرُ عن نفسِهِ:
إذ أراها وقد هبطتْ نحو جسمي مُنوَّمَةً،
ثُمَّ يأخذُ مَنحًى عجيبًا، وقد قَبَّلتْني على شفتي!
هل أنا نبتةٌ في عيونِ الفراشةِ
أو شفتي زهرةٌ؟
أم هو الحُلم يخلقُ منّي نباتًا
ومِن شفتي زهرةً؟!
أو لعلَّ الفراشةَ مَن أصبحتْ بَشَرًا؛
لستُ في حُلمِها كي أقرِّرَ،
لكنّها قَبَّلتْني، كأنْ نوعُنا واحدٌ:
وكأنَّ كلينا يرفرفُ في حُلمِها
أو كأنَّ كلينا -بهِ- كائنٌ مِن دمٍ وعظامٍ ولحمٍ
وأُدرِكُ صحوي،
وأعلمُ أنّ الفراشةَ تحلمُ،
أنَّ الفراشةَ مَن وجدتْ نفسَها -ذاتَ حُلمٍ- تعيشُ كشخصٍ،
وأنَّ الفراشةَ مَن سوفَ تفتحُ شرنقةَ الحُلمِ، إذ تتيقَّظُ مِنهُ،
على الأزرقِ الحرِّ،
والشفقِ القرمزيِّ،
يضمّانِ حقلًا بديعًا مِن الهِندِباءْ..
والفراشةُ -بالحبِّ-
تحلمْ
………………………………………….
فوتوغرافيا
الشَّريطُ القديمْ
أبيضٌ/ أسودٌ
لقطاتٌ أدقِّقُ فيها
ومِنها أحاولُ أن أسحبَ الوقتَ نحو الوراءِ
وأجمعَ خيطَ الحكايةِ في شكلِهِ المستقيمْ
صِوَرٌ كلُّها ألفةٌ وحنانْ
صِوَرٌ رُبَّما التُقِطَتْ والزَّمانُ الّذي عاصرتْهُ جميلٌ،
وليسَ يشابهُ هذا الزّمانْ
أو لعلّي أنا مَن تحسُّ بهذا!
بها أُلفةٌ لا تُقاوَمُ، تسطَعُ في كُلِّ عينٍ،
وتجعلُ هذا الشَّريطَ القديمَ عزيزًا على مُقتنيهِ
ليُحفظَ رَغْمَ اختفاءِ الوجوهِ وبُعدِ المكانْ
الحكايةُ، ماذا تقولُ الحكايةُ؟
أَجمَعُها لقطةً لقطةً
(فصل أوّل)
طفلةٌ تتخفَّى وراءَ السِّتارْ
تفضحُ الجسمَ أقدامُها
بينما تُخرِجُ الرَّأسَ مَكرًا، وتنظرُ باسمةً.
ضغطةُ الزِّرِ تُدخِلُ بسمتَها كادرًا فاتنًا
فالبراءةُ فازتْ وضحكتُها فرحةٌ وانتصارْ..
(فصل ثانٍ)
الفتاةُ بأولِ أيامِ تعليمِها
ترتدي زيَّها باهتمامٍ،
وترفعُ كفًّا مُلَوِّحَةً بينما عينُها تتبسَّمُ،
تلكِ الفراشةُ تبدأُ تحليقَها خارجًا.
ضغطةُ الزِّرِ تلقطُ هذا بفخرٍ
لأنَّ الحبيبةَ تصعدُ سُلَّمَ أحلامِها
(فصل ثالث)
ثَمَّ طيفُ بكاءٍ
تُرى ما الّذي يُحزنُ الأمَّ حتَّى كأنَّ الدُّموعَ تُرى،
بينما في الحقيقةِ كانتْ تحاولُ أن تبتسمْ؟
ضغطةُ الزِّرِ مُهتَزَّةٌ
ربَّما كانَ لاقطُها ليسَ أفضلَ حالًا.
وأينَ الفتاةُ الّتي تجعلُ الخيطَ بينهما يلتحمْ؟!
(فصل رابع)
الصِّبا: مَطلَعٌ للرَّبيعِ الّذي لا يُكَرَّرْ
الصَّبيَّةُ تجلسُ، بينَ يديها كتابٌ
تطالعُ في شغفٍ قصةَ الحبِّ فيهِ،
ويحمرُّ وَردُ الرَّبيعِ النَّديُّ على خدِّها.
ضغطةُ الزِّرِ تسرِقُ هذا الجمالَ على غفلةٍ
مرَّةً/ مرَّتينِ/ ثلاثًا وأكثرْ
(فصل خامس)
ثوبُ عُرسٍ على مِشجَبٍ
والعروسُ الجميلةُ تنظرُ نحو أبيها بعينينِ لامعتينِ بدمعِ الفرحْ
قُربَها الأمُّ، تَلمِسُ في رقَّةٍ ثوبَها
وتراها -وإن كَبِرَتْ- لم تزلْ تتخفَّى وراءَ السِّتارِ
وتملأُ جَنَّةَ زوجينِ يحتضنانِ الحياةَ معًا
بالمرحْ
(فصل سادس)
أبيضٌ/أسودٌ
لا يقولُ الكثيرَ
ولكنَّهُ يقنصُ اللحظاتِ الّتي لا تُعَوَّضُ،
يجمعُ أشتاتَ ضوءٍ مُلوَّنةً كالسَّديمْ:
الشَّريطُ القديمْ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شاعرة مصرية، والديوان يصدر عن دار الأدهم .. معرض القاهرة للكتاب 2023