اليانصيب

شيرلي جاكسون
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شيرلي جاكسون

ترجمة: أحمد عودة

  كانت السماء في صباح يوم السابع والعشرين من حزيران، صافيةً ومشمسة، تُبشر بيومٍ صيفيٍ دافئ؛ كانت الأزهار متفتحة بصورة لم يسبق رؤيتها من قبل، والمروج خضراءُ يانعة. بدأ أبناء القرية، قرابة الساعة العاشرة صباحاً، التجمع في الميدان الواقع بين مكتب البريد والمصرف؛ لَزِمَ على بعض القرى المجاورة، المكتظة أكثر بالسكان، بدء اليانصيب، في يوم السادس والعشرين من الشهر؛ لأنها تأخذ يومين لتمامها. لكن في هذه القرية؛ التي لا يزيد عدد سكانها عن الثلاثمائة شخص لا يأخذ اليانصيب أكثر مِن ساعتين، يفتَتِحونها في الساعة العاشرة صباحاً، ومع ذلك يكون لديهم متسع من الوقت للعودة إلى بيوتهم ظهراً، لتناول وجبة الغداء.

  كالعادة، كان الأولاد أول من يتجمع. فقد انتهت السنة الدراسية مؤخراً وبدأت العطلة الصيفية، ولم يعتادوا بعد على الشعور بالحرية؛ وبالطبع سرعان ما ينقلب تجمعهم الذي يسوده الهدوء في البداية، إلى لعب صاخب، وما زال حديثهم لا يخرج عن قاعات الدراسة والمعلمين والكتب والتوبيخ. شَرَع ‘بوبي مارتن’، بملء جيوبه بالحجارة المدورةِ الملساء وسرعان ما حذا بقية الأولاد حذوه. ‘بوبي’ و ‘هاري جونز’ و ‘ديكي ديلاكروا’، الذي ينطقه القرويون بِ ‘ديلاكروي’، في نهاية المطاف تمكنوا من تكديس كومة كبيرة من الحجارة في إحدى زوايا الميدان وحراستها خوفاً من غارات بقية الأولاد. كانت الفتيات يقفن جانباً، يتحدثن فيما بينهن وينظرن ورائهنَ على الأولاد. أما الأطفال، إما تراهم ممسكين بأيدي إخوانهم أو أخواتهم أو يلعبون في التراب.

سرعان ما بدأ الرجال بالتجمع، والبحث عن أولادهم، واقفين بعيداً عن كومة الحجارة المكدسة في الزاوية وأحاديثهم لا تخرج عن مواضيع الزرع والمطر والجرارات والضرائب، مستبدلين قهقهاتهم العالية المعتادة بالابتسام وكان مَزاحهم متسماً بالهدوء. تبعت النسوة أزواجهن، بعد وقت قصير، بفساتين البيت باهتةُ اللون وفَوقَها السترات، تبادلنَ التحية وبعض النميمة عن هذا وذاك، ثم توجهن، حيث يقف أزواجهن وبدأنّ بمناداة أولادهن، والذين قدموا بتردد، محتاجين أن ينادوا أكثر من مرة. وحين أفلت ‘بوبي مارتن’ يده من قبضة والدته القوية، راكضاً باتجاه كومة الحجارة يضحك. نادى عليه والده بنبرة حادة، فاضطر للعودة بسرعة والوقوف بين والده ووالدته وأخيه الأكبر.

  يشرف على اليانصيب السيد (سمرز) الذي وظف نفسه لخدمة الفعاليات الرسمية والاجتماعية في القرية. يجري اليانصيب، في ميدان القرية شأنها شأن الفعاليات الأخرى التي دأب السيد (سمرز)، على تنظيمها والإشراف عليها، بما فيها: حفلات الرقص، نادي المراهقين وحفل ‘الهالوين’. السيد (سمرز)، رجل بشوش بوجه مستدير ويدير منجماً للفحم. يتعاطف معه الناس؛ بسبب حرمانه من الذرية ولِسلاطة لسان زوجته. تعالت الهمهمة بين القرويين عند دخوله الساحة حاملاً الصندوق الخشبي الأسود معتذراً: “آسف على تَأخُري يا سادة”. وكان وراؤه السيد (ڨريفز) مدير مكتب البريد، حاملاً مقعداً ثلاثي الأرجل إلى وسط الساحة، وضع السيد (سمرز) الصندوق عليه. ترك القرويون مسافة بينهم وبين المقعد، وحين قال السيد (سمرز): هل من متطوع، لمساعدتي؟ ترددوا. بعد لحظات تطوع، السيد ‘مارتن’ وابنه الأكبر ‘باكستر’ لتثبيت الصندوق أثناء خلط السيد ‘سمرز’، أوراق اليانصيب التي في داخله.

    ضاعت المعدات الأصلية لليانصيب، منذ زمنٍ طويل. أما الصندوق الأسود القابع حالياً على المقعد ثلاثي الأرجل فَزَمنه يعود، إلى ما قبل ولادة العجوز (وارنر)، أكبر رجل عمراً في القرية. كثيراً ما قال السيد (سمرز) للقرويين بضرورة صنع صندوق جديد، إلا أن الناس كانت تهمل وتنسى ما سمِعَت لعدم رغبتها إفساد ما يحمله هذا الصندوق من عبق الماضي وتقاليده. وكانت هنالك مزاعِم تقول، إن الصندوق الأسود الحالي صُنِعَ، باستخدام خشب الصندوق القديم. الصندوق الذي صنعه المستوطنين الأوائل. كل سنة، بعد كل يانصيب، يبدأ السيد (سمرز) بإعادة فتح موضوع تغيير الصندوق، إلا أن الموضوع يذهب طي النسيان من دون عمل أي شيء، على الرغم من أن خشب الصندوق الأسود الحالي قَدْ شَرَعَ بالْاهتراء لدرجة أن لونه الأسود لم يعد أسودَ، وهنالك شق في أحد جوانبه يمكن لأي كان، أن يرى لون الخشب الأصلي منه، وعلى الجَوانبِ الأخرى فإما كان باهت اللون أو ملطخاً بالبقع.

  كانت أذرع السيد (مارتن) ووَلَده ‘باكستر’ تطوق الصندوق بقوة، لحين إنتهاء السيد (سمرز) من خلط الأوراق جيداً. لأنَ  الناس قد نسوا الكثير من الطقوس القديمة تمكن السيد (سمرز) بنجاح، استبدال رقائق الخشب التي أستُخدِمت لأجيال بقصاصاتٍ ورقيةٍ وكان تفسير السيد (سمرز) لهذا التغيير، أن رقائق الخشب، كانت مناسبة وتَسَعَ في الصندوق حين كان عدد سكان القرية قليل، أما الآن وبعد أن وصل عدد سكانها إلى أكثر من ثلاثمائة شخص وبِزدياد أصبح من الضروري، استخدام الورق كي يستوعبها الصندوق. في الليلة التي تسبق اليانصيب يقوم السيد (سمرز) والسيد (ڨريفز) بتجهيز أوراق اليانصيب ووضعها في الصندوق ونقله داخل خزنة شركة الفحم التي يمتلكها السيد (سمرز) وغلقها بإحكام ليأخذه في اليوم التالي إلى ميدان القرية. لم يكن هناك مكان ثابت لحفظ الصندوق بعد استخدامه. تراه سنة، مركوناً في إحدى زوايا حظيرة السيد (ڨريفز)، وسنة أخرى مرمياً على أرضية مكتب البريد تدوسه الأقدام أو مركوناً على أحد رفوف بقالة السيد (مارتن).

  كان هنالك الكثير من التحضيرات التي يتوجب على السيد (سمرز) إنجازها، قبل بدء اليانصيب منها: إعداد قائمة بِأرباب الأسر، وقائمة بِمُعيلي الأسرة الواحدة وقائمة بعدد أفراد كل أسرة. كما كان عليه أيضاً، أداء القَسَم أمام مدير مكتب البريد ليتسلم رسمياً مسؤولية إدارة اليانصيب. يتذكر بعض الناس المراسيم القديمة التي كان يتوجب فيها على المسؤول كلّ سنة، غناء بعض الأناشيد الدينية غير المرتلة والمملة والمثيرة للأعصاب. كان البعض يعتقد، أنه كان يقرأها أو يتغنى بها، ثابتاً في مكانه، ويَزْعم آخرون أنه كان يرتلها أثناء سيره بين الناس، ويبدو أن هذه الطقوس اندثرت بمرور السنين. كان هناك أيضاً تحية شعائرية على مسؤول اليانصيب تأديتها لكل شخص يأتي لسحب ورقته، لكن هذه العادة تغيرت أيضاً، فالمَسؤول اليوم عليه أن يتبادل كلمات سريعة مع مَن يمتثلون أمامُه، وَالسيد (سمرز) المعروف بلباقته وحسن خُلقه، فهو أفضل من يقوم بمثل هذه المهمة، واقفاً وسط الميدان بنطاله الجينز وقميصه الأبيض الناصع، متكئاً على الصندوق الأسود، منغمساً في الحديث مع السيد (ڨريفز) والسيد (مارتن) وأبنائه.

  بعد أن انتهى من السيد (سمرز) حديثه مع الآخرين واستدار مواجهاً القرويين، جاءت السيدة (هاتشينسون) مسرعة باتجاه الساحة، مرتديةً كنزتها، ووقفت في نهاية الحشد. “نسيت تماما في أي يوم نحن”،  موجهة كلامها للسيدة (ديلاكروي) التي كانت تقف إلى جانبها، وضحكت السيدتان بصوت منخفض. “اعتقدت أن زوجي في الخارج يجمع الخشب”، مستمرة في الكلام، “نظرتُ من النافذة فلم أجدَ الأطفال، عندها تذكرت أن اليوم هو السابع والعشرون فجئت مسرعة”. واستمرت بتجفيف يَديها بمئزرها، أجابتها السيدة (ديلاكروي)، “لا عليكِ، جئت في الوقت المناسب. إنهم ما زالوا يقفون هناك، يتحدثون”.

  مدت السيدة (هاتشينسون) رقبتها بين الحشد فوجدت زوجها وأطفالها يقفون قُرب المقدمة. ربتت على ذراع السيدة (ديلاكروي) مودعةً وبدأت تشق طريقها بين الحشود. وبدأ الناس باِفساح الطريق لها. قال اثنان أو ثلاثة من الناس بصوت مسموع كفاية ليسمعه الحشد: “ها هيّ زوجتك قادمة يا (هاتشينسون)”، “وصلت زوجتكَ أخيراً يا (بيل)”. تمكنت السيدة (هاتشينسون) من الوصول إلى زوجها. وقال السيد (سمرز) ممازحاً: “اعتقدنا اننا سنبدأ من دونك يا (تيسي)”. أجابته السيدة (هاتشينسون) مبتسمة: “لا تتوقع مني ترك الصحون في الحوض أليس كذلك يا (جو)؟”، ضحك الحشد بصوت خافت وعادوا إلى أماكنهم بعد وصول السيدة (هاتشينسون).

  قال السيد ‘سمرز’ بجدية: “علينا الآن، أن ننتهي من هذا بسرعة لنعود إلى اشغالنا. هل هناك مَنْ متغيب؟”

  صاحَ جمعٌ من أهل القرية “(دنبار)، (دنبار)”.

  راجع السيد سمرز قائمته ثم صاح: “(كلايد دنبار). آها، تذكرتُ الآن. رجله مكسورة على ما أعتقد؟ من سَيسحب بدلاً منه؟”

  قالت امرأة: “أعتقد أنني من سَيسحب”، استدار السيد سمرز وسألها متعجباً: “زوجة تسحب عوضاً عن زوجها؟! أليس أبنكِ ببالغ، لِيسحب بدلاً منك يا (جيني)؟” بالرغم من ان السيد سمرز وكل من في القرية يعرف الجواب، لكن توجب على السيد (سمرز) أن يسأل بهذه الطريقة الجادة لكونه المسؤول الرسمي عن اليانصيب وانتظر بأدب وفضول جواب السيدة دنبار.

  قالت بحسرة: “لم يبلغ هوراس السادسة عشر من عمره بَعدْ، لذا أضن أنه يجب عليّ أن أحل محل زوجي هذهِ السنة”.

  أجاب السيد (سمرز): “حسناً، وكتب ملاحظة على القائمة التي بيده. وبعدها سأل “هل سيشارك إبن عائلة (واتسن) في سحبةِ هذه السنة؟”

  رفع شاب طويل القامة يده من بين الجمع وقال: “نعم وسأسحب عني وعن أمي”. رمش بتوتر، ونكس رأسه من الخجل، حين سمع أصوات من بين الحشد تقول: “جاك، شابٌ صالح.” و “هنيئاً لوالدتك، أن يكون لها شابٌ مثلك، يتحمل المسؤولية.”

  قال السيد (سمرز): “إذاً، أعتقد أنه قد حضر الجميع، هل العجوز (وارنر) موجود؟”

  قال صوتٌ من الحضور: “هنا”. وأومأ له السيد (سمرز)، برأسه.

  فجأة عَمّ الصمت بين الحشد حين بلع السيد (سمرز) ريقه ونظر إلى القائمة ثم صاح: “مستعدون؟ سأقرأ أولاً، قائمة أرباب الأسر وعلى الرجال التقدم لسحب ورقة من الصندوق.  وتركها مطوية بأيديكم وعدم النظر إليها حتى ينتهي الجميع. هل هذا واضح؟”

  ولأن الناس كانوا قد مروا بهذه الطقوس العديد من المرات   لم يعير معظم الحشد انتباههم إلى ما قاله. كان الحشد صامت، ويبلَعون أَرياقهم غائبين عما يجري حولهم. ثم رفع السيد (سمرز) إحدى يديه عالياً وصاح: “(آدمز)”. خرج رجل من بين الحشد وتقدم نحو الصندوق. قال السيد (سمرز): “مرحباً يا (ستيف)” . رد السيد (آدمز): “أهلاً يا (جو)”. وابتسم أحدهما للآخر بجدية وقلق. مد السيد (آدمز) يده داخل الصندوق وسحب ورقة مطوية، مسكها من أحد أطرافها بحزم وعاد بعجلة إلى مكانه في الحشد، ووقف على بُعد مسافة قليلة عن عائلته غير قادر على النظر إلى ما في يده.

  وواصل السيد (سمرز) دعوة أرباب الأسر: “(ألين)…. (أندرسون)……(بنثام)..….”

  همست السيدة (ديلاكروي) للسيدة (ڨريفز): “يجري الوقت بسرعة بين اليانصيب والآخر، يبدو لي أن آخر اليانصيب، كان قَبْلَ أسبوع”.

  أجابت السيدة(ڨريفز): “يمضي الوقت سريعاً، بالتأكيد”.

  “(كلارك)…..(ديلاكروي)…..”

  قالت السيدة (ديلاكروي): “ها هو ذا زوجي يذهب”. ثم حبست انفاسها وهيّ تراه يسير بأتجاه السيد سمرز.

  صاح السيد (سمرز): “دنبار”، تقدمت السيدة (دنبار) بخطى ثابتة نحو الصندوق وصاحت إحدى النساء: “تقدمي يا (جيني)”، وقال صوتٌ آخر: “إنها ذاهبة”.

  قالت السيدة (ڨريفز): “حان دورنا”، وبقيت تراقب زوجها حتى أتى من عند الصندوق بعد أن حيّى السيد (سمرز) بقلق،  واختار ورقة من داخل الصندوق. وفي هذه الأثناء كان الرجال، يقلبون بقلق، الورقة الصغيرة المطوية بأكفهم الضخمة. وكانت السيدة دنبار تقف مع وَلَديها وبكفها الورقة المطوية.

  “(هربرت)..… (هاتشينسون)….”

  قالت السيدة (هاتشينسون): “تقدم يا بيل”، بطريقة أضحكت من حولها.

  “جونسن……”

  قال السيد (آدمز) موجهاً حديثه للعجوز وارنر الذي كان يقف بجانبه: “يقولون، أن قُرى الشمال تفكر بإيقاف اليانصيب”.

  أجابه العجوز (وارنر) بازدراء: “زمرةٌ من المجانين، ينصتونَ إلى الشباب، لا يعجبهم أي شيء. لربما ستكون بُدعتهم القادمة، العودة للعيش في الكهوف، لا يرغبون بالعمل بعد الآن، لا أحد يرغب بهذا. هل سمعت بِمَثَل اليانصيب القائل ‘اليانصيب في حزيران، يزيد الذرة بالميزان’. عن قريب سنأكل الكثير من يخنة الدجاج والذرة. وقال بفظاظة: “كانت اليانصيب موجودة وستبقى. يكفي رؤية جو سمرز يقف هناك، يمزحُ وينكتُ مع الآخرين.”

  علقت السيدة (آدمز): “بعض الأماكن تخلت عن اليانصيب بالفعل”.

  أجابها العجوز (وارنر)، بحدة: “لا تأتي إلا المتاعب من التخلي عنها، زمرةٌ من المجانين”.

  (“مارتن”)……، وراقب (بوب مارتن) والده متوجهاً إلى المقدمة.

  “(أوفردايك)…… (بيرسي)……”

  قالت السيدة (دنبار) لولدها البكر: “أتمنى أن يعجلوا الأمر ليتهم يسرعوا”.

  جاوبها ابنها: “يبدو أنهم على وشك الانتهاء”.

  قالت السيدة (دنبار): “استعد للذهاب وتبليغ والدك بالنتيجة”.

  نادى السيد (سمرز) اسمه وتقدم لسحب ورقة من الصندوق ثم عاد إلى مكانه ثم نادى اسم، “السيد (وارنر)”.

  قال العجوز (وارنر) وهو يشق طريقه بين الحشد: “سبعةٌ وسبعون عاما وأنا أشارك في اليانصيب، نعم سبعة وسبعون مرةً”.

  “(واتسون)”….. تقدم الشاب الطويل بارتباك بين الحشد. صاح أحدهم مشجعاً: “لا داعي للأرتباك يا جاك”، وقال السيد (سمرز): “خُذ وقتك يا بُني”.

  “زانيني….”

  بعد الانتهاء من القائمة، حلت لحظات صمتٍ طويلة، لا يُسمَعُ فيها نفس، قاطعها السيد (سمرز)، برفع ورقته في الهواء قائلاً: “حسناً يا قوم”. لم يتحرك لبعض الوقت، بعدها بدأ الجميع بِكشف أوراقهم. فجأة، تعالت أصوات النسوة متسائلين في آنٍ واحد: “مَنْ؟ مَنْ الذي حصل عليها؟ هل وَقَعت على عائلة (دنبار)؟ أم هيّ من نصيب عائلة (واتسون)؟” أخذت الأصوات تردد اسم (هاتشينسون) “إنه (بيل)، (بيل هاتشينسون) من حصل على الورقة”.

  أمرت السيدة (دنبار) ابنها البكر: “اذهب وأخبر والِدك”.

  بدأت العيون بالبحث عن عائلة (هاتشينسون). كان (بيل) يقف بهدوء محدقاً في الورقة التي في يده. فجأة صرخت (تيسي هاتشينسون) على السيد (سمرز): “لم تعطيه الوقت الكافي لسحب الورقة التي أرادها، كنت أُراقبك. هذا ليس عدلاً!”

  صاحت السيدة (ديلاكروي): “حاولي التَحَلي بروحٍ رياضية يا (تيسي)”، تبعتها السيدة (ڨريفز) قائلة: “حصلنا جميعناً على الفرصة نفسها”.

  قال (بيل هاتشينسون) “(تيسي)، أغلقي فَمَكِ”.

  قال السيد (سمرز): “حسناً يا جماعة، لقد أنهينا اليانصيب بسرعة قياسية، علينا الآن الإسراع أكثر حتى ننتهي في الوقت المناسب”. راجع السيد (سمرز) قائمته. وسأل (بيل): “هل أنتَ من يتحمل مسؤولية السحب لعائلة (هاتشينسون)، هل هناك أفراد آخرين في عائلة (هاتشينسون)؟”

  صاحت السيدة (هاتشينسون): “هناك (دون) و(إيفا)، وعليهم المشاركة معنا كعائلة!”

  ردَ عليها السيد (سمرز) بأدب: “كما تعرفين ويعرِفَ الجميع، يا (تيسي)، أنّ الابنة المتزوجة تشارك اليانصيب مع عائلة زوجها”.

  أجابت (تيسي): “لم تكن اليانصيب عادلة”.

  قال بيل هاتشينسون معبراً عن أسفه: “لا أتفق معها يا (جو)، ابنتي ستشارك في اليانصيب مع عائلة زوجها وهذا عين الإنصاف. ولم يتبقَ لدي غير هؤلاء الأولاد”.

  قال السيد (سمرز) موضحاً: “إذاً، أنتَ رب العائلة وعليك تقع مسؤولية القيام بهذه المهمة، شأنك شأن الرجال الآخرين، كما أنك أيضا المسؤول بالسحب نيابة عن أفراد عائلتك بما أنك المعيل، أليس كذلك؟”

  أجاب (بيل): “صحيح”.

  سأل السيد (سمرز) بصيغة رسمية: كم عدد أولادك؟

  أجاب (بيل هاتشينسون): “ثلاثة، (بيل) الإبن و (نانسي)، والصغير (ديف). و(تيسي) وأنا”.

  أجاب السيد (سمرز): “حسناً إذاً، (هاري)، هل استرجعتَ أوراقهم”.

  أومأ السيد (ڨريفز) رأسه بالإيجاب، حاملاً بيده قصاصات الورق، أمر السيد (سمرز): “ارمِها في الصندوق وضع معها، أوراق عائلة (بيل) أيضاً”.

  قالت السيدة (هاتشنسون) بصوت منخفض: “أعتقد أن علينا إعادة اليانصيب، لم تكن السحبة عادلة. لم تعطه الوقت الكافي لسحب الورقة التي أرادَها، الجميع شاهِدٌ على ذلك”.

  أخذ السيد (ڨريفز) القُصاصات الخَمس ووضعها في الصندوق وأضاف بقية الأوراق ما عدا الأوراق التي تطايرت على الأرض بسبب الهواء.

  قالت السيد (هاتشينسون) للناس حولها: “انصتوا قليلاً”.

  سأل السيد (سمرز): هل أنت مستعد يا (بيل)؟ ألقى (بيل) نظرة سريعة على أولاده وزوجته، وأومأ بالإيجاب.

  قال السيد (سمرز): “تَذَكَرْ، خُذ ورقة وأبقاها مطوية إلى أن يختار كل فردٍ منهم واحدة. (هاري)، ساعِد الصغير (ديف)”. أمسك السيد (ڨريفز) بيد الولد الصغير وقاده إلى الصندوق طوعاً. طلب منه السيد (سمرز) “(ديف)، اسحب ورقة من داخل”. وضع (ديف) يده في الصندوق وضحك. قال له السيد (سمرز): “خُذ ورقة واحدة فقط. (هاري) أبقي الورقة في يدك”. أخذ السيد (ڨريفز) الورقة من يد الصغير، الذي أحكم قبضته عليها وأبقاها معه وقف الصغير (ديف) إلى جانبه ناظراً إليه بتعجب.

  قال السيد (سمرز): “حان دورك يا (نانسي)” ، كانت (نانسي) ، في الثانية عشرة من عمرها، حبس أصدقائها من المدرسة أنفاسهم وهم يرونها متوجهة نحو الصندوق ترتب حاشية تنورتها وسحبت بهدوء، ورقة من الصندوق. بعدها نادى السيد (سمرز) اسم (بيل) الإبن الذي توجه بوجهه الأحمر متعثراً حتى كاد أن يقلب الصندوق أثناء سحبه للورقة. نادى السيد (سمرز): “(تيسي)”. تَرددت لِدقيقة، بعدها ألقت نظرة متحدية على الحشد ثُم أطبقت شفتيها وتوجهت للصندوق. وأخذت بسرعة ورقة من داخله ووضعتها وراء ظهرها.

  نادي السيد (سمرز): “(بيل)”، ذهب (بيل) إلى الصندوق، ومد يده متحسساً، وأخرج يده أخيراً وكانت في كفه قصاصة ورق.

  عم السكون المكان. وهمست إحدى الفتيات: “أتمنى أن لا تكون الورقة من نصيب (نانسي)”، وصل صوت همسها إلى نهاية الحشد.

  قال العجوز (وارنر) بصوت سمعه الجميع: “لم تعد اليانصيب كما اعتدنا عليها، وتغيرت نفوس الناس كذلك”.

  قال السيد (سمرز): “حسناً، اكشفوا أوراقكم، وأنت يا (هاري) ، افتح ورقة الصغير (ديف)”.

  فتح السيد (ڨريفز) الورقة وتنهد الجميع حين رفع الورقة البيضاء أمام أعينهم. فتحت (نانسي) و (بيل) الابن وَرَقاتهم في نفس اللحظة، ضحكا ورفعاها فوق رأسيهما عالياً بابتهاج، ليراها الجميع.

  قال السيد(سمرز): “(تيسي)”، كانت هناك لحظة صمت، نظر السيد (سمرز) إلى (بيل هاتشينسون)، وكشف (بيل) ورقته المطوية وعرضها على الجميع، وكانت بيضاء.

  قال السيد (سمرز) بتَهدج: “إنها (تيسي)، لنرَ ورقتها يا (بيل)”.

  توجه (بيل) إلى زوجته وانتشل الورقة من كفها. وكانت عليها النقطة السوداء، النقطة التي عَلمها السيد (سمرز) بقلم الرصاص العريض قبل بالليلة في مكتبه في شركة الفحم. رفع (بيل هاتشينسون) الورقة عالية، وحدق بها الحشد.

  صاح السيد (سمرز): “أيها الناس”، لننتهي من هذا بسرعة”.

  رغم نسيان القرويين للكثير من الطقوس القديمة وفقدانهم للصندوق الأسود الأصلي، إلا أنهم لم ينسوا استعمال الحجارة. كانت كومة حجارة التي جمعها الأولاد جاهزة؛ وكان هُنالك حجارة على الأرض مع الأوراق المتطايرة التي أُخرِجت من الصندوق. اختارت السيدة (ديلاكروي) حجر كبير لدرجة أنها لم تقدر على حمله بيد واحد واستدارت مخاطبة السيدة (دنبار): “هيا، أسرعي”.

  أجابتها السيدة (دنبار) التي كانت تحمل أحجار صغيرة، وتلهث في محاولة لالتقاط نَفَسِها: “لا أقدر على الركض، اذهبي أنتِ وسألحق بك”.

  كان الأولاد مدججين بالحجارةِ سلفاً. وأعطى أحدهم بعض الحصى لِلصغير (ديفي هاتشينسون).

  بينما كانت (تيسي هاتشينسون) واقفاً في وسط الساحة لوحدها، مادة يديها تصرخ يائسة وبينما كان القرويين قادمين لِرجمها. قالت: “ارحموني، لا عَدالة فيما تفعلون”. وإذ بِحَجرٍ يضرِبُها على جانب رأسها.

  قال العجوز (وارنر) للناس مشجعاً: “هلموا، هلموا.. جميعاً”. كان (ستيف آدمز) على رأس الحشد بجانبه السيدة (ڨريفز).

  استمرت السيدة (هاتشينسون) بالصراخ: “هذا ليس عدلاً، ما تفعلونه ليس صائبا”. لكنهم تكالبوا عليها، وراحوا بِرَجمِها.

 

 

مقالات من نفس القسم