سوسن الشريف
استأثرتُ بكل ثروتكِ…
الراديو الصغير، كيس النقود الجلدي الصغير الأبيض والآخر الأسود، بأحدهم قطعًا معدنية وورقة فئة عشرة قروش، شريط أخضر من أسبرين “ريفو”، ألم الرأس الساعة الخامسة، ليذكرني بالشاي مع الكعك والبسكويت، عادة النبلاء الإنجليز، صحبة الهدهد، وإن نسيت ذكرني صوت اليمام.
تعلمتُ صنع فطائرً لذيذة، وأحيانًا أنجح في صناعة الخبز، “المرأة التي تجيد صناعة الخبز لا تبرح أبدًا ذاكرة زوجها”، هكذا أخبرنا أبي، وقد ظل وحيدًا ستة عشر عامًا، يحن إلى خبز أمي، إلى أن صارا معًا، ينعمان بخبز الملائكة، أتجنب كثيرًا إعداد الأطعمة التي يحبها، وإذا طهوتها لا أتذوقها إلا بعد مرور أيام.
لقد أحسن أبي اختيار المنزل الجديد، في الطابق الأخير، لنكون بجوار القمر، وتسكن معنا اليمامات، وفي نهاية الشارع، حديقة ملونة بالزهر وشجر البرتقال، تفقدتُ كل شيء اليوم، لوحة هادئة، تناجينا، تشتاق إلينا، أما الهدهد، فربما هاجر إلى سماء أخرى. اشتريتُ ستائرًا جديدة، لا تحجب الضوء الحارق للشمس، ولا أعين الجيران، شفافة بلون قلب لم يعد قادرًا على حجب ما لا يجب البوح به. ولما أرهقه التعب، طرقت باب الأطباء، أخبروني أن السكر يشفي الجروح، صرتُ أتناول الكثير من الحلوى، أغمر قهوتي بالسكر إلى أن يفسد طعمها، لكن في بُعدكما يأبى جرح قلبي الشفاء.
أمام منزلنا القديم نبتت شجرة، ينتظركم ظلها كل يوم، وأنتظر معه، حكايات أبي، شاي الخامسة، الهدهد، وفطائر أمي…
لم أسكن المنزل الجديد .. أتوق إلى السكن بجواركما