حاميد اليوسفي
تعبت هنية، لم تعد قادرة على تحمل حماقات العربي، ولكنها في نفس الوقت بقيت وفية للعشرة . قضت معه أياما جميلة. سافرا معا إلى المدن البعيدة، وأكلا وشربا، وتعانقا وناما عاريين تحت عطاء واحد، قبل أن يتزوجا، وينجبا ثلاثة أولاد.
كانت الحياة سهلة، والمال يجري في يد العربي. يبيع دكانا أو قطعة أرضية، ولا تكاد تمر أيام قليلة حتى يتسرب المال من بين أصابعه مثل الماء. تلاقت عليه ثلاث لعنات: القمار والخمر والنساء، طاحونة تسحق المال حتى ولو كان في حجم ثروة قارون.
نصحته هنية، ثم خاصمته. وعندما لم تجد آذانا صاغية، تركت له الجمل بما حمل. كان في كل مرة يذهب إلى أهلها، يقبل رأسها، ويقدم لها هدية، فتعود إلى البيت، وكأن شيئا لم يحصل.
كبر الأبناء، وانقطعوا عن الدراسة. أصغرهم زارته بالأمس في السجن. يقضي عقوبة بسبب الاتجار في الحشيش. أكبرهم ترك البيت، واختفى منذ شهرين، وأوسطهم يأتي مثل والده في وقت متأخر من الليل إما سكرانا أو مسطولا. وأحيانا يتشاجرا، ويحمل كل منهما السكين في وجه الآخر. ترتعد هنية وتصرخ. تفتح الباب، وتطلب تدخل الجيران :
ـ واك واك عتقوا الروح !؟
فقدت ماء الوجه مع الجيران، لم تعد تقدر على رفع رأسها في الحي بسبب الفضائح التي توالت عليها.
يلعب العربي، ويشرب النبيذ الأحمر. خسر آخر ما بقي معه في القمار، فرهن ساعته اليدوية أملا في أن يبتسم له الحظ، ويسترجع جزءا من ماله.
عندما ينهض وهو خسران، يشعر بأن رأسه يثقل على جسده، ولا يشتهى سوى الارتماء في أحضان هنية، ويمارس معها الجنس حتى يسقط جثة هامدة، وينام فوق صدرها. يعرف بأنها ستتمنع عليه، لذلك ينعتها مع نفسه ببنت الكلب، ولا بد أن يفتعل ما يجعلها تقع في حباله، وتستسلم لرغباته بسهولة.
ينادي عليها بأعلى صوته، وهو داخل إلى الدرب في وقت متأخر من الليل:
ـ “وا هنية بغيت ن…”
وتسكت شهرزاد عن الكلام الذي لا يتحول إلى فعل إلا في الغرف المظلمة.
تفتح هنية الباب، وتغلق فمه بيدها، وهي تهمس بصوت مخنوق حتى لا يسمعها الجيران:
ـ اسكت الله يقطع لك الحس!؟
….
مراكش 22 مايو 2022