إيهاب دكروري: الواقع الثقافي مأزوم

إيهاب دكروري
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره: حسين عبد الرحيم

مثلت عودة الكاتب القاص والإعلامي الكبير إيهاب دكروري للأوساط الثقافية والإعلامية مفاجأة ودهشة لكافة العاملين بالحقل الثقافي كون دكروري قد نشر من قبل مجموعات قصصية كان أولها نصوص “حامل الراية” والتى مثلت نبوءة المتأمل لأحوال مصر بل مستقبلها المعرفي والثقافي الإعلامي.

إيهاب يعمل بالتليفزيون المصري وكانت بدايته من خلال برنامجه “ورقة وقلم” الذي كان يقدمه بالقناة الثامنة وكان همزة وصل مع كافة الجهات الثقافية والفكرية متجليا بطرح ماهيات الأدب والفن السردى والتشكيلي. هاجر ايهاب دكروري عقب ثورة يناير 2011 إلى هولندا مقدما الكثير من الرؤى الإعلامية في كثير من البرامج التى قدمت الحضارة المصرية في ابهى صورها كالسينما والفكر والأفلام الوثائقية التي أدهشت الغرب فنال الكثير من الجوائز بعد أن صتع أفلاما عن حضارة النيل..”، هنا حوار معه.

ـ أين أنت من كل ما صنعت ولماذا كان كل هذا الغياب. وليتك تقدم نفسك للقارئ المصري والعربي وخاصة وانك قد ساهمت لسنوات طويلة في صنع صورة البرامج الثقافية، والتي أثرت بدورها في الحياة الثقافية من حيث تسليط الضوء على الأعمال الأدبية ومناقشتها في سابقة غير معتادة بالنسبة لسياقها الزمني والمكاني. كيف تستعيد هذا اليوم؟ كيف كانت رؤيتك وقتها وكيف تقيمها اليوم؟

بدأت العمل في التلفزيون في منتصف التسعينات، في هذا الوقت لم يكن متاحًا غير قنوات التلفزيون المصري والأولى والثانية، ولم يكن هناك وقتها برامج ثقافية تستحوذ على اهتمام المشاهد باستثناء برنامج الشاعر الكبير فاروق شوشة والذي كان يخاطب نخبة المثقفين والشعراء، لكن لم يكن هناك برامج تستعرض الأعمال الأدبية أو تقدم مبدعين جدد وقتها أو تقدم رؤية جيل جديد لإبداع الأجيال السابقة، ومن هنا بدأ عملي في البرامج الثقافية التي قدمتها وكانت كلها من أفكاري وأهمها بالطبع برنامج «كاميرا وقلم»، الذي استمريت في تقدميه عشر سنوات متواصلة ناقشت فيه القصة والشعر والرواية، وقدمت كبار الأدباء والنقاد في كثير من حلقات البرنامج أمثال الكُتّاب الكِبار بهاء طاهر، وصنع الله إبراهيم، وادوار الخراط، ومحمد مستجاب، وادريس علي، ومحمود الورداني.  كما ناقشت نصوصًا مهمة لأسماء كانت في ذلك الوقت كانت في بدايتها وأصبحت الآن أسماء راسخة ذات مشاريع ابداعية هامة أمثال عادل عصمت، وخالد إسماعيل، وحمدي أبو جليل، و إبراهيم فرغلي، والكاتبات ميسون صقر، وسلوى بكر ونعمات البحيري إضافة إلى الجيل الأحدث وقتها ميرال الطحاوي، ومنصورة عز الدين، وصفاء النجار، وأمينة زيدان. ومن الشعراء الشباب وقتها أحمد الشهاوي، ويسري حسان، وسيد محمود، ومحمود خيرالله، ومحمود قرني، إضافة إلى شعبان يوسف الذي لعب دورًا هامًا كشاعرًا وناقدًا، إذ كان للنقاد دورًا كبيرًا في البرنامج حيث قدمت كل من د. عبد الناصر هلال ود. أيمن بكر، د.شيرين أبو النجا، ود. خيري دومة ود. مصطفى الضبع والمرحوم حاتم عبد العظيم، ود. يسري عبد الله، وغيرهم. هذا بالإضافة إلى برنامج «المنتدى الثقافي»، والذي ناقشت فيه القضايا الثقافية التي كانت تستحوذ على اهتمام المثقفين مثل قضايا قصيدة النثر التي كانت مثار اهتمام ذلك الوقت. واستمتعت من خلال هذا البرنامج بمحاورة الكثير من المفكرين أمثال د. جابر عصفور ود. سمير سرحان، ود. شاكر عبد الحميد والناقد إحسان عباس ود.عبد العزيز حمودة، ود. سيد البحراوي، ود. نبيل عبد الفتاح، والمبدعين عبدالرحمن منيف، والطيب صالح، اسامة أنور عكاشة وأحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب، وإبراهيم أصلان، وجمال الغيطاني وحلمي سالم وغيرهم كثر ممن لا تسعفني الذاكرة الآن لذكرهم، فقد قدمت أدباء العاصمة، وأدباء الأقاليم وكذلك النقاد واستطعت الوقوف في وجه المركزية الثقافية وأخرجت الأدباء من القاهرة إلى تلفزيون المنيا.

_وكيف كان يتم هذا، حدثنا باستفاضة عن تلك التجليات الإعلامية والثقافية الإبداعية؟

كان هذا يتم إما بحضور المبدعين لمقر القناة أو بتغطية الفعاليات والمناسبات الثقافية المختلفة، فمثلا على مدار 10 سنوات كنت حريصًا على تقديم رسالة يومية من معرض القاهرة للكتاب، وتغطية كافة فعالياته ما أتاح فرصة لمحاورة وتوطيد العلاقات مع الكثير من المبدعين والمفكرين من كافة الإتجاهات.

وكيف ترى هذه التجربة اليوم، في ظل ماهو مطروح بل مغاير تماماً لما كنت تطرحه؟

الحقيقة أراها تجربة مهمة وممتعة بالنسبة لي فقد صنعت ما أحبه، فأنا يتملكني دائما الفضول وحب المعرفة، فكانت كل حلقة من حلقات برنامجي كاميرا وقلم أو المنتدى الثقافي مزيد من المعرفة والحقيقة أنت لن تستمتع بسماع إجابة جيدة وجديدة إلا إذا كان السؤال ذكيًا وصادقًا ومن هنا كانت كل حلقة بالنسبة لي تحدٍ ممتع.

– من الأدب لبرامج الفن التشكيلي والسينما التسجيلية، كيف جاءت لك هذه الأفكار التي كان تقديمها جديدًا على مجتمعها كرؤية ورؤية جعلت مشاهدة برامجك تصل لكل بيت مصري بثقافة وفكر جذري وبسيط في آن؟

كما ذكرت أنا أسعى وراء ما أحب وبالفعل أنا أحب الأدب والفنون التشكيلية والسينما، على الأخص السينما التسجيلية والوثائقية، ومن هنا جاءتني أفكار لعمل برنامج «سينما الحقيقة» عن السينما التسجيلية وبرنامج «جاليري القناة السابعة»، أماعن الفن التشكيلي، فأتذكر وأنا صبي صغير كان هناك برنامج يذاع على شاشة التلفزيون المصري يقدمه الإعلامي عبد الرحمن علي ويعده الناقد الكبير علي أبو شادي باسم “سينما لا تكذب ولا تتجمل” عن السينما التسجيلية، وكنت أتابعه بشغف على الرغم من عدم انتظام مواعيد إذاعته وربما كان هذا هو الدافع الذي وجهني لعمل برنامج عن السينما التسجيلية باسم سينما الحقيقة امتدت حلقاته على مدار ثمانية أعوام قدمت خلالها عشرات وربما مئات من الأفلام التسجيلية ومبدعيها الشباب والكبار أمثال المخرج الكبير علي الغزولي، أمد الله في عمره، والذي حظيت برفقته والاستماع إليه كثيرًا سواء من خلال البرنامج أو خارجه.  ولم يقتصر الأمر على الأفلام التسجيلية بل امتدت للروائية القصيرة في تعاون سعيت إليه مع معهد السينما في ذلك الوقت لإذاعة أفلام التخرج لشباب المخرجين وأيضًا التعاون مع المركز القومي للسينما والرائع الدكتور مدكور ثابت الذي أمدنا بكثير من أفلام المركز، وأنا أزعم أننا بسبب هذا البرنامج نملك أرشيفًا من الأفلام الروائية القصيرة والتسجيلية موجودًا في قناة الصعيد، لا يوجد في أي قناة أخرى. فضلًا عن لقاءات ممتعة مع نقاد كبار أمثال د. علي أبو شادي، ود. مدكور ثابت، والمخرج الكبير محمد كامل القليوبي وسميحة الغنيمي. وقدمت من خلال البرنامج أيضًا مجموعة من الأفلام الروائية القصيرة لمخرجين كانوا في ذلك الوقت يبدأون الطريق وصاروا الآن نجومًا في مجال الإخراج السينمائي مثل كاملة أبو ذكري، وساندرا نشأت وسعد هنداوي وهاني خليفة.

_ ليتك تحدثنا إذاً عن فكرة “جاليري القناة السابعة” أو قناة الصعيد او الجنوب المبدع؟

ـ “جاليري القناة السابعة” طفت به في كافة قاعات الفن التشكيلي والمتاحف، وحضرت كافة المناسبات الفنية المهمة مثل سامبوزيوم أسوان للنحت في دورته الأولى وكثير من البينالي والترينالي، فضلا عن حوارات مهمة مع كبار الفنانين التشكيليين مثل د. أحمد نوار، د. سيد القماش، د. ادم حنين، وغيرهم ممن استمتعت بمشاهدة أعمالهم ومناقشة أفكارهم. هنا تحضرني ذكرى لطيفة بمقابلة الفنانة الراحلة أمينة رزق، في أحد المعارض الفنية بالزمالك، التي كانت رغم أنها في الثمانينات من عمرها حريصة على حضور الفعاليات الفنية وتأمل الأعمال المختلفة، وسعدت بمحاورتها في ذلك الوقت.

– أكملت مسيرتك الإعلامية وتوسعت فيها، لكن توقفت عن تقديم البرامج الثقافية، رغم نجاحها الملحوظ وخاصة برنامجي “كاميرا وقلم” و”سينما الحقيقة”، ما الذي أدى لذلك؟

وسائط وسائل الإتصال الآن اختلفت، لم تعد شاشة التلفزيون كما كانت المصدر الأول وربما الوحيد للمعرفة صار هناك الكثير من الوسائط الأكثر فعالية في تقديم المنتج الثقافي بأشكال جديدة ومبتكرة، ليس معنى هذا أننا لم نعد بحاجة للبرامج الثقافية على العكس نحن بحاجة للمزيد، ولكن وفقًا لرؤى أخرى وتصورات جديدة وحديثة، هذا إذا كنا نقصد بالثقافة المعنى الفني المباشر والحديث عن أشكال الفنون المختلفة. ولكني لم أتوقف عن العمل الثقافي بمعناه العام أو الواسع فأي حديث ينقل معلومات وآراء في موضوع ما، هو في النهاية حديث ثقافي، وأنا في الآونة الأخيرة في الحقيقة مهتم بالتاريخ الاجتماعي والسياسي لمصر في القرن الماضي، وبالتالي فأنا أدور في فلك هذه الأفكار الآن سواء في القراءة أو محاولة تقديم أفكار لبرامج جديدة.

ـ كان لك تجربة مختلفة مع السفر إلى أوروبا وتأسيس شركة للإنتاج الاعلامي وكان من شأنها إنتاج فيلم فني؟

كما ذكرت لك ما حدث في العقد الماضي كان تغييرًا شديدًا في كل الأنساق من حولك، وهذا ما دفعني للتفكير خارج الصندوق، بحسب التعبير الشهير، وانتهزت فرصة أتيحت أمامي للسفر برفقة المصور الزميل اسماعيل أبو بكر إلى دولة الدنمارك، واللطيف في الأمر أن أصدقاءنا وشركاءنا هناك من الفنانيين التشكيليين والمسرحيين أتاحوا أمامي فرصة مختلفة وجديدة تمامًا للإطلاع على أنماط ثقافية وفنية جديدة وممتعة للغاية ومن خلال هذه الرحلة التي امتدت لسنوات من عام 2012 إلى 2018، تم كتابة وإنتاج وإخراج عدد من الأعمال أبرزها فيلم تسجيلي بعنوان “من البحر إلى النهر.. رحلة الإنسان في المكان والزمان”، والذي عُرِض في الدنمارك ولقى استحسان كبير وكتبت عنها الصحافة هناك، لكن لم يُعرض في مصر لأسباب إنتاجية.

أًصدرت مجموعة قصصية وحيدة عام 2000، بعنوان “حامل الراية”، ولم يصدر لك بعدها أعمال ابداعية، فهل انقطعت صلتك بالكتابة أم مازلت تكتب؟ وهل تتابع الأعمال الإبداعية الجديدة وما مدى تفاعلك معها؟

سؤال مهم ولكن لا أملك إجابة قاطعة عليه، بمعنى أنني لا أملك الآن نصا إبداعيا جاهزا، ولكن لدي مجموعة من مشاريع الكتابة في أكثر من مجال ولم يكتمل أحدها بعد، ولم يأخذ شكله النهائي وبالتالي لا أستطيع تصنيفه، هل هو مجموعة قصصية أم رواية أم عمل في مجال السياسي الاجتماعي،  وما سبق من حوار معك يحمل الكثير من الأحداث الدرامية التي تحتاج لقليل من التأمل لتخرج إلى النور، في أي شكل فني لا أعرف، وأتمنى أن أعرف قريبًا.

أما عن القراءة فهي في حياتي فعل متصل ولا تتوقف عند الأعمال الابداعية فقط ولكن الحاضر في ذهني الآن عن آخر ما قرأت رواية طبيب أرياف لمحمد المنسي قنديل، هذه الرواية تماست معي بشكل شخصي ربما أكثر منه فني بسبب أن أحداث الرواية تدور في محافظة المنيا في سبعينات القرن الماضي، وهو ما يتقاطع مع العوالم التي عشتها أو كنت قريبًا منها، أيضًا مجموعة رق الحبيب لمحمد المخزنجي، وكتاب مقهى ريش للعزيزة ميسون صقر من أجمل ما قرأت في الفترة الأخيرة. ولكن بما أنني أشرت إلى اهتمامي بالتأريخ السياسي والاجتماعي لمصر في القرن الماضي فإني اطالع الآن باستمتاع شديد مذكرات توماس راسل حكمدار القاهرة 1902 – 1946 ترجمة مصطفى عبيد.

_على طول العمل الثقافي ما هي التجارب الإبداعية التي استوقفتك؟ وما هو رأيك في مسألة الجوائز وما يصاحبها من صخب دائم قبل وبعد الاعلان؟

الحقيقة أنني منحاز للصعيد ثقافيًا وفنيًا، وبالتالي أرى أن هناك تجربتين قدماا الصعيد ثقافة ونسقًا بشكل لافت ومختلف هما تجربة عمنا محمد مستجاب رحمة الله عليه، وتجربة الروائي خالد إسماعيل الذي قدم ويقدم عبر أعماله رؤية مختلفة وحافلة بالتفاصيل ورصد للواقع الصعيدي. أيضًا تجربة إدريس علي رحمه الله تستحق التقدير والالتفات. فضلًا عن الكثيرين طبعا الذين لا يتسع المجال للحديث عنهم، أما مسألة الجوائز فهي مهمة للكاتب لكنها ليست من تمنحه الشرعية فمن يمنح للكاتب الشرعية هم قراؤه أما الجوائز فهي تخضع لذائقة لجنة التحكيم التي تختلف من جائزة لجائزة ومن عام لعام وبالتالي هي مهمة لكن الأهم والأبقى العمل الفني نفسه وتواصل القراء معه.

وكيف ترى مستقبل الواقع الثقافي في مصر؟

الواقع العربي في اللحظة الحالية واقع مأزوم ومحاط بكثير من المخاطر والتحديات، لذا يجب أن يكون العمل الثقافي الحكومي والمدني مدرك لطبيعة هذه التحديات والمخاطر وأن يضع استراتيجيات قادرة على مواجهتها وأن يكون هناك اعتماد على وجوه ثقافية جادة ومخلصة للعمل عليها وتنفيذها

 

مقالات من نفس القسم