قصص قصيرة جدًا

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

محمد مصطفي الخياط

  أ‌-        الهروب

ما زلت أتعجب -كل يوم- من قدرة هذا الخيط الرفيع من الشمس على التسلل عبر نافذة الزنزانة صباحاً والهروب غروبًا، قبل أن يقبض عليه السجان.

    ب‌-      كمين

كَمُنَ السجانُ ذات يوم خلف الباب، وما أن رآه ممددًا في استرخاء على الأرضية حتى وثب بخفة وداس بقدمه الثقيلة خيط الشمس، نَقَلتُ عيني مشدوهًا، مرة نحو الشعاع المخنوق أسفل الحذاء، ومرة نحو وجه الشرطي المنتشي زهوًا بنصره، بصبر ومُثابرة غير الشعاع وضعيته وتسلق ساقه وصعد لأعلي، ثم نظر في عينيه بهدوء قاتلٍ محترف، وقبل أن يُفيق الشرطي من ذعره صفعه ومضي متسللاً كعادته من بين سياج النافذة، تاركًا آثار انتصاره على خده.

  ت‌-      ما بين

تمكنت ذات يوم من الإمساك بشعاع الشمس، فجرجرني على الأرضية، وعندما وجدني متشبثًا به سحبني خلفه من نحو النافذة، وكنت كلما صعدت خطوة على الجدار تسارعت أنفاسي مخافة السقوط حتى إذا صرتُ لِصقَ النافذة منعني رأسي المفلطح من المرور عبر السياج الضيق، ومن يومها وأنا أعيش في زنزانة الما بين، منتظرًا تباعد السياج أو صِغًر عقلي.

    ث‌-      السياج

صرت وسياج النافذة وجهًا لوجه، بالكاد مرت ذراعي عبرها للفضاء، لوَحت كَفي لرأسي كي تتبعه، فمنعها السياج، وأمام يأسها المرور، راحت كفي تأخذ قطعة من ثنايا وجهي وتنثرها في الفضاء حتى تلاشيت

 ج‌-      الكلاب

وَضَعَتْ السيدةُ الأنيقةُ حفنة من هياكل وسيقان دجاج طازج على جانب الرصيف. تحلقت حولها الكلاب، تهز ذيولها وتقضم في رضا. حملت حقيبتها البلاستيكية ومضت إلى سيارتها تتبعها بعض الجِراء الساذجة، تطلع المتسول نحو الكلاب في حسد، وتمتم (لم يحن دوري بعد).  

  ح‌-      دهشة

نظرت نحوه في عتاب وسألت بدلال، متى نلتقي؟، فأجاب مندهشًا، ومن قال أننا نفترق !!

 خ‌-      ربطة عنق

  • فَضلتُ أن أُهديك ربطة عنق .. أرجو أن تنال إعجابك !!

نظر نحوها مبتسمًا وقال وهو يتأملها،

  • إنها الأثيرة إلىّْ!
  • ….
  • عندما ارتديها أشعرُ أنك تطوقين عنقي، وتنامين على صدري.
  • …..

  د‌-       الكلاب

  • لم أعرف أنك تحبين اقتناء الكلاب ؟

ربتت بكفها اللدن على فرو الكلب المستكين إلى جوارها، وسددت له نظرة ذات معنى وقالت؛

  • أردت أن أشعر أن في هذا البيت شخص واحد وفىّْ يستحق الإقامة معه

تصنع الغباء ومضى .. كان عائدًا لتوه من عند زوجته الثانية التي تعمدت ترك آثار عطرها الخاص عليه.

  ذ‌-       قمر الدين

مدت يدها بكوب تمر هندي، وقالت

  • كل سنة وأنت طيب؟
  • فأجابها وهو يتناول الكوب من يدها متعمدًا احتضان كفها،
  • وأنتِ طيبة، تعرفي إيه أحلى مشروب عندي؟

نظرت نحوه مستفهمة، فبادلها بأخري وقال،

  • قمر الدين …

فمضت يغمرها السرور

  • ….

     ر‌-       ساعة إجابة

رفع ذراعيه وجذب سترته فوق رأسه ليحميها من المطر المنهمر، هرول مختبئًا تحت مظلة محطة الباص، لم يكد يتذكر وصية شيخه (إنها ساعة إجابة)، ويشرع في الدعاء حتى زكمت أنفه رائحة عطر أنثوي رقيق، باغته وجه بهي طاغي الحضور يختبأ من المطر، أغمض عينيه وألقى كل أمنياته المزمنة في فراغ النسيان، ونظر للسماء عبر جانب وجهها المضيء وقال في نفسه (تكفيني أمنية واحدة هذه الليلة .. أرجو أن تكون ساعة إجابة)، وانخرط في الدعاء.

   ز‌-       عينــاها

تناهى إلى سمعى أذان الإقامة، فهرولت إلى المسجد وأنا اتمتم، لا خير فى عمل يُلهى عن صلاة. خلعت فردة حذائى اليمنى، وهممت باليسرى، فرأيتها تقف عند الباب، تتسربل برداء شديد السواد، لا يُظهر منه سوى عينان تضجان إثارة وفجور. بادرتنى قائله،

  • “أرعى صغاراً، تركهم أبوهم وسافر إلى الخليج، ثم انقطعت أخباره”،

أجبتها وأنا أَهم بدخول المسجد،

  • “الله معك”..
  • “ألا تحب أن تكون مع الله”.

أسرنى نور عينيها، فنقلت بصرى بينه وبين وهج النور المنبعث من المسجد، ثم ألقيت بنفسى فى نور الله.

مقالات من نفس القسم

تشكيل
تراب الحكايات
موقع الكتابة

ثقوب