حاورها: رضوان بن شيكار
تقف هذه السلسلة من الحوارات كل أسبوع مع مبدع أو فنان أو فاعل في إحدى المجالات الحيوية في أسئلة سريعة ومقتضبة حول انشغالاته وجديد إنتاجه وبعض الجوانب المتعلقة بشخصيته وعوالمه الخاصة.
ضيفة حلقة الأسبوع الأديبة الفلسطينية جميلة شحادة
1. كيف تعرّفين نفسكِ للقرّاء؟
عادة؛ أعرّف نفسي للآخرين بأنني إنسانة، وأقول لهم أنني أكتفي بهذا. فيبتسم البعض وكأنه يقول لنفسه: إنْ لم تكن إنسانة فماذا تكون؟ برأيي، أن يكون الفرد إنسانًا هي قيمة عظيمة، بل أعظم من كل الألقاب. فما خبرْتهُ من الحياة، زاد يقيني بأنه للأسف ليس كل بشريّ/ة هو إنسان. فإن كان مَن منّا إنسانًا بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ، فليفاخر بنفسه. أما إذا قصدتَ التعريف التقليدي؛ فأقول: أنا كاتبة فلسطينية من مدينة الناصرة. حاصلة على شهادة البكالوريوس في العلوم، وشهادة الماجستير بموضوع التربية، وعلى شهادة الليسانس في القانون، وأشغل عدة وظائف في التربية وفي التعليم.
2. ماذا تقرأين الآن؟ وما هو أجمل كتاب قرأتِهِ؟
أقرأ حاليًا: ” ليس للحرب وجه أنثوي” لكاتبة وصحفية من بلاروسيا تدعى، سفيتلانا أليكسيفيتش. وهو كتاب صعب ومؤلم للغاية.
أما بالنسبة لأجمل كتاب؛ فلا يمكنني أن أختار الأجمل من بين مئات الكتب التي قرأتها. كثيرة هي الكتب التي قرأتها وأعجبتُ بها. سأذكر فقط بعضًا من الكتب التي قرأتها في السنة الأخيرة وأعجبت بها: “الساعة الخامسة والعشرون” للروائي، فيرجيل جيورجو. وكتاب، “لا تقولي إنك خائفة” للصحفي، جوزيه كاتوتسيلا. وكتاب، “الخبز الحافي” للمغربي محمد شكري، وأيضا كتاب، “الحرب في بر مصر” ليوسف القعيد. وكتاب، ” عدّاء الطائرة الورقية” للأفغاني خالد الحسيني، وكتب أخرى.
3. متى بدأتِ الكتابة؟ ولماذا تكتبين؟
بدأتُ الكتابة منذ كنتُ في المرحلة الابتدائية؛ حيث لفتتْ كتاباتي انتباه المدرسّين الذين علّموني فأثنوا عليها وشجعوني لأشترك في المسابقات التي كانت تخصص للكتابة الإبداعية من قبل مجلة للصغار (لا أذكر اسمها الآن). وعندما أصبحتُ في أولى إعدادي نشرت نصًا في صحيفة كل العرب، وباسم مستعار. بعدها، تابعتُ الكتابة بين الحين والآخر، لكن دون أن أنشر، لأني قد تفرّغت تمامًا لدراستي الأكاديمية والنشاطات والأعمال التطوعية، وبعدها تفرغت كليًا لعملي. وفقط في عام 2016 عندما خرجت لسنة تفرغ من عملي بهدف الاستكمال الدراسي؛ عدتُ لأكتب، فأصدرتُ أول عمل لي بعنوان: “الكوكب الأزرق”، وأيضًا أصدرتُ “عبق الحنين”.
أنا أكتب حتى أحفظ ذاكرتي، ولكي لا تحترق تفاصيل حياتي. أنا أكتب لأقول رأيي فأزيل حملًا أثقل تفكيري. أنا أكتب لأعيش.
4. ما هي المدينة التي تسكنكِ، ويجتاحكِ الحنين الى التسكع في أزقتها وبين دروبها؟
تسكنني مدينتي، الناصرة. ويجتاحني الحنين الى بلدة صفورية، مسقط رأس أبي. أما المدينة التي أحب التجوّل في شوارعها وأزقتها، فهي أكثر من واحدة، منها؛ حيفا، والقدس، والإسكندرية، وهايدلبرغ في ألمانيا، غرناطة، وباريس. وأحلم أن أفعل ذلك في بيروت، والشام وبغداد، ومدن وعواصم عربية أخرى كثيرة.
5. هل أنتِ راضية عن إنتاجكِ؟ وما هي أعمالكِ المقبلة؟
لا أبدًا، لست راضية عن إنتاجي، لأنني أطمح دائمًا للأفضل، وهذا أمر يميّز طبيعتي، ولأنني لم أكتب وأعطي كل ما بجعبتي بعد. وألوم نفسي لأني لا أعطي الكتابة وقتًا كافيًا، وهذا بسبب متطلبات عملي والتزاماتي الحياتية، وعندما أجد الوقت، أستغله للقراءة. فأنا الصحيح أقرأ أكثر ممّا اكتب. لديّ ثلاثة أعمال جاهزة للنشر، ومن المفروض أن أنشرها، ولكنّي لم أفعل بعد. لديّ مجموعة شعرية بعنوان: “رقصة واحدة مع البحر، ومجموعة قصصية بعنوان: سأنزل في هذه المحطة، وكتاب بحثي بعنوان: قضايا تربوية. كلها جاهزة للطباعة، لكنها لم تخرج للنور بعد.
مستقبلًا قد أكتب الرواية، مع أني قبل سنتين كانت لي محاولة في كتابة الرواية، لكني مزقت المسودة التي كتبتها، وهنا لا أريد أن اذكر عنوان الرواية. فكتابة الرواية برأيي، تختلف عن الشعر. الشعر أنا لا أتعمد كتابته، بل هو الذي يكتبني، قد يأتيني وأنا أسير في حديقتي، أو وأنا أشاهد لوحة تشكيلية أو صورة، أو…. أما الرواية، فحتى لو امتلكتُ الثقافة الواسعة، واللغة، ومَلكة السرد، والحبكة الروائية، تظل كتابة الرواية، عند المؤلف الحق، بحاجة الى استعداد نفسي، وتركيز وصفاء ذهني، وصبر، ووقت كافٍ، وربما إجراء البحث اللازم، وهذا لا يتوفر عندي حاليًا إذا أردت كتابة رواية ذات قيمة؛ وليس رواية “صف كلمات”.
6. متى ستحرقين أعمالكِ الإبداعية وتعتزلين الكتابة؟
لن أحرق أعمالي الإبداعية أبدًا. ومسألة حرق الكتب التي حدثت عبر تاريخ البشر هي بالنسبة كارثة. ولا أي سبب يجب أن لا تحرق الكتب؛ وفي الحرب برأيي يجب أن تكون المكتبات آمنة كما دور العبادة، ولو أن الأخيرة لا تسلم هي الأخرى في الحرب. وبالنسبة لسؤالك عن اعتزال الكتابة؛ أنا لن أعتزل الكتابة ما دمت أستطيع ذلك، وما دام لديً ما أكتبه. والصحيح، إن حياتنا وفيرة بالأمور التي يمكن أن نكتب عنها.
7. ما هو العمل الذي تمنيتِ أن تكوني أنتِ كاتبته؟
رواية، ” العمى” للكاتب البرتغالي، جوزيه ساراماجو. بالمناسبة، كل مَن قرأ هذه الرواية، يتذكرها اليوم في عصر الكورونا.
8. هل لكِ طقوس خاصة للكتابة؟
لا أعرف إذا كانت طقوس خاصة. قلت في إجابة عن سؤال سابق، أنه بالنسبة للشعر لا سيطرة لي عليه، فهو الذي يقرر متى يزورني، وعندما يأتيني شيطانه، أدوّنه فورًا. أما بالنسبة لكتابة المقالِ أو القصة القصيرة وغيرها، فأنا أقوم، عادة، بفِعل الكتابة، في صباح يوم عطلتي، وعلى مكتبي، وأهتم بأن يسود الهدوء من حولي، بل وأنا شخصيا أكون في كامل أناقتي.
9. هل للمبدع وللمثقف برأيكِ، دور فعلي ومؤثر في المنظومة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ أم هو مجرد مغرّد خارج السرب؟
برأيي، من المفروض أن يكون للمبدع وللمثقف دور وتأثير على بيئته وبما يدور بها. صحيح أنه ليس المفترض أن تتوفر لديه الحلول لكثير من القضايا، كقضية العنف المتفشي في المجتمع، وقضايا الفساد، وقضايا قتل وظلم المرأة، والفقر، واضطهاد الشعوب، وغيرها كثير؛ لكن عليه أن يطرح الأسئلة حول هذه القضايا، بل وأن تؤدي كتاباته بقارئها لأن يسأل نفسه. أنا كتربوية أومن بأن طرح الأسئلة هو من أهم المهارات التي يجب أن نكسبها للمتعلم، لأنه عندما نطرح الأسئلة، نبدأ بالبحث عن الأجوبة. على الكتابة أن تحمل رسالة ما وإلا ما فائدتها؟! أنا لست مع الأدب العبثي، ولا أعتبر فِعل الكتابة متعة تُمارس. أما بالنسبة للشق الثاني من سؤالك؛ فبرأيي، لا ضيْر إن كان المبدع “يغرد خارج السرب”، بمعنى أنه لا يتّبع سياسة “القطيع”. أنا أعتبر الكاتب وكيل تغيير، وإلا كيف سيحدث التغيير، إن لم يكن بالحرف؟ السيف والرمح والعصا والبندقية والمدفع، لا يحدِثون التغيير، بل يحدثون التدمير. أعرف أنه قد لا يتفق البعض معي برأيي هذا، لكني أتفق مع وزير الثقافة الفلسطيني السابق، الدكتور إيهاب بسيسو برأيه؛ بأن الثقافة أيضًا مقاومة.
10. ماذا يعني لكِ العيش في عزلة إجبارية، وربما حرية أقل؟ وهل العزلة قيد أم حرية بالنسبة للكاتب؟
كثيرًا ما أعتزل الناس، وأنا أحب أن أخلو بنفسي، لكن لا يمكنني أن أتحمّل أن يفرضها عليّ الآخرين، قد أصاب بمس من الجنون، وربما أموت إن طالت المدة. أنا من برج الدلو، ويقال إن أهم ميزات مواليد هذا البرج هي المحافظة على حريتهم الشخصية، ومع أنني لا أومن بما تقوله الأبراج ولا المنجمون، لكن صادف وأن توافقت طبيعة شخصيتي مع هذه الميزة. في الموجة الأولى لاجتياح فيروس الكورونا للعالم وفرْض الحجْر على المواطنين، لم يكن الحجْر كاملًا بالنسبة لي، ولو أني استطعت أن أستغل فترة الحجر بالفائدة. أما في الموجات التالية للكورونا والتي فيها لا يُفرض الحجر على الجميع وإنما فقط على مَن خالط مصابين بالكورونا، أو العائدين من السفر؛ فكنت قلقة دومًا وأخشى أن اضطر لأدخل الحجر.
بالنسبة لعزلة الكاتب بين الحين والآخر، إذا اختارها هو، فأعتقد أنها ستكون مجدية له، حيث ستوفّر له الوقت لكي يقرأ أكثر، ويكتب أكثر.
11. شخصية من الماضي ترغبين لقاءها، ولماذا؟
أرغب بلقاء المخترع السويدي، ألفرد نوبل.، لأقول له ليتك لم تخترع الديناميت، وليتك لم تخصص جائزة للسلام. فأي سلام هذا، والشعوب تتجرع ويلات الحروب؟! ثم لماذا خصصت جائزة للطب والفيزياء والكيمياء والآداب ولم تخصص جائزة للفن التشكيلي؟
12. ماذا كنتِ ستغيّرين في حياتكِ لو أتيحت لكِ فرصة البدء من جديد، ولماذا؟
أنا راضية عن مسيرتي في الحياة. ولو إني أخطأت في بعض المحطات، لكني غير نادمة. ولو أتيحت لي فرصة البدء من جديد لما غيّرت كثيرا فيها، وإنما فقط كنت درست اللغة العربية، بدل العلوم.
13. ماذا يبقى حين نفقد الأشياء، الذكريات أم الفراغ؟
لا يوجد فراغ على كوكبنا الذي نعيش فيه، هذا قانون فيزيائي، وأنا كما ذكرت سابقًا، تخصصي الأول هو موضوع العلوم. فعندما نفقد الأشياء، حتمًا تشغل الذكريات مكانها، بل وننسج الحكايات عنها.
14. صياغة الآداب لا يأتي من فراغ، بل لا بدّ من وجود محركات مكانية وزمانية. حديثينا عن مجموعتك القصصية، ” لا تحالف مع الشيطان”. كيف كُتبت وفي أي ظرف؟
نعم صحيح، صياغة الآداب لا تأتِ من فراغ، ويقال إن الكاتب هو ابن بيئته. فمهما كان خيال الكاتب واسعًا، لا بدّ له من أن يستند، ولو بنسبة بسيطة، الى الواقع.
مجموعتي القصصية ” لا تحالف مع الشيطان” والتي أصدرتها عام 2017، تحتوي على 19 قصة، معظم هذه القصص تتمحور حول المرأة، فأنا في هذه المجموعة كتبت للمرأة وعن المرأة وقد سلّطت الضوء على معاناتها، وبالذات على قضية المرأة المعنّفة والمظلومة. فقصة ” لا تحالف مع الشيطان”، تحكي عن معاناة شريحة كبيرة من النساء المعنّفات من قبل أزواجهن، من خلال قصة “هويدا التي عندما اشتدت عليها الحال، وكان الزوج يعذّبها ويعتدي عليها بالضرب المبرِّح؛ قررت ترك بيت الزوجية فحملت حاجياتها وهمّت بأن تصطحب أطفالها معها، لكن جبروت زوجها، ابن الأكابر، ونفوذ عائلته منعوها من ذلك. فعادت مكسورة الجناح والتجأت الى غرفة صغارها تحتضنهم علّها تشعرهم وتشعر معهم بالأمان. لقد قررت هويدا احتمال الضرب والإهانات من أجل أطفالها، لكن النتيجة كانت قتلها على يد زوجها. أيضا القصص في هذه المجموعة تكشف عن الانحدار الأخلاقي، وعن النفاق الاجتماعي، وعن مظاهر السخف واللهاث وراء المظهر دون الجوهر. في جميع القصص، أظهرتُ شيطنة البشر، رغم اتهام الآخرين للشيطان وتحميله مسؤولية الخراب في كل قصة. حاولت أن أقول من خلال القصص أنه علينا تحمل المسؤولية عن أفعالنا وأفكارنا، وأن علينا أن نكّف عن إلقاء التهم على الآخرين.
15. الى ماذا تحتاج المرأة في أوطاننا لتصل الى مرحلة المساواة مع الرجل في مجتمعاتنا الذكورية بامتياز؟ الى دهاء وحكمة بلقيس أم الى جرأة وشجاعة نوال السعداوي؟
تحتاج المرأة في أوطننا الى أن تؤمن بقدراتها الذاتية، وأن تقدّر ذاتها أولا، فهذا يمدّها بالجرأة والشجاعة. ثم عليها ألا تكلّ من مطالبتها الحثيثة لنيل حقوقها. فالحق يؤخذ ولا يُطلب. صحيح أن النساء في مجتمعاتنا، ما زِلن يعانين من التمييز النوعي بين المرأة والرجل، ولأسباب تتعلق بالموروث الثقافي والديني، الا أنهنّ أحرزن تغييرًا في مكانتهن، لكن هذا التغيير ليس كافيًا.
16. ما جدوى الكتابات الإبداعية وما علاقتها بالواقع الذي نعيشه؟ وهل يحتاج الإنسان الكتابات الإبداعية ليسكن الأرض؟
الإنسان برأيي، لم يكن ليحيا ويسعد على الأرض، لو لم يتوفر عليها الجمال، والكتابات الإبداعية هي إحدى الأمور التي تمنحنا الجمال. ومع هذا، أنا شخصيًا لا أعتقد أن الكتابة ترفًا. جميل أن تكون الكتابة إبداعية ساحرة، وتُسعد بجمالها وسحرها الآخرين؛ لكن الأهم برأيي، أن تحمل الكتابة في طياتها رسالة. لو أن هناك مَن يعتقد ويؤمن أن الكتابة هي لمجرد الكتابة والإبداع فقط، ولإسعاد النفس والآخرين.
17. كيف تريْن تجربة النشر في مواقع التواصل الاجتماعية؟
النشر في مواقع التواصل الاجتماعية، له إيجابياته وله سلبياته، وسلبياته أكثر. من ناحية هو يكشفنا على كتابات مبدعين، ويعرفنا على أسماء مبدعين ما كنّا عرفناهم ولا تمكنّا من التواصل معهم، وتبادل الآراء معهم، لو لم تتوفر منصات التواصل الاجتماعية هذه. لكن بذات الوقت، وجود هذه المنصات سمح للكتابات الغثة بأن تنتشر، ولا سيما في ظل نفاق المعارف والأصدقاء وغيرهم، وعدد الليكات… سهولة النشر والانتشار، قلّلت من قيمة المنشور وأحدثت بلبلة.
18. ما هي أجمل ذكرى، وأسوأ ذكرى في حياتكِ؟
بطبيعتي أتحفظ من الأجمل، والأسوأ، والأتعس، والأذكى …الخ. برأيي كل الأمور في حياتنا نسبية؛ وما بين اللونين الأسود والأبيض هناك تشكيلة ألوان جميلة لا أحب أن يبتلعها الأسود، ولا أن تبوخ من شدة بياض الأبيض. هناك كثير من الذكريات الجميلة في حياتي، وللأسف هناك أيضأ كثير من الذكريات الحزينة أو السيئة. تلقِّي خبر وفاة والدي المفاجئة ليلة ميلاد السيد المسيح، وإخواننا المسيحيون يحتفلون بها، وأجراس الكنائس تقرع، من أسوأ الذكريات على الصعيد الخاص.
19. كلمة أخيرة أو موضوع معين ترغبين التحدث عنه.
بداية أشكرك أستاذ رضوان. ثم أرجو أن تنتهي الحروب وويلاتها، وينتهي الظلم والقهر والجوع في العالم، وأن تسود العدالة الاجتماعية. أرجو أن لا يُهدم بيت، ولا يُشرد ساكنوه، ولا يهجر المواطن وطنه، ولا أن يهّجر المواطن من وطنه. أرجو ذلك لكي تتحول أقلامنا الى الكتابة عن الجمال أينما وُجد.