عبد العزيز دياب
اسْتِبْدَال الوجوه أخرجنى من مآزق كثيرة، لكنه فى نفس الوقت كان مأزقًا كبيرًا، كنت استبدل وجه أبى عندما يغضب بوجه أحد ممثلى الكوميديا، أكتم ضحكتي وهو فى عنفوان ثورته إلى أن تمر الأمور بسلام، أستبدل أيضا وجه أمى عندما تلقنني درسًا فى الأدب والأخلاق الحميدة بوجه زعيمة “الحزب الاشتراكى الثورى الوحدوى التقدمى العربى” وهى تلقي خطبة عصماء متخمة بالعبارات الملتهبة، استبدلت وجه أختي وهى تقدم لى القهوة بوجه عامل البوفية فى “شركة جمجم للأدوية”، أما أخى الأصغر استبدلت وجهه بوجه ابنة البواب وهى تلعق قرطاس الأيس كريم بشراهة كلب ضال.
حذرني “أسعد” صديقي وزميلي بالعمل من التمادي فى تلك اللعبة، كان برفقتي وأنا أستقبل أحد المارة بشارع “شريف”، كان شابًا ثلاثينيًا مَنَحْتَه فى لحظة خاطفة وجه أحد أصدقائى القدامى لم ألتق به منذ أكثر من عشر سنوات، فاجأت الشاب الثلاثينى بمعانقته بحرارة، مناديا إياه باسم غريب هو طبعا اسم صديقى القديم.
“أنت بتروح للمشاكل برجليك”
ولأن قدماى تذهبان بى إلى أماكن لا أود الذهاب إليها تجاهلت كلام أسعد، فى البيت أطلقوا على المتشرد، أذهب إلى أماكن لا تخطر على بال، أختبر لعبتى الأثيرة التى اسميتها فيما بعد “لعبة كيكى” باستبدال الوجوه فى الأماكن المزدحمة: المقاهى، محطات الباص والمترو، أمام المجمعات الاستهلاكية ومكاتب البريد، قاعات الأفراح والليالى الملاح، أستبدل وجه النادل فى المقهى بوجه أبى، أقف أمامه خاشعا بنظرات منكسرة وأنا أطلب منه زجاجة بيرة مُشَبّرَة، الكارثة الحقيقية والمأزق الكبير هو ما حدث فى اجتماعنا مع المدير العام بقاعة “إخناتون” بالشركة، كان لابد أن أستبدل وجهه لأنه بدأ يحرجنى بأسئلة لا أعرف أجابتها إلا من خلال تلقين الزملاء المجاورين لى، انطبع عليه وجه الراقصة “كيكى”، استبدلت وجهه بوجهها.
“كيكي” أحيت عرس ابن خالتى منذ شهر، كانت طرية وتتمتع بدرجة مناسبة من الجمال رغم رائحة العطن التى تنبعث منها، تقبلت منى كل الحركات النص كم، كان صدرها متماسكًا وأنا أضع المائة جنية التى سوف استردها حسب الاتفاق مع “النوبتشي” بين اللحم وبدلة الرقص الليموني.
تذكرت هيئتها عندما أشْعَلَتْ صاروخ أرض جو منحتها إياه، وجدت وجهها لائقًا على المدير العام، تركت مكاني وصديقي أسعد الذى كان يدرك ما يمكن أن أفعله فى مواقف كهذا، راح يشد ملابسي مانعًا إياى من الصعود إلى منصة المدير العام، أفلت منه، رحت أرقص وأتحنجل حول الرجل، قهقهاتهم الحضور بالقاعة زحزحت الجدران، وهدمتها وأقامتها مرة أخرى دون سقف، ومرة ثانية بسقف من فقاعات صابون ماركة “لوكس”، يجعل بشرتهم بيضاء كالحليب، تعالوا إلى حيث الرقة والسحر والجمال.
كان بحوزتى رزمة بنكنوت فئة الخمسة جنيهات، رحت أرشها فوق رأس الرجل وأنا أرسل التماسى لكل من تربطنى بهم علاقة طيبة، أتخيله قد ترك مكانه وراح يتمايل فى بدلة رقص ليمونى، يضع كرتين مطاطتين على هيئة ثديين متماسكين، وبعد أن انتهت رقصته التى كانت هزلية تخيلتنى وقد حشرت يدى واستخرجت الكرتين ألعب بهما ألعابا أكرباتية:
“يلا يا كيكي….”
“يلا يا كيكي….”
هتافي كان تشجيعا له وهو يتشقلب أمام الجمهور.
كان ذلك هو آخر يوم لى فى هذه الشركة، وآخر يوم لى فى البيت، استبدلت وجه أبى وهو يطردنى قاسيًا لا يعرف الرحمة بوجه محمود المليجى أو انتوان تشيجور
لملم تشردي الراقصة “كيكى”، لللأسف الشديد كنت أبغضها، لكننى قضيت أيامى وراءها ضمن فرقتها أضرب على الدف.