حاورتها: أسماء سعد
يشكل يوم الثالث من نوفمبر الجارى، يوما مميزا للأوساط الأدبية والروائية العربية، حيث أعلن حصول الروائية والناقدة مى التلمسانى، على وسام الفنون والآداب الفرنسى «برتبة فارس»، الذى تمنحه وزارة الثقافة الفرنسية تقديرا للمبدعين فى المجال الفنى والأدبى، والذى يُعد بمثابة تكريم للثقافة المصرية والعربية.
وتمتلك مى التلمسانى تجربة إبداعية فريدة حيث تمكنت من أن تضع بصمة فريدة ومميزة لها فى عالم الإبداع الأدبى مستندة على رصيد نوعى من الأعمال المهمة التى دوما ما تلاقى احتفاء نقديا وتقديرا جماهيريا على مدى السنوات الماضية، مثلما وجدنا ذلك مع أحدث أعمالها «الكل يقول أحبك» الصادرة عام 2021، عن دار الشروق.
ومى التلمسانى رغم أنها تقيم فى كندا منذ عام 1998؛ حيث تقوم بتدريس تاريخ السينما العالمية فى جامعة أوتاوا، إلا أنها تأتى لزيارة مصر كثيرا، نالت جائزة الدولة التشجيعية عن روايتها «دنيا زاد» فى عام 2002 والتى تصدر فى طبعة جديدة قريبا عن دار الشروق، وقد صدر لها ثلاث مجموعات قصصية: «نحت متكرر» و«خيانات ذهنية» و«عين سحرية»، بالإضافة إلى رواية هليوبوليس إلى جانب عدة ترجمات ودراسات وقد تُرجمت أعمالها الأدبية والنقدية إلى عدة لغات.
حاورت الكاتبة المبدعة مى التلمسانى التى عبرت عن سعادتها بالتكريم الذى اعتبرته انتصارا لقيمة الكتابة الروائية العربية، لتلقى الضوء أيضا على عدد من محطاتها الإبداعية فى الكتابة والنقد. وإلى نص الحوار:
♦ ما الذى يمثله لكِ التتويج بـ وسام الفنون والآداب الفرنسى «برتبة فارس»، وهو أحد أعلى الأوسمة فى فرنسا؟
ــ على المستوى الشخصى، الوسام هو تكليل لعملى لسنوات طويلة فى المجال الثقافى، سواء كروائية وكأكاديمية، وعلى المستوى المصرى والعربى هو تذكير بأهمية ومكانة الفنون والآداب ودور القائمين عليها ليس فقط كمؤسسات تابعة للدول ولكن كأفراد خارج المنظومة الرسمية يعملون بجد ويستحقون كل التقدير.
أما على المستوى الدولى هو وسام للثقافة العربية ولقدرتها على تجاوز حدودها القومية لآفاق العالم الرحب.
♦ هل تعتبرين التكريم جاء بمثابة انتصار لقيمة الكتابة الروائية العربية؟
ــ بالتأكيد نعم، وأحب أن أنوه أن فرنسا من الدول القليلة فى العالم التى تمنح للفنانين والأدباء من جميع أنحاء العالم وساما رفيعا بغض النظرعن كونهم فرنسيين أو متحدثين باللغة الفرنسية.
وأرى أن الاعتراف بمنجز العرب والمصريين وخاصة الكتاب منهم أمر نادر، قد أكون الكاتبة المصرية الوحيدة الحاصلة على هذا الوسام منذ نشأته عام 1957، ولكن ليست لدى معلومات أكيدة بهذا الشأن. فى نهاية الأمر، هو تكليل واعتراف بقيمة الكتابة العربية بلا شك.
♦ وهل التتويج يقرب بين مستويات الثقافة المصرية والفرنسية ويقوى تلك الروابط؟
ــ بالطبع، وإن كان عدد المتحدثين بالفرنسية فى مصر فى تضاؤل مستمر منذ الثمانينيات من القرن العشرين، إذ يقل عدد المتحدثين بهذه اللغة عن المليون. لكنى أدعى أن الثقافة الفرنسية، بعيدا عن ممارسة اللغة، مازالت مؤثرة عبر الفنون والآداب فى مصر وكذلك فإن أثر الثقافة العربية على الثقافة الفرنسية لا جدال فيه.
♦ تعبرين عن رفضك فى مناسبات عدة لمسألة وضع إطار محدد لهوية «الثقافة» وأنها عابرة للهويات.. حدثينا أكثر عن ذلك؟
ــ أعتقد بشدة فى تلاقح الثقافات وفى تجاوزها للحدود القومية المقيدة لها. الاعتراف بأن الثقافات تتحاور وتتجاور مسألة لا جدال فيها بالنسبة لى من منطلق تاريخى وعقلانى، وليس من منطلق إنسانى ورومانسى.
لا أتبنى فكرة التجاور والحوار بهدف الترويج لنوع من الكزموبوليتانية العقيمة التى عادة ما تغض البصر عن علاقات القوة والهيمنة الثقافية لصالح الغرب، وإنما لكى أجادل فى تراتبية الثقافات التى فرضتها نظرة الغرب على ثقافات العالم، ونظرة الثقافة العربية الإسلامية لغير المنتمين لها.
كما أن كل ثقافة مركزية تحاول ادعاء الأفضلية وتسعى للهيمنة هى بالنسبة لى ثقافة مسيسة ونخبوية يحق لنا أن ننتقدها ونرفضها. لا فرق فى ذلك لدى بين خطاب الهيمنة فى الثقافات الفرنسية أو العربية أو الأمريكية أو الكندية أو غيرها، لذا فإننى أسعى دائما للانتصار لفكرة تجاوز الحدود والبحث عن المشترك الإنسانى بين الثقافات.
♦ كيف كانت بداياتك مع المحطات الأولى للكتابة والإبداع؟
ــ المحطات الأولى بدأت فى البيت، وفى مدرسة الراهبات، وفى الجامعة، ثم بعد زواجى فى باريس، حيث كتبت أول نص قصصى نشر فيما بعد فى مجموعتى القصصية الأولى، نحت متكرر، عام 1995.
وتتجدد البداية مع كل نص جديد، يبدأ عادة بجملة تلح على ذهنى، أو مشهد كأنما فى فيلم صامت، أو شخصية تتحرك بشكل معين أو تتأمل ما حولها. والبداية دائما ذاتية، شعور بالإلحاح وبأن الكتابة الآن، وفى التو، هى مسألة تنفس، أو حياة.
♦ ما الصعوبات التى طرأت خلال مشوارك فى الكتابة وكيف تغلبت عليها؟
ــ صعوبة الاستمرار فى الكتابة بالرغم من مسئوليات الأسرة والعمل الأكاديمى، لدى حياة كاملة خارج الإبداع تسيطر على معظم أوقات العام ولا تترك لى فسحة كافية من الوقت للكتابة.
ومارست رغم ذلك كل أنواع التحايل لأخلق مساحة العزلة اللازمة للكتابة الإبداعية، بدعم من أسرتى بلا شك ولكن بصراع لا ينتهى مع كل ما يشتت الذهن ويبعدنى عن التركيز. لكنى فى النهاية فخورة بأن لدى أربع روايات وأربع مجموعات قصصية، فضلا عن الترجمات والكتابة الأكاديمية، هى حصاد ما يقرب من ثلاثين عاما من العمل فى مجال الإبداع والتدريس الجامعى.
♦ لاقت رواية «دنيا زاد» نجاحا كبيرا وتم ترجمتها إلى 8 لغات، كما أن باقى رواياتك تم ترجمتها للفرنسية حدثينا عن ذلك، وهل تعتبرين الترجمة نافذة للتعريف بالكاتب فى عوالم جديد؟
بلا شك، لا سبيل للتعرف على آداب العالم بدون الترجمة، وهى الأداة الرئيسية التى تسمح لنا بالتواصل عبر الحدود، والأهم من ذلك أنها تضعنا على خريطة الإبداع العالمى، من دونها لا وجود للأدب العربى خارج حدوده الإقليمية واللغوية.
♦ تنوعت أعمالك الإبداعية بين القصة القصيرة والرواية ــ هل تفضلين لونا إبداعيا منها على الآخر؟
ــ أكتب الرواية بروح القصة القصيرة، ولا أرى بينهما أفضلية، لكنى أحيانا أحب أن أطيل نفس النص وأن أفتح نوافذ وأبوابا فى البناء الواحد فتأتى الرواية أشبه ببناية مركبة مكونة من طوابق وشقق وحيوات متشابكة.
هذا ما يجتذبنى تحديدا للرواية، كونها «عشرة عمر»، وكذلك الشخصيات التى تصبح بمجرد كتابتها حية، وصديقة، أو رفيقة لى على مدى أشهر أو سنوات الكتابة.
أنا أعتبر الشخصيات هى الونس الحقيقى بالنسبة لى، سواء عاشت زمنا قصيرا عبر القصة أو عاشت زمنا أطول عبر الرواية.
♦ كيف أثر والدك عبدالقادر التلمسانى فى مسيرتك الإبداعية؟
ــ أدين لأبى بمحبة الفن والأدب منذ طفولتى، نشأت فى بيت تزين جدرانه مستنسخات اللوحات العالمية لـ«بيكاسو وفان جوخ ومونيه» وتتردد فيه ألحان «شوبان وباخ وشتراوس» جنبا إلى جنب مع أغنيات «أم كلثوم وعبدالحليم حافظ» ويشاهد مساء كل سبت برنامج «نادى السينما» الذى يعرض أهم الأفلام العالمية.
يظهر تأثير أبى أيضا فى البيت الذى نشأنا فيه حيث كان كل جدرانه بلا استثناء تغطيها أرفف الكتب باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية، وأبى هو مصدر كل هذا، تعلمت من صمته ومن عمله الدءوب ومن تشجيعه لى حين بدأت الكتابة والترجمة والنشر كيف يكون الإنسان مشغولا بالكون وهو فى غرفة مكتبه، وكيف تكون اشتراكيا دون طنطنة أو ادعاء أو عزلة فى برج الأفكار العاجى. أبى هو مصدر كل جميل فى طفولتى وشبابى، وهو معلمى الأول فى أناقة الروح والمظهر.
♦ هل لديكِ كتَّاب مفضلون سواء عرب أو أجانب ــ تعتبرينهم أيقونات بالنسبة إليكِ وتتأثرين بهم؟
ــ كتبت أخيرا عن ثمانٍ من أهم الروايات التى أثرت حياتى وكانت بالنسبة لى نموذجا للكتابة الإبداعية العظيمة، «البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، «الحرافيش» لنجيب محفوظ، «مدام بوفارى» لفلوبير، «ذات» لصنع الله ابراهيم، «العمى» لجوزيه سراماجو، «بريد الليل» لهدى بركات، «أورلاندو» لفرجينيا وولف و«كل هذا الهراء» لعز الدين شكرى. لم أقرأ بالضرورة كل ما كتب هؤلاء الروائيون لكنى مدينة لتلك الروايات بمحبة الأدب.
♦ ما هى آخر مستجدات مشروعك لإقامة بيت للكتاب فى مصر (بيت التلمساني)؟
ــ نستقبل أول مجموعة من الكتاب المصريين فى نهاية يناير 2022 وأول كاتب من فرنسا فى نهاية مايو من العام المقبل. ولدى أمل أن يستقبل البيت عددا من الورش الإبداعية فى فترة الربيع.
♦ ختاما، هل يمكن أن تطلعينا على مشروعاتك الأدبية القادمة وما تنوين فعله خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد الحصول على الوسام الرفيع؟
ــ أعمل على الانتهاء من رواية جديدة ربما أدفع بها للنشر فى نهاية العام المقبل، ولدى أمل أن تنشر روايتى الأولى، «دنيا زاد» فى طبعة جديدة بمناسبة مرور 25 سنة على صدورها، خاصة وأن شخصية دنيا تعود للظهور فى الرواية القادمة.
أما روايتى الأخيرة، «الكل يقول أحبك»، فأعتقد أنها ستصدر فى طبعة فرنسية عام 2023. لكن قبل كل ذلك، يهمنى أن أحتفل بالحصول على وسام الآداب والفنون فى يناير المقبل حال عودتى إلى القاهرة، سواء فى سفارة فرنسا بالقاهرة أو مع أصدقائى من الكتاب والفنانين.
حاورت الكاتبة المبدعة مى التلمسانى التى عبرت عن سعادتها بالتكريم الذى اعتبرته انتصارا لقيمة الكتابة الروائية العربية، لتلقى الضوء أيضا على عدد من محطاتها الإبداعية فى الكتابة والنقد. وإلى نص الحوار:
♦ ما الذى يمثله لكِ التتويج بـ وسام الفنون والآداب الفرنسى «برتبة فارس»، وهو أحد أعلى الأوسمة فى فرنسا؟
ــ على المستوى الشخصى، الوسام هو تكليل لعملى لسنوات طويلة فى المجال الثقافى، سواء كروائية وكأكاديمية، وعلى المستوى المصرى والعربى هو تذكير بأهمية ومكانة الفنون والآداب ودور القائمين عليها ليس فقط كمؤسسات تابعة للدول ولكن كأفراد خارج المنظومة الرسمية يعملون بجد ويستحقون كل التقدير.
أما على المستوى الدولى هو وسام للثقافة العربية ولقدرتها على تجاوز حدودها القومية لآفاق العالم الرحب.
♦ هل تعتبرين التكريم جاء بمثابة انتصار لقيمة الكتابة الروائية العربية؟
ــ بالتأكيد نعم، وأحب أن أنوه أن فرنسا من الدول القليلة فى العالم التى تمنح للفنانين والأدباء من جميع أنحاء العالم وساما رفيعا بغض النظرعن كونهم فرنسيين أو متحدثين باللغة الفرنسية.
وأرى أن الاعتراف بمنجز العرب والمصريين وخاصة الكتاب منهم أمر نادر، قد أكون الكاتبة المصرية الوحيدة الحاصلة على هذا الوسام منذ نشأته عام 1957، ولكن ليست لدى معلومات أكيدة بهذا الشأن. فى نهاية الأمر، هو تكليل واعتراف بقيمة الكتابة العربية بلا شك.
♦ وهل التتويج يقرب بين مستويات الثقافة المصرية والفرنسية ويقوى تلك الروابط؟
ــ بالطبع، وإن كان عدد المتحدثين بالفرنسية فى مصر فى تضاؤل مستمر منذ الثمانينيات من القرن العشرين، إذ يقل عدد المتحدثين بهذه اللغة عن المليون. لكنى أدعى أن الثقافة الفرنسية، بعيدا عن ممارسة اللغة، مازالت مؤثرة عبر الفنون والآداب فى مصر وكذلك فإن أثر الثقافة العربية على الثقافة الفرنسية لا جدال فيه.
♦ تعبرين عن رفضك فى مناسبات عدة لمسألة وضع إطار محدد لهوية «الثقافة» وأنها عابرة للهويات.. حدثينا أكثر عن ذلك؟
ــ أعتقد بشدة فى تلاقح الثقافات وفى تجاوزها للحدود القومية المقيدة لها. الاعتراف بأن الثقافات تتحاور وتتجاور مسألة لا جدال فيها بالنسبة لى من منطلق تاريخى وعقلانى، وليس من منطلق إنسانى ورومانسى.
لا أتبنى فكرة التجاور والحوار بهدف الترويج لنوع من الكزموبوليتانية العقيمة التى عادة ما تغض البصر عن علاقات القوة والهيمنة الثقافية لصالح الغرب، وإنما لكى أجادل فى تراتبية الثقافات التى فرضتها نظرة الغرب على ثقافات العالم، ونظرة الثقافة العربية الإسلامية لغير المنتمين لها.
كما أن كل ثقافة مركزية تحاول ادعاء الأفضلية وتسعى للهيمنة هى بالنسبة لى ثقافة مسيسة ونخبوية يحق لنا أن ننتقدها ونرفضها. لا فرق فى ذلك لدى بين خطاب الهيمنة فى الثقافات الفرنسية أو العربية أو الأمريكية أو الكندية أو غيرها، لذا فإننى أسعى دائما للانتصار لفكرة تجاوز الحدود والبحث عن المشترك الإنسانى بين الثقافات.
♦ كيف كانت بداياتك مع المحطات الأولى للكتابة والإبداع؟
ــ المحطات الأولى بدأت فى البيت، وفى مدرسة الراهبات، وفى الجامعة، ثم بعد زواجى فى باريس، حيث كتبت أول نص قصصى نشر فيما بعد فى مجموعتى القصصية الأولى، نحت متكرر، عام 1995.
وتتجدد البداية مع كل نص جديد، يبدأ عادة بجملة تلح على ذهنى، أو مشهد كأنما فى فيلم صامت، أو شخصية تتحرك بشكل معين أو تتأمل ما حولها. والبداية دائما ذاتية، شعور بالإلحاح وبأن الكتابة الآن، وفى التو، هى مسألة تنفس، أو حياة.
♦ ما الصعوبات التى طرأت خلال مشوارك فى الكتابة وكيف تغلبت عليها؟
ــ صعوبة الاستمرار فى الكتابة بالرغم من مسئوليات الأسرة والعمل الأكاديمى، لدى حياة كاملة خارج الإبداع تسيطر على معظم أوقات العام ولا تترك لى فسحة كافية من الوقت للكتابة.
ومارست رغم ذلك كل أنواع التحايل لأخلق مساحة العزلة اللازمة للكتابة الإبداعية، بدعم من أسرتى بلا شك ولكن بصراع لا ينتهى مع كل ما يشتت الذهن ويبعدنى عن التركيز. لكنى فى النهاية فخورة بأن لدى أربع روايات وأربع مجموعات قصصية، فضلا عن الترجمات والكتابة الأكاديمية، هى حصاد ما يقرب من ثلاثين عاما من العمل فى مجال الإبداع والتدريس الجامعى.
♦ لاقت رواية «دنيا زاد» نجاحا كبيرا وتم ترجمتها إلى 8 لغات، كما أن باقى رواياتك تم ترجمتها للفرنسية حدثينا عن ذلك، وهل تعتبرين الترجمة نافذة للتعريف بالكاتب فى عوالم جديد؟
بلا شك، لا سبيل للتعرف على آداب العالم بدون الترجمة، وهى الأداة الرئيسية التى تسمح لنا بالتواصل عبر الحدود، والأهم من ذلك أنها تضعنا على خريطة الإبداع العالمى، من دونها لا وجود للأدب العربى خارج حدوده الإقليمية واللغوية.
♦ تنوعت أعمالك الإبداعية بين القصة القصيرة والرواية ــ هل تفضلين لونا إبداعيا منها على الآخر؟
ــ أكتب الرواية بروح القصة القصيرة، ولا أرى بينهما أفضلية، لكنى أحيانا أحب أن أطيل نفس النص وأن أفتح نوافذ وأبوابا فى البناء الواحد فتأتى الرواية أشبه ببناية مركبة مكونة من طوابق وشقق وحيوات متشابكة.
هذا ما يجتذبنى تحديدا للرواية، كونها «عشرة عمر»، وكذلك الشخصيات التى تصبح بمجرد كتابتها حية، وصديقة، أو رفيقة لى على مدى أشهر أو سنوات الكتابة.
أنا أعتبر الشخصيات هى الونس الحقيقى بالنسبة لى، سواء عاشت زمنا قصيرا عبر القصة أو عاشت زمنا أطول عبر الرواية.
♦ كيف أثر والدك عبدالقادر التلمسانى فى مسيرتك الإبداعية؟
ــ أدين لأبى بمحبة الفن والأدب منذ طفولتى، نشأت فى بيت تزين جدرانه مستنسخات اللوحات العالمية لـ«بيكاسو وفان جوخ ومونيه» وتتردد فيه ألحان «شوبان وباخ وشتراوس» جنبا إلى جنب مع أغنيات «أم كلثوم وعبدالحليم حافظ» ويشاهد مساء كل سبت برنامج «نادى السينما» الذى يعرض أهم الأفلام العالمية.
يظهر تأثير أبى أيضا فى البيت الذى نشأنا فيه حيث كان كل جدرانه بلا استثناء تغطيها أرفف الكتب باللغات الثلاث العربية والفرنسية والإنجليزية، وأبى هو مصدر كل هذا، تعلمت من صمته ومن عمله الدءوب ومن تشجيعه لى حين بدأت الكتابة والترجمة والنشر كيف يكون الإنسان مشغولا بالكون وهو فى غرفة مكتبه، وكيف تكون اشتراكيا دون طنطنة أو ادعاء أو عزلة فى برج الأفكار العاجى. أبى هو مصدر كل جميل فى طفولتى وشبابى، وهو معلمى الأول فى أناقة الروح والمظهر.
♦ هل لديكِ كتَّاب مفضلون سواء عرب أو أجانب ــ تعتبرينهم أيقونات بالنسبة إليكِ وتتأثرين بهم؟
ــ كتبت أخيرا عن ثمانٍ من أهم الروايات التى أثرت حياتى وكانت بالنسبة لى نموذجا للكتابة الإبداعية العظيمة، «البحث عن الزمن المفقود» لمارسيل بروست، «الحرافيش» لنجيب محفوظ، «مدام بوفارى» لفلوبير، «ذات» لصنع الله ابراهيم، «العمى» لجوزيه سراماجو، «بريد الليل» لهدى بركات، «أورلاندو» لفرجينيا وولف و«كل هذا الهراء» لعز الدين شكرى. لم أقرأ بالضرورة كل ما كتب هؤلاء الروائيون لكنى مدينة لتلك الروايات بمحبة الأدب.
♦ ما هى آخر مستجدات مشروعك لإقامة بيت للكتاب فى مصر (بيت التلمساني)؟
ــ نستقبل أول مجموعة من الكتاب المصريين فى نهاية يناير 2022 وأول كاتب من فرنسا فى نهاية مايو من العام المقبل. ولدى أمل أن يستقبل البيت عددا من الورش الإبداعية فى فترة الربيع.
♦ ختاما، هل يمكن أن تطلعينا على مشروعاتك الأدبية القادمة وما تنوين فعله خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد الحصول على الوسام الرفيع؟
ــ أعمل على الانتهاء من رواية جديدة ربما أدفع بها للنشر فى نهاية العام المقبل، ولدى أمل أن تنشر روايتى الأولى، «دنيا زاد» فى طبعة جديدة بمناسبة مرور 25 سنة على صدورها، خاصة وأن شخصية دنيا تعود للظهور فى الرواية القادمة.
أما روايتى الأخيرة، «الكل يقول أحبك»، فأعتقد أنها ستصدر فى طبعة فرنسية عام 2023. لكن قبل كل ذلك، يهمنى أن أحتفل بالحصول على وسام الآداب والفنون فى يناير المقبل حال عودتى إلى القاهرة، سواء فى سفارة فرنسا بالقاهرة أو مع أصدقائى من الكتاب والفنانين.