صفاء الليثي
آخر فيلم شاهدته بالجونة فيلم المخرج الصيني الكبير تشانج ييمو فيلم “ثانية واحدة ” الذي تدور أحداثه في الصين خلال الثورة الثقافية، يحكي عن سجين مجهول الهوية يهرب من معسكر عمل، ويخاطر بكل شيء للبحث عن بكرة فيلم مسروقة تظهر فيها ابنته المفقودة منذ زمن طويل. يصادف في طريقه فتاة يتيمة بائسة تطاردها خسارتها الفادحة. افتتح الفيلم مهرجان سان سيباستيان السينمائي عام 2021. ونال استحسانا دوليا كبيرا توج بجمهور الجونة في مصر.
اعتبر الفيلم “سينما باراديسو” في روح صينية، عند عرضه في مهرجان روما السينمائي وكتب عنه أنه يأخذ المشاهد ولا يستسلم أبدًا خلال 104 دقيقة، كان من المقرر عرض الفيلم في برلينالة عام 2019، لكن تم سحبه في اللحظة الأخيرة “لأسباب فنية”، مما أدى إلى الاشتباه في تدخل الرقباء.
تدور أحداث الفيلم في شمال الصين خلال ثورة ماو تسي تونغ الثقافية، وبطولة الفيلم شانج جوشتج، و شانج يي، شانج ننطقها بالعربية زانج نتيجة كتابتها بحرف زد( Zhang Jiusheng (Zhang Yi) وصحتها تشانج، يدهشنا الفيلم بمشهد البداية في صحراء ممتدة لم أكن أعلم بوجودها في الصين، شخص يقطعها ويصل إلى مكان يحمل فيه شخصين بكرات فيلم على دراجة، يتركانها ليستريحا، تأتي فتاة متخفية في هيئة صبي وتسرق علبة من علب الفيلم، وتحدث مطاردة بين الرجل الهارب وبينها، حتى نصل إلى قرية يستعد أفرادها لمشاهدة فيلم ونتعرف على االسيد، مستر فيلم، الذي يمثل سلطة محلية حقيقية لأنه الإله من خلال ماكينة العرض الهائلة وعدم ارتكابه خطأ واحدا.
هناك أيضًا أولئك الذين يجلسون على مقاعد دراجتهم لرؤية كل شيء من الأعلى. وهذه السينما هي مهرجان شعبي حقيقي يمكن رؤيته جيدًا عندما تضع القرية بأكملها، التي عسكرها السيد فيلم، كما لو كانت رجلًا واحدًا، نفسها في خدمته لإصلاح الفيلم الذي دمره السفر والرمال.
يقدم تشانج ييمو المشهد برومانسية تتعامل مع عملية تنظيف الفيلم ومسح الأتربة عنه كعملية إنقاذ مريض يوشك على الموت، عملية الغسيل يشارك فيها الهارب والفتاة الصبي كل له غرض مختلف، الهارب يبحث عن صورة ابنته في شريط الأخبار، والفتاة تريد أن تصنع أباجورة ليستذكر أخاها الصغير المجتهد دروسه على نورها، يهدد الهارب السيد فيلم ليجبره على عرض شريط به ابنته في ثانية واحدة تمر سريعا، يقترح السيد فيلم أن يصنع لوبا للثانية التي تظهر فيها ابنة الهارب لتعرض عرضا مستمرا في الوقت الذي يسمح بوصول قوات النظام للقبض على الهارب.
هنا قصة البحث عن شريط الفيلم ومنع سرقته ومقابلة الفتاة التي ترغب في صنع لمبة لتضيء بقوة لأخيها المجتهد دراسيا، تتحول العداوة بين الفتاة السارقة والعامل الهارب إلى صداقة ويُربطان معا بعد القبض عليهما، تتمكن من الفرار وتحصل على كادرين بهما صورة الابنة وعلى أباجورة من شرائط الفيلم. القصة الميلودرامية لكل من الفتاة والرجل في سياق الاحتفاء بشريط الفيلم السينمائي الذي يتم التعامل معه ككنز ثمين يتشارك الجميع في إزالة الأتربة عنه في عملية غسيل والشرائط تملأ الكادر. نبهني الصديق الكاتب سعد القرش الى ضرورة مشاهدة الفيلم وتمكنت من مشاهدته في العرض الأخير بالجونة، لم تهمني الخلفية السياسية للثورة الثقافية وبدرجة أخرى حكاية الابنة قدر ما همني هذا التقديس لشريط الفيلم 35 مللي للمخرج الكبير تشانج -تشانج ييمو- وفكرته العبقرية والصحراء المترامية التي لم أكن أعرف بوجودها في الصين. تخليد شريط السينما 35 مللي . الشريط وماكينات العرض وفني العرض .انقاذ الشريط وقد اتسخ .وغسيله ..وعمل اللوب .الكادر الثابت لصورة الابنة كعاملة مثالية، عبر حكاية تتم زمن الثورة الثقافية في صين ماوتسي تونج .
في عام 1988 فاز تشانج ييمو بجائزة الدب الذهبي في برلين عن فيلم ” الذرة الحمراء ” ليصبح أحد أشهر المخرجين في العالم. كما حصل على أول ترشيح لجائزة الأوسكار في عام 1991، ثم جاء فيلمه “ارفعوا المصابيح الحمراء “، الذي نال الأسد الفضي في البندقية عام 1991 وترشيح الأوسكار في عام 1992، المفارقة المدهشة أنه تم الاحتفال بأفلام تشانغ ييمو في جميع أنحاء العالم، وغالبًا ما كانت محظورة في موطنه، ولكن مع الوقت نال تقدير موطنه وتم اختياره مديرًا لحفل افتتاح واختتام الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008.
في كتاب تكريمه بالدورة 36 لمهرجان القاهرة الذي أعدته سهام عبد السلام الناقدة والمترجمة وهى تستعرض نشأته الفقيرة بجمهورية الصين الشعبية و تستعرض كونه ابنا لعائلة مضطهدة يشق طريقه بالدم.
ولد تشانج ييمو في 14 نوفمبر عام 1950 بمدينة خيان في مقاطعة شانكسي بجمهورية الصين الشعبية، كان والده ضابطا في جيش الكومنتانج التابع لشيانج كاي شيك، لذلك صنفت السلطات الشيوعية أسرته في الفئة الخامسة، التي تقع في قاع الفئات ويتعرض أفرادها للاضطهاد. ولما كان تصنيف أسرة تشانج ييمو يعني أنه ابن لعائلة مشبوهة، فقد عانى الكثير في ظل هذا النظام. وأثناء الاضطرابات المتشنجة للثورة الثقافية في ستينيات القرن العشرين. ووصل الاضطهاد إلى درجة اتهام أخ له بالتجسس، وهروب أخ آخر إلى تايوان.
هكذا نشأ تشانج ييمو في الصين الاشتراكية، حيث ساد الصراع الطبقي الحياة والأدب. عاين تشانج ييمو في هذه السنوات الكثير من المآسي التي رآها تحدث حوله، والفوضى التي كانت تضرب أطنابها في حياة الناس. عاين تشانج ييمو في هذه السنوات الكثير من المآسي التي رآها تحدث حوله، والفوضى التي كانت تضرب أطنابها في حياة الناس، لكن عمله بالمصنع أفاده في التعرف على حياة الطبقات الكادحة في الصين، إذ اكتسب ثروة من المعرفة بالناس، والحياة الإنسانية، وقلب الإنسان وروحه، أفادته في حياته الشخصية، وطريقة تفكيره وفي أعماله.
يقول تشانج ييمو إن الثورة الثقافية فترة خاصة وفريدة في تاريخ الصين والعالم، وإنه ظل يحلم لسنوات بصنع أفلام عن هذه الفترة، لمناقشة معاناة الناس ومصائرهم وعلاقاتهم في عالم كاره للإنسان، ومانع له من التحكم في مقاليد حياته. لكنه يعترف أن الأحوال السياسية الراهنة في بلده لا تجعل هذا الحلم ممكن التحقيق وعليه أن ينتظر، يشهد على هذا منع السلطات لعرض فيلمه أن تحيا (1994).
وها هو يتمكن من عمل فيلم ” ثانية واحدة ” 2020 الذي شاهدناه بالجونة 5 خارج المسابقة. مازجا بين عشق السينما ومأساة قطاع من الشعب يعيش ظروفا قهرية في زمن الثورة الثقافية بالصين.
يقول تشانج ييمو: “اهتمت أفلامي الأولى بجمال الشكل، لكني انتقلت بعد ذلك إلى التركيز على المضمون، وبالذات على العواطف الإنسانية، الدافئة منها على وجه الخصوص. كثيرا ما أتناول الفلاحين الصينيين في أفلامي، وذلك لأن الصين بلد زراعية أساسا، والقرى الريفية هي قلبها النابض. كما أني أحب في الفلاحين عواطفهم البسيطة. أحب أيضا موضوع البحث عن شيء، والكثير من بطلاتي بالذات يسعين بحثا عن شيء ما في محيطهن الاجتماعي أو فيما يتجاوزه. والبطولة من موضوعاتي المفضلة أيضا، وفيلمي البطل يتميز بالإنتاج الكبير والمزج ما بين العواطف والبطولة، وقد حقق لي مرادي في إفساح مجال للسينما الصينية في عالم الأفلام المسلية ذات الميزانية الكبيرة، وهو الاتجاه السائد حاليا في صناعة السينما” .