نظرة على رواية “حبيبة كما حكاها نديم”.. ضمير الكاتب الذي زاحمه في حكيه

حبيبة كما رواها نديم
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

صفاء الليثي

وكأنها كتبت في نفس واحد، جملة ترددت في ذهن الكاتب سجلها ثم تتابعت الأفكار والحكاية دون توقف. باستثناء ما عنونه “مفتتح” الذي أعتقد أنه كتب لاحقا، وقد تحملته على مضض وأبعدني عن الاستعداد لقراة الرواية التي بدأت فعليا مع الرقم 1 وصوت الراوي الذي يحكي بدلا من نديم ويأتي بعده 2 صوت عقل نديم  ناصحه وناقده، وتتوالى الفصول غير المعنونة والمرقمة فقط، بهذا البناء لكاتب ضميره حاضر وعمله كناقد مسيطر ويمارس قهرا على الراوي الذي يكتب عن نديم. في تواز تحمل الأرقام 1،2،5، ما يرويه الكاتب بصوت نديم، وتحمل الأرقام 2،4،6، 8 توجيهات وانتقادات عقل الكاتب.

أما ما عنونه “مختتم” فيحكي عن حبيبة نفسها وكثير من حكاياتها سبق وعرفناها من نديم بشكل مختلف.

ثم “ملحق” الذي جاء كما فصل “مفتتح” لم أجدني كقارئة أحتاج إلى قراءته أو “انترستنج” لقراءته. عفوا لاستخدامي اللفظ من اللغة الإنجليزية لأن ترجمته إلى متشوق لا تعبر تماما عن المعنى المقصود، لم أرغب في قراءته، وقلبت الصفحات إلى “هامش أخير” يعلمنا فيه الكاتب أن ما حكاه من رسالة لصديقه نديم قدري، يطاردني ضمير الكاتب الذي أجده عاملا على تأكيد أن الحكاية لا تخصه ولكنها تخص شخصا ذكرني اسمه باختيارات أديبنا الكبير نجيب محفوظ في تسمية شخصيات أعماله.

أجّل عبد الشكور الإهداء قبل نهاية الكتاب وكذا الشكر، وتمنيت لو كان أجّل المفتتح أيضا أو اختصره ليلبي رغبتي في معرفة حكاية حبيبة كما رواها نديم دون شروح من الكاتب تشبه ما يقوم به بعض مخرجي الأفلام من تعمد كسر الإيهام.

قصة الحب الأولى “يمنى” كما الحب الأول التي تكون انبهارا بملامح خارجية لشخصية المحبوب مربوطا بحبه بما يربطهما من كتابة جميلة أو لوحات مرسومة، لم يحب نديم يمنى من داخلها بل أسقط عليها صورة فتاة الأحلام التي يجدها جديرة به، هكذا وصلتني الحكاية. ولم يحب “حبيبة” بل انجذب إليها كأنثى، وقام بالتشويش على ميله لها كذكر بتصدير المثقف والأستاذ في مواجهتها، هو الذي حدد صورته أمامها، ولم يكن فارق العمر هو ما شوش على حبيبة فلم تبادله هذا الميل، بل كان اختيارها متسقا مع الصورة التي رسمها لها نديم، متمردة على وضع عام لفتاة من الأقاليم، ومتطلعة إلى حياة وجدتها في قصة حبها مع هذا الغريب الأجنبي الذي أدخلها إلى عالمه المغامر فغامرت معه. لم يقنعني نديم بأنه وجد حبا حقيقيا مع يمنى أو حبيبة، وغالبا لم يسعده زمنه فيعرف الحب حقا مع امرأة تناسبه وتبادله حبا بحب.

هل يمكن اعتبار رواية عبد الشكور رواية متعددة الأصوات، إذا سلمنا بأن هناك نديم، والكاتب وضميره الناقد الذي زاحمه في صفحات الرواية وكان يكيل له اللكمات ويقوم معه بدور الناصح الأمين. هل يمكن التعامل معها كمعالجة لفيلم طويل يعود فيه صناعه إلى مناقشة الحب الأول والحب من طرف واحد كما حدث مع “الوسادة الخالية” مثلا أو مع فيلم “بنات اليوم”.

شعرت أن كاتب رواية “حبيبة كما حكاها نديم” ما زال هناك، يعيش في زمن أفلام الأسود وأبيض وأنه بمشاعره الرومانسية هذه وأسلوب حبه العذري يحتاج تنبيها أقوى من ضميره أو من عقله، يكتب نديم: “عن حكاية حب عجيبة عاشها، عن لحظة فقد قادمة، لن تستطيع أن تحبه، ولن يستطيع أن يكرهها ..”. تعلق حبيبة الشقية التي تصغره بعشرين عاما  “انت عمرك أد إيه، ازاي بتكتب المشاعر الحلوة دي؟” أقرأ وترتسم لدي صورة لحبيب يشبه فريد الأطرش الذي يغني ألما “طلعت يا فجر بدري، مش كنت تستنى يا فجري”. 

رغم التواصل عبر الفيسبوك والواتساب يعيش نديم في عالم قديم هو فقط من بقي فيه، وتتركه يمنى وحبيبة كل إلى حياة معاصرة، لا تكتفي الواحدة منهما بتخيل الحب والبقاء على هامش العلاقة، بل تقتحمان الحياة، ترتبط، تتزوج، وقد تنفصل وتعاود تجربة الارتباط دون خشية من أن تكون أسات الاختيار. عيش الحياة فعليا هو ما ينقص نديم الذي فارقها دون أن يختبرها كتجربة حقيقية.  

في “هامش أخير” يعلمنا الكاتب أنه (كان دوما مريضا بقلبه ، فليرقد قلبه مع روحه في سلام). نديم قدري بطل تراجيدي لقصة عادية من قصص الحياة أراحني أن كاتبها رجل يخبرنا أن الرجال أيضا يبكون على حب ضائع ويتألمون من صدمات عاطفية رغم النجاح في الحياة العملية.    

 

مقالات من نفس القسم