خطوات صناعة المجد (٢)

شيرين فتحي
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

شيرين فتحي

استيقظت من النوم… أحضر الفطور الصباحي كعادتي.. أبحث عن أي سكين لتقطيع الخبز وبعض الخضروات الطازجة .. لكن طال بحثي دون جدوى.. أهرع للغرفة أسأله عن سكين.. فيجبيني بتحدٍ: لقد تخلصت من كل السكاكين ليلة أمس
– نعم!! لماذا فعلت ذلك ما السبب؟
– لقد قرأت ما كتبته بالأمس
– وما العلاقة؟
– العلاقة أنك كتبت تلك القصة عنا… ألست تمرين بنفس مرحلة الإحباط التي وصفتها لبطلتك؟.. تحدثت أيضا عن كرهي لموهبتك وعدم إيماني بها
– ليس صحيح القصة لا تخصنا
– لا الكثير من التفاصيل يحكي عنا رغم تحذيراتي المتكررة بألا تورطيني في كتاباتك
– أكرر القصة لا تحكي عنا
– حتى كتب ميشيما لقد وجدتها تملأ مكتبتك.. قرأت تاريخ ما بحثت عنه في ذاكرة هاتفك.. ووجدت فيديوهات كثيرة للقتل على طريقة السيبوكو
– هل تظنني أفكر في الانتحار؟
– لن أترك لك الفرصة لتفكري أصلا
تعرف أن المناقشة معه لن تفضي إلى شيء.. تضع الطعام؛ خبز بلا تقطيع، ثمرتين من الطماطم ومثلهما من الخيار.. يبدأ في تناول طعامه بينما تفترس هي ثمرة طماطم من منتصفها بطريقة تثير مخاوفه خاصة مع تساقط بعض نقاط من السائل الأحمر على جانبي فمها.
– والبصل ؟ هل بوسعك أن تخبرني عن كيفية تقطيع البصل لتحضير طعام الغداء؟
– ابشريه.. استخدمي المبشرة..
تصرخ مغتاظة
قطعيه بأسنانك… يردد ساخرا
تدبدب بقدميها حتى تصل إلى المطبخ. تنزع قشرة البصل الخارجية بأصابعها قبل أن تحضر المبشرة لكن تتذكر نبرته الساخرة وتحكماته غير المنطقية وتقرر أن تنتقم
تبدأ في تقطيع البصل بأسنانها… واحدة تلو الأخرى.. تخترق الرائحة اللاذعة أنفها وفمها لتبدأ الدموع في التحرر من عينيها الآخذتين في الاحمرار
تقتحم رائحة البصل غرفته.. ليشعر بشعور حارق في أنفه يحرك عينيه لمشاركتها بحر الدموع الذي كانت توشك على الغرق فيه. يتحمل الرائحة لبعض الوقت ثم يحمل حاله لتطلع الأمر في المطبخ ليجدها غارقة عن آخرها في الدموع وحولها عدد لا نهائي من البصلات المقشرة والممزقة بفعل الأسنان.. يرتد عدة خطوات للوراء بمجرد رؤية جزء من المشهد المالح الذي أغرقت روحها فيه.. ترهبه بنظراتها الشرسة التي ترمقه بها أثناء غرز صف أسنانها الأمامي في بصلة جديدة لتمزيقها… يتفهم من شكلها المريع أنها لن تتنازل عن رغبتها في الحصول على السكاكين التي تخلص منها …. يرتدي ملابسه ويخرج مسرعا قبل تفاقم الكارثة.. يعود ببوكيه من الورد لم ينس أن يرشق فيه نصف دستة من السكاكين متباينة الأحجام والأطوال.. تتقبل منه البوكيه ولكن لا تبتسم إلا بعدما تلمح السكاكين الجديدة وتتحسس أنصالها اللامعة بأطراف أناملها.. تمسح دموعها وتتخلص من كل البصل الذي نهشته للتو…تنسحب رائحة البصل تدريجيا من الغرف قبل أن تختفي تماما من المطبخ وباقي أرجاء الشقة. وتعود الحياة لتناغمها وهدوئها المعهود بفضل تلك الأجسام المعدنية الرقيقة والتي برغم رقتها نجدها تتسبب في أكثر الجرائم بشاعة . رغم كل شيء يشعر ببعض الرضا والفخر لما أنجزه معها للتو
تحاول أن تتذكر قصة الأمس.. تتساءل هل كان الأمر يستحق منه كل هذا القلق… لا تعرف لم كتبت تلك القصة بالذات لكن كتابتها أراحتها.. ولو لبعض الوقت .. حين كانت تحاول أن تدير السكين في معدة بطلتها كانت تشعر بضربة قاسية توجهها للعالم وليس للبطلة.. فحين نعجز عن قتل العالم نقوم بقتل أنفسنا .. لكنها عوضا عن ذلك تقتل في الكتابة.. تشبع دمويتها في وصف بعض المشاهد الصادمة.. رغم أنها تكره الدموية والعنف . لكنه أصبح أمرا محتوما تصادفه وتضطر للتعايش معه في هذا العالم
لا أحد بإمكانه أن بعاقب عالم كاملا أو عائلة بأكملها لكن من السهل جدا واليسير أن تعاقب نفسك.. بالضبط كما لو قررت أن تضع وجهك في الحائط مغمضا عينيك لأنك فشلت في تغير ما يتحتم عليك أن تراه لتقنع نفسك أن العالم الكريه قد اختفى بالفعل عن ناظريك
– لا أنكر أنني شعرت بسعادة طاغية لوجود السكاكين ثانية في أدراجي لكني شعرت بوخزة في معدتي وهاجمتني آلام عملية الجز التي قمت بها لبطلتي ليلة أمس.. حتى لأني تحسست رقبتي بحثا عن مواضع لأي جروح أو خدوش. أعيد قراءة القصة تعجبني النهاية التي اخترتها لكن أجدني أتساءل هل ماتت البطلة؟. لا لو كانت ماتت لما كنت أفكر فيها الآن وأخطط لكتابة جزء جديد لنفس القصة، أعيدها فيها إلى الحياة لأفاجيء القاريء بأن الأمر كله كان مجرد خدعة وأن هذا الجزء لم يكن إلا قصة قصيرة حدثت فقط في خيال البطلة. سيبدأ الجزء الجديد بها وهي تنهض من النوم باحثة عن أي سكاكين في المطبخ لتقطيع الخبز.

مقالات من نفس القسم