عمر علام
يذهب التيار بعيداً ويرجع محملاً بالطحالب، وقدمي على الشاطيء تغوص في الرمال ويكسوها اللون الأخضر اللزج، والرياح تأتي من الشرق للغرب وتأخذ معها قميصي، فيطير ذيله وهو يحاول التشبث بكتفي، يملأ البرد جسدي ويتخلله من كل شعره مزروعة على سطح جلدي، جسدي يرتعش وأقفز في مكاني وأعود من الشط جريا.
ينطفئ النور، لا يظهر القمر والدنيا ظلام، الرائحة سيئة، والجو حار نوعاً ما، أمشي وأتعثر في أشياء لا أراها، يلتصق بقدمي سائل رائحته قذرة، أسمع أصوات خطوات تقترب فأحاول الذهاب في الناحية الأخرى، تقترب أكثر، ثم يتوهج ضوء شديد أخبئ عيني منه، ثم أركز نظري فأرى فتاة، بشرتها بيضاء تميل إلى السمرة، وشعرها مموج، ترتدي تيشيرت لبني طويل ورجليها عاريتان، تقترب مني وابتسامة على شفتيها، أرجع خطوتين إلى الوراء، تمد يدها إلي وتقول:
- تحب ناكل؟
لا أرد، تلتفت وتمشي في الناحية الأخرى، وتأخذ معها النور، الظلام يعود تدريجياً فأجري وراءها لألحقها ولكنها تختفي، ويعود الظلام من جديد.
أرجع إلى الوراء فأصطدم بالحائط خلفي، وينتشر فجأة في المكان ضوء أحمر لا أعرف مصدره، تتضح الرؤية شيئاً فشيء، أرى أنني في غرفة ضيقة، وأشياء كثيرة مبعثرة على الأرض، رجل كبير لا أعرفه يقف في جانب، أسمر الوجه وله شارب، يقترب مني فأشم فيه رائحتي، يصفعني على وجهي فأسقط أرضا، يضربني بقدمه في بطني وفي رأسي، أبكي وأترجاه أن يتوقف ولا يتوقف، ويظل يضربني حتى يختفي، يختفي الضوء الأحمر وترجع الغرفة للظلام مرة أخرى.
أظل نائما على الأرض، أتألم، بطني تؤلمني، أشعر بأصابع تمتد إلى وجهي، أصابع طويلة بلا أظافر، تتحرك وتروح وتجيئ على جسدي، تسقط عني سروالي فأصبح عارياً من أسفلي، أشعر بنغزة في مؤخرتي، ألم شديد، أضع يدي على فمي وأكتم نفسي، وبعد لحظات ينتهي الألم وترجع الأصابع سروالي كما كان.
يظهر الضوء الأحمر ويملأ الغرفة من جديد، أقوم من مكاني فزعا وأجرى وأفتح الباب، يظهر البحر بعيداً، الرياح شديدة وكل شيء على الشاطئ يطير في الهواء، أتقدم خطوة واحدة للخارج ولا استطيع، ترتفع قدمي ولا تستقر على الأرض، أعود لداخل الغرفة، صوت يناديني من الخارج:
- عمر!
- مين؟
لا أحد يرد، أشعر ببلل، أمد أصابعي وأتلمس مؤخرتي، فتعود مبللة بسائل أخضر، أمسحه في سروالي.
- عمر!
- مين؟ .. مين؟
الصوت يأتي من الخارج، الفتاة التي قابلتها منذ قليل تقف بعيداً على الشاطئ وتنظر إلى المياه أمامها، تهدأ الرياح خارجاً فأجري سريعاً نحو الفتاة قبل أن يتغير الجو مرة أخرى، أصل إليها، تلاحظ قدومي فتلتفت إلي.
- بص السما!
تشير بسبابتها، السماء صافية تقريباً، وتظهر الشمس بعيداً يتخلل ضوئها السحب القليلة المتناثرة في الأفق، أنظر إليها، تقول:
ــ مالك؟
ــ بردان شوية.
تفتح لي ذراعيها، أقترب منها وقبل أن أعانقها تختفي، تعود الرياح قوية مرة أخرى، ينزل المطر ويزداد تدريجياً، يظهر الرجل الأسمر بعيداً، يخلع حذائه ويرفعه في وجهي ويقول:
_اجري!
فأجري، لا أنظر خلفي، يختفي البحر والشاطئ، الطريق أمامي طويلة، مسورة بحديد على الجانبين، أظل أجري ولا أنظر خلفي، يمر بجانبي أشخاص يجرون بأردية بيضاء وبذلات بنية، وكثير من السيارات تصدر ضوضاء مزعجة، أقف قليلا لآخذ نفسي، شهيق، زفير، شهيق، زفير، يلتفت الأشخاص لي وفي صيحة واحدة يقولون:
_ اجري!
يخبط رأسي شيء ما، أحس بالسائل الدافئ يسيل على قفاي، يهجم علي أحد من الخلف ويخنقني، أفلت منه وأجري، أنظر خلفي للحظة فأرى نفس الرجل الذي كان على الشاطئ، يجري خلفي، أقفز من فوق الحديد وأخرج من الطريق.
حولي صحراء، درجة الحرارة شديدة السخونة، يملأ العرق وجهي وجسدي، أخلع قميصي وأرميه على الرمال وأجلس لأرتاح قليلاً.
ــ ماما عمر فالنته فيها دم!
أنظر حولي، أعرف صاحبة الصوت، لا أرى شيئا إلا رمال، صحراء، حتى الطريق اختفى من خلفي، أمشي في اتجاه الشمس، وبعد قليل تظهر بيوت بعيدة، لا أعرف إن كانت حقيقة أم سراب، ولكني سأتجه نحوها على أية حال.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاتب مصري