قلولي بن ساعد*
لا أظن أن هناك أدبا دون إيديولوجيا وحتى المعرفة النقدية والفلسفية ذاتها فهي غير بريئة من الإيديولوجيا أيا كان شكل هذه الإيديولوجيا ومضمونها.
وعندما يتعلق الأمر بالمكون الإيديولوجي المبثوث بين طيات النص الإبداعي الحاضر فيه حضورا لافتا للنظر أو حضورا غائما فإن ذلك يستدعي من الناقد والباحث تفكيك مضمون هذا الحضور للوقوف على مدى صلته بقناعات الكاتب السياسية والإيديولوجية.
ولست هنا في وارد تكرار ما قيل بشأن جناية الإيديولوجيا على الأدب التي أشبعت بحثا وتنظيرا في الدراسات النقدية والأكاديمية التي تناولت هذه العلاقة الشائكة بين الإيديولوجيا والأدب منذ أن كتب السوسيولوجي الجزائري عمار بلحسن كتابه الرائد (الأدب والإيديولوجيا) في تسعينيات القرن المنصرم وحلل فيه بكفاءة علمية نادرة علاقة الإيديولوجيا بالأدب من خلال طروحات فيورباخ وماركس وألتوسير وغرامشي وغيرهم.
وهذا بالطبع لا يبرر بأي شكل من الأشكال الحط من شأن بعض النصوص الإبداعية الحاملة للمكون الإيديولوجي.
ولا حق لنا في إصدار بعض الأحكام الجاهزة على مؤلفيها.
وليس معنى هذا التعامل بنوع من الطهرانية أو الأصلانية مع نماذج أخرى من الإيديولوجيا المضادة للإيديولوجيا الماركسية التي هيمنت طويلا على المحمول الفني الملتبس بها في نصوص الأدب العربي في مرحلة ما بعد الكولونيالية في قلب المواجهات الجذرية لنصوص (الإمبريالية الثقافية).
من طرف كتاب الطبقات الوسطى القادمين من الأرياف والأحياء الشعبية الحاملين في نصوصهم الإبداعية نوعا من الإيديولوجيا الضمنية الغير مصرح بها بشكل علني كما تتجلى في المجهود النقدي الذي يقدمه ناقد عربي هو السعيد بن كراد في كتابه (النص السردي نحو سيميائيات للإيديولوجيا).
وفيه يكشف عن الأنساق الثقافية المضمرة لتجلي المكون الإيديولوجي الضمني في النص السردي.
ويطلق على هذا النوع من المكون الإيديولوجي (التسنين الإيديولوجي) وهو تسنين يرى أنه لا يملك (وجودا ماديا) بمفهوم ألتوسير ويالتالي لا يمكن محاسبة الكاتب الحامل لهذا التسنين الإيديولوجي الذي لا يضر بالقيم الجمالية والفنية للنص الإبداعي بوصفه فنا وليس خطابا حزبيا.
خلافا للإيديولوجيا المباشرة المعلن عنها أو تلك التي تتبدى في النص الإبداعي بوصفها تمتلك (وجودا ماديا).
حتى ولوكانت تتخذ من قضايا الكفاح المسلح والتحرير والتحرر والإلتزام السارتري والصراع الطبقي والنزاع اللغوي ومن الخطاب الهووي أو الهوياتي ومن الهويات والأصوليات الحداثية منها أو الأصلانية مرجعا لها.
دون أن تتجرأ على نقد مسلمات هذا التحيز الإيديولوجي وآلياته المركزية وإخفاقاته الممارساتية شكلا ومضمونا أو التعامل معه بوصفه معطى جاهزا قابلا للنقد والمساءلة الجذرية داخل طوق عام سيج المنجز الإبداعي الجزائري وأقعده طريح الأدبيات السياسية لمرحلة معينة من تاريخ الجزائر الثقافي تم فيه تحويل المنجز الإبداعي الجزائري وحتى الخطاب الفكري والأكاديمي إلى مجرد (سلعة ثقافية) بمفهوم أدورنو تحتاج هذه (السلعة الثقافية) إلى “جهاز إيديولوجي” من أجهزة الإعلام والثقافة والنشر والتقويم المعياري يضفي عليها المشروعية لدخولها مجال التبادل الرمزي والثقافي ضمن (الفضاء العام) بحسب الممفهوم الذي يضعه هابرماس.
و(الفضاء العام) كما هو معروف يقدم في الفضاء الثقافي العربي الذي لم تهب عليه بعد رياح التعددية الثقافية نتائجا عكسية إذ يعمل على مأسسة الخطاب الثقافي والتعامل معه بوصفه خطابا ملحقا بالخطاب السياسي الإيديولوجي أو معبرا عنه.
وهذا هو بكل أسف حال بعض نصوص المثقف العربي المنتمي أو (اللامنتمي) وليس المثقف الجزائري إستثناء.
……………..
*كاتب وناقد جزائري