كتب عنه الشاعر فتحي عبد الله:
إن تجربة الشاعر ‘علي منصور’ تأخذ أهميتها في سياق التجربة المصرية لكونها تطورا طبيعيا لأهم العناصر الفاعلة فيها والتي تدفعها إلى اكتشاف شعرية جديدة، تفارق الإيغال في التجريب اللغوي وكذلك المبالغة غير المبررة من الاهتمام بالشكل، وترد الاعتبار للمعني الشعري ومن أهم العناصر التي تم تفعيلها لدي الشاعر
ليس كل ما هو خفيف وسهل الاستهلاك قليل القيمة وإنما يشير إلى تغير المزاج البشري في حقبة ما بعد الصناعة إذ أصبح الإنسان يضيق بكل ما هو ثقيل ومركب وفي حاجة إلى تأمل واستبطان وهذه الخفة لها شروط كي تحقق شعرية النص، فهي في حاجة إلى خيال جديد، لا يصلح أن يكون مدنيا خالصا ولا أسطوريا خالصا وإنما يحتاج إلى نوع من التغليف ليبرر هذه الوحدة الجديدة. وهذه الخفة لها ميراث طويل في الشعر العربي وإن لم تمثل مركزه أبدا ودائما ما كانت الأقل أهمية في مواجهة ما هو ثقيل مع أن معظم التطورات والخروجات قد جاءت علي يد ‘الحفيفين’ مثل الصعاليك الذين خلصوا القصيدة العربية من التراتبية الذهنية واكتشفوا فعل العدل الإنساني ودفعوا الصراع علي رأس المال إلى أعلي درجاته، فكانت الدلالة الشعرية جديدة والشكل متطورا. وكذلك شعراء الغزل الذين تجاوزوا الأعراف الاجتماعية وأنشأوا أسطورة ‘المرأة’ في مجتمع قبلي يهمشها ويضطهدها حتى أصبحت في رؤيتهم الكلي رمزا ساميا متجاوزا لكل الأعراف والتقاليد. وهذا النمط قد خلص القصيدة العربية من الأغراض المتعددة في النص وساعد علي تكون لغة جديدة أكثر شفافية وأكثر اقترابا من الواقع.
و’علي منصور’ أول الحفيفين في قصيدة النثر المصرية منذ ديوانه ‘علي بعد خطوة’ حتى ديوانه ‘الشيخ’ اذ تخلص من اللغة الثقيلة بل واللغة المجازية وانحاز إلى لغة التعامل اليومي بما تمتلكه من سحر في الأداء واقتراب في الدلالة.
‘تفضل/ أيها العابر الخفيف، تعال/ هنا إلي جواري/ حيث نفسح للحكاية والدموع تخيل! / البنت التي كنت ارتبك كثيرا حينما أراها/ البنت التي.. دق قلبي عاليا حتى فضحني/ لما دنت’ .
إن الخفة دائما ما تدفع الأشياء سواء المادية أو الروحية إلى سرعة الحركة فخفة اللغة دائما ما تدفع إلى سرعة الإدراك. وهذا يتطلب من الشاعر معرفة حقيقية باللغة العضوية مما يقلل من دور المجاز في النص ويجعل النص قصيرا لا حاجة فيه للإطالة أو الاستطراد ومن أوائل الشعراء العرب الذين انتبهوا لهذه اللغة المادية الشاعر الكبير ‘سعدي يوسف’ فهو يراوح بين نمطين في الكتابة، نمط ثقيل ونمط خفيف والخفيف هو الذي يدفعه إلى التجريب والمغامرة والثقيل هو الذي يرسخها.
وقد طغت هذه السرعة علي نمط قصيدة النثر العربية دون وعي بآلياتها. وقد جاءت في معظمها عن طريق التقليد وسطوة النموذج الذائع إلا أن الشاعر ‘علي منصور’ من خلال رؤيته وطريقة كتابته ابن حقيقي لهذا النمط.
اللامكان
إن السرعة غالبا ما تخفف سطوة المكان لكنها لا تستطيع أن تنفيه أو تلغيه رغم أن الشعر ‘فن زمني’ إلا أنه في السنوات الأخيرة قد اعتمد علي السرد أو الحكاية وهذه التقنية تحتاج إلى مكان حتى لو كان متخيلا. وهذا المكان يتم تخفيضه وتخليصه من خصائصه وسماته. وإن حلت مكانة في حقبة ما بعد الحداثة ‘الطبيعة’ لا بمفهومها الحتمي وكأنها معادل رمزي لسطوة الآلهة في الحقب التاريخية القديمة إن فاعلية الطبيعة لا تخضع لفكرة الأنسنة أو المشاركة مع الجماعات البشرية وإنما ترجع في الأساس إلى أنها قيمة معيارية في حد ذاتها لها أفعالها الخاصة واستجابتها المحددة، إن ما بعد الحداثة قدرية بدرجة ما أو حتمية طبيعية. لا تحكمها أنساق روحية كبري وإنما ترد كل الانفعالات والأفعال إلى أشياء طبيعية كائنة وموجودة. فيقول الشاعر:
‘تهرب الحكمة من لغونا/ وتلوذ بصمت النباتات/ حتى إذا ما هرمنا/ وصرنا شيوخا.. صامتين/ عادت أدراجها/ وتوسدت/ تجاعيدنا’ .
إن الخيال دائما ما يرتبط بالسماع في كل الحقب التاريخية، وخاصة في الليل، حيث الرؤية تكاد تكون معدومة، إذن فالخيال نقيض الرؤية الواضحة. وقد سيطر هذا الخيال السمعي علي كل الفنون والمعتقدات في العصور الأولي، حيث الموجودات قليلة والحركة بسيطة والمعرفة في طورها الأول ومع تطور المجتمع البشري ووضوح الرؤية بدأ يخف دور الخيال السمعي من إبداع البشرية حتى حدثت المدينة والثورة الصناعية وبدأ الخيال البصري في السيطرة التي وصلت ذروتها في عصر الصورة. والخيال البصري يعتمد علي العين وهو غير معقد ولا يكون الإيقاع جزءا منه ويقوم علي خلق معني جديد من خلال تجميع الشظايا أو بلاغة التجاور كما يقولون وأهم شيء في النص هو البناء
……………
يمكنكم تحميل دواوين الشاعر: ثمة موسيقى تنزل من السلالم
…… . عصافير خضراء قرب بحيرة صافية