عاطف محمد عبد المجيد
بدايةً، وحتى لا يظن القاريء أن كاتب هذا المقال لا يفقه شيئًا عن اللغة أو فيها، والأهم حتى لا يرد ذكرنا بسوء في الجزء الثالث من الكتاب المذكور أسفله، أقول إنه، وأقصد العنوان، يلخص، وباختصار شديد، حجم الكارثة التي أصيب بها الوسط الثقافي والإبداعي، كما يشير إلى كم الجهل الذي يعاني منه كثيرون اقتحموا حرم الكتابة قافزين من على سُوره، بعد أن أغلق بابه أمامهم، بسبب جهلهم وعدم أحقيتهم بلقب كاتب أو سواه من عائلة اللقلب والكلمة.
من قراءة أولى لكتاب “رسائل ما قبل الآخرة 2..إشارات في عِلل وأمراض المثقفين” للشاعر أشرف البولاقي والصادر عن دار بردية للنشر والتوزيع بالتعاون مع دار مصر العربية للنشر والتوزيع، نجد أنه كتاب مؤلم ومحزن في الوقت نفسه، وليس ساخرًا وفقط كما كُتب على غلافه، إذ يرصد أخلاقيات سيئة يرتكبها بعض المثقفين والمشتغلين بمجال الكتابة، فضلًا عن آخرين عاديين.
في رسائل ما قبل الآخرة نتعرف إلى نماذج يبدو جهلها واضحًا تمامًا رغم أنها حشرت نفسها وسط المبدعين، ومنها على سبيل المثال عضو اتحاد كُتاب له العديد من الكتب غير أنه يقع فريسة لأخطاء نحوية فادحة لا يقع فيها تلميذ في المرحلة الابتدائية.مترجمة أخرى لا تفقه أي شيء عن اللغة التي تدّعي أنها تترجم منها، والحقيقة أن هناك من يقومون بـ “تظبيط” ما تترجمه بعد أن تكون قد حظيت بمساعدة العم جوجل، والمقابل لا يعلمه إلا الله وبعض الخبثاء.
ضابط وجندي لا يفرقان بين المصحف الشريف وأي كتاب آخر.موظف في الثقافة لا يعرف كيف يفهم كلمة ” وآخرون ” ويعتبرها اسمًا لشخص.كذلك من النماذج المؤسفة في كتاب البولاقي نجد نموذج الناقد الذي يسطو على أعمال الآخرين، ناسبًا إياها إلى نفسه، ونجد الرجل الذي يظهر على الفيسبوك بأسماء إناث ليختبر بها أصدقاءه، أو قل ليوقعهم في شر أعمالهم، مثلما تصور له نفسه المريضة، ونجد الإعلامي الذي يصر على الحديث بالعربية الفصيحة، وهو لا يعرف الفرق بين المنصوب والمرفوع والمجرور، ونجد من ينافقون الإناث ويصفون كتاباتهن بأنها بيضة ديك، وهي في الحقيقة لا تصل إلى خراء العصافيرK كذلك نجد المرأة التي تكتب على صفحتها سبابًا وشتائم لآخرين، مستخدمة ألفاظًا لا يليق برجل ذِكْرها، ونجد من يتسولون المشاركة في ندوة أو مؤتمر، ونجد، ونجد، ونجد…
حروب وخصومات
في مقدمة الجزء الثاني يقول البولاقي إنه فور صدور الجزء الأول من هذا الكتاب ونفاد طبعته الأولى أثار لغطًا وصخبًا في الوسط الثقافي المصري، ودفع الكاتب ثمنه غاليًا في عداوة الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم داخل الكتاب، وبدأت حروب وخصومات ومقاطعات لا يزال جزء كبير منها موصول وممتد حتى يومنا هذا. الأمر الذي يؤكد، كما يرى الكاتب، نجاح الكتاب فيما استهدفه من كشف وتعرية الواقع الثقافي والأدبي وممثليهما.
البولاقي رغم أنه لم يذكر أسماء الذين انتقد تصرفاتهم وأحوالهم في كتابه هنا إلا أن الحالات التي أشار إليها كشفت عن نفسها بنفسها بموقفها العدائي من الكاتب والكتاب معًا.هذا ويأتي الجزء الثاني من الكتاب، مثلما يقول البولاقي، ليؤكد على الحالة المَرَضية للواقع الأدبي والثقافي بإضافة الكثير من الحالات الجديدة التي تم رصدها مع الإبقاء على حالات الجزء الأول كما هي.كما آثر البولاقي أن يتطرق في هذا الجزء لبعض الأفكار الثقافية التي هي جزء لا يتجزأ من تجليات هذا الواقع. وقبل ذلك أشار البولاقي في مقدمة الطبعة الأولى إلى أن هذا الكتاب ليس كتابًا في الفضائح وليس كتابًا في الردح أو التلسين كما يتصور البعض، لكنه كتاب يبحث في علل الأدباء وأمراض المثقفين التي انتشرت واستشرت وباتت عنوانًا عريضًا لهم. هذا الكتاب ليس بحثًا علميًّا بالمعنى الدقيق بقدر ما هو رصد وتسليط ضوء على حالات بعينها.
البولاقي يقول إن العامة والبسطاء الذين ينظرون إلى ما يتمتع به الأدباء والمثقفون من خيال ومن إبداع وقدرة على الخلق بدهشة ممزوجة بغبطة أحيانًا، أو بحسد أحيانًا أخرى، فإنهم بعد قراءة هذا الكتاب سيحمدون ربهم على أنهم ليسوا أدباء ولا مثقفين، بعد أن يدركوا أمراضهم التي يعرفونها كالسرطان وتليف الكبد والزهايمر والإيدز أرحم كثيرًا وأخف ضررًا من تلك العلل والأمراض التي يعاني منها كثير ممن يظنونهم مبدعين أو أدباء…!
ملائكة ومصلحون
البولاقي يقر أن صفحات كتابه هذا تخلو تمامًا من الإنشاء والبلاغة، أو من جماليات الكتابة الإبداعية المتعارف عليها، فهي ليست صفحات في الشعر ولا في الأدب، لكنها صفحات في ” السيكوسيكو ” الأدبي والثقافي…!!
غير أن البولاقي يكتب هنا بلغة عذبة يُطعّمها أحيانًا بمفردات من العامية، مضيفًا بها دهشة ومتعة امتاز بها سرده للوقائع والأحداث التي يثبتها في الكتاب. ربما أراد البولاقي في رسائله هذه أن يُلفت نظر كثيرين ممن أصيبوا ببعض هذه الأمراض داعيًا إياهم إلى البحث عن علاج لهذه الأمراض قبل أن تستفحل وتستشري فيهم، حتى يحافظوا على صورتهم نقية أمام المتلقي الذي يظنهم، من خلال كتاباتهم، ملائكةً ومصلحين، أرسلهم الرب لإنقاذ البشرية مما هي فيه.كما أظنه أيضًا يريد أن يُلفت نظر آخرين لم يُصابوا بعد بأحد هذه الأمراض حتى يقوا أنفسهم منها، خاصة وأن الوقاية خير من العلاج.
في رسائل البولاقي وكما نطالع نماذج مريضة تتصرف بشكل غير مقبول وتتصف بصفات لا ينبغي عليها أن تُوصف بها، نطالع رأيه في بعض القضايا الهامة ومنها التعليم والثقافة والدين أيضًا.
وبعد أن أحيي البولاقي على جسارته في نشر هذه النماذج، شادًّا على يديه أن يواصل كشفه لكل ما يعمل على تشويه صورة المبدع الحقيقي، أنهي هذا المقال بهذه الرسالة التي وجهها إلى أحد المبدعين قائلا له فيها:
” المبدع الجميل/…
نت أكبر دليل على أن المبدع الحقيقي لا يخلو أيضًا من علة أو مرض، تمتلك من الوعي والثقافة والحكمة والخصال الطيبة الجميلة ما تمتلك، ومن الكتابة والإبداع ما نغبطك عليه..لكنك رغم كل هذا تطعننا جميعًا في ظهورنا، وتسخر من جراحنا..!”