غراميات سيمون دي بوفوار

سيمون دو بوفوار
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

ترجمة : سعيد بوخليط

تقديم:

لا، لم تكن سيمون دو بوفوار مجرد امرأة فاترة مكتفية بصياغة النظريات، أو فقط محض دماغ، منقاد خلف جان بول سارتر. بل، على العكس من ذلك مارست نزوعاتها العاشقة بجنون، حسب ألف طريقة ولم تتردد بخصوص إفصاحها عن ذلك.

مع احتفالات مكتبة لابلياد، بأيقونة الحركة النسوية، حاولت الباحثة جوزيان سافينو، النبش في صفحات رسائل بوفوار المتوهجة التي تتحدث عن نشوة الحب وفق رؤية عميقة وأنيقة.

*كلود لانزمان

بلغ سن الثانية والتسعين، غير أنه لايأبه بالوقوف كثيرا عند الماضي. يعكس خلف ظهره تراكما وازنا، وتتكلم باستمرار داخل مكتبه الكبير، صور بدلا عنه. واحدة منها تجسد بورتريه امرأة شقراء جميلة ذات بهاء، إنها “خطيبتي”، همس دون أن يضيف شيئا آخر.

صور سارتر وسيمون دو بوفوار؛ثم هو إلى جانب بوفوار، أصدقاء رحلوا؛وهناك أحياء، من بينهم الكاتب فيليب سوليرز. لقد عاش لانزمان مائة حياة، راغبا في المزيد منها، ويحلم بعدم موته قط. يسرد فيلمه (أربع أخوات)، الذي عرضته قناة آرتي شهر يناير الأخير حكايات عن ناجيات من مخيمات الموت دون أن يتطرق للمحرقة”. بوسعي إنجاز أشياء أخرى، لأني أمتلك ركاما من الوثائق”.

يظهر عدم اكتراثه بدلالة كلمة نوستالجيا، سوى مع استثناء واضح، ربما. فجأة، تكوم فوق أريكته ثم ارتشف جرعتين من النبيذ، وأخرج ورقة مطبوعة وشرع يقرأ مايلي:”هذا الاندفاع حبيبي، لكلِّ ذاتي نحوكَ :أحبكَ، جسدا وروحا بمطلق قلبي وروحي. وخلال كل مرة، يأتيني جديد عنكَ، يمثل أمره ولعا إضافيا. صغيري، صغيري، لاتكن مكتئبا. أنت مصيري، أبديتي، حياتي، بهجتي ثم ملح ونور الأرض. أرتمي في حضنكَ كي أمكث إلى الأبد فأنا زوجتكَ غاية اللانهائي”، لامغالاة ولاتكلف عاطفي بل تشعرنا هذه المقاطع بنوع من الابتهاج نسمعه عبر كلمات الحب. ثم يتابع :”هي فقرات رسالة توصلت بها من طرف سيمون دو بوفوار سنة 1953″. لقد ربطت بين الاثنين علاقة غرامية بين سنوات 1952و.  1958

لم يكشف لي كلود لانزمان عن الرسائل الأصلية، لأنه باع الوثائق منذ فترة إلى الجامعة الأمريكية يال، ولا أيضا القيمة المادية لستمائة واثني عشرة رسالة. تصرف، إن لم يشعره بالمرارة فعلى الأقل الحزن :”إنه أصعب قرار اتخذته طيلة حياتي، بادرت إلى تفعيله انطلاقا من قناعتي باستحالة إصدارها وأنا على قيد الحياة”.

لانزمان الرافض لشيخوخته يلزمه الإقرار بوضع الأمور ضمن نصابها الصحيح. أباح لنا بمضمون سرِّه حتى نكون فعلا متيقنين من حظوته الشخصية لدى بوفوار، سياق حياة مشتركة بينهما استحضره طويلا عمله :أرنب باتاجونيا، الصادر عن غاليمار سنة 2009.

هل كان بوسعه بيع هذا الكنز لو أمكنه نقل تركته إلى ابنه فيليكس؟شاب جميل، وضع صورته ببداهة فوق مكتبه :”لقد مات السنة الماضية بالسرطان عن سن الثالثة والعشرين”، استوى كلود لانزمان ثانية قليلا على أريكته، محاولا إجهاد نفسه كي يخفي تأثره :”تشير هذه الصورة فيما أذكر إلى برلين شهر فبراير2013، حينما حصلت على جائزة الدب الذهبي الشرفي. انظري كم هو جميل”.

بهدف السيطرة على قلقه، يعود إلى ذكرى بوفوار :”جمعتني معها حكاية كبيرة، مختلفة عن باقي الحكايات. لقد عشنا معا تحت نفس السقف”. خلال اللحظة التي تحتفل فيها مكتبة لابلياد بسيمون دو فوار، بإصدارها لجزأين يتضمنان مذكراتها، ترسم كلمات لانزمان صورة أخرى عنها، أكثر حميمة وتأثيرا.

تبرهن هذه الحكاية، إذا كان الوضع يقتضي دائما ذلك، أن اختزال بوفوار إلى أيقونة نسائية، أو فقط امرأة خاضعة لسارتر، كما يدعي أعداؤها، يشكل عبثا. طريقة لنفي فرادتها وكذا تعقيدها. زيادة على كون بوفوار تعتبر كاتبا كبيرا–ربما فضلت وصف كاتبة- فقد أبانت عن شخصية عاشقة وهائمة، بعيدة جدا عن معطى” السيدة المثقفة”، الفاترة، وقد انحصر اهتمامها في النشاط الذهني، مثلما تكرس وصفها سلفا، انطلاقا من اعتقاد مفاده أن امرأة فكرت ثم تجرأت على أن تكتب سنة 1949 كتابها ”الجنس الثاني”لايمكنها أن تعكس طبيعة”امرأة حقيقية”.

إذن، بخلاف التصور السائد، عشقت بوفوار بجنون، تبعا لألف طريقة، ولم تتوقف عن توثيق ذلك. مراسلاتها، التي خصصت لها منذ سن العاشرة، حيزا زمانيا ضمن أنشطتها الصباحية، شكَّلت مسارا جوهريا. أيضا، أشرفت على جريدة، لكن حينما تراكمت أمامها أعمال كثيرة، فضلت ترك الجريدة جانبا قصد مواصلتها الجواب عن مختلف الرسائل. حاليا، سيلفي لوبون دو بوفوار، ابنتها بالتبني، من تمتلك اليوم في حوزتها إرث جانب كبير من هذه الرسائل.

سيلفي لوبون، امرأة سمراء جميلة، تشبه قليلا تسريحة شعرها، أسلوب أمها، لكن دون ارتدائها عمامة مثلما دأبت على ذلك دائما سيمون دو بوفوار. أيضا، ابتعدت إلى حد ما عن شارع فيكتور- شولشير حيث عاشت بوفوار، المحاذي لمقبرة مونبارناس، لكنها بقيت عند الجهة اليسرى، ليس بعيدا عن شارع أليسيا. ينقسم بيتها إلى واجهتين، تمثل واجهته العليا فضاء للعمل، جدرانه جرداء تماما، ثم طبقة سفلى غطى جدرانها قماش ذو ألوان مثيرة للغاية. صور لسيمون دو بوفوار، وأخرى تجمعهما معا، صور سارتر، ثم قالب تجسيدي ليد صاحب مسرحية الأيدي القذرة… لاشيء يبعث هنا عن الحزن، فقط ذكريات تستحضر لحظات مفعمة بالبهجة وكذا الملذات المشتركة.

يوم 15 نوفمبر 1960، التقت سيمون دو بوفوار وسيلفي التي صارت ابنتها بالتبني. كانت الأخيرة تبلغ آنذاك تسعة عشر سنة. تدرس في الفصل التحضيري، قبل التحاقها بالمدرسة العليا للأساتذة وكذا اجتياز التبريز في الفلسفة. بادرت إلى مراسلة بوفوار، صاحبة رواية الماندرين، الحائزة سنة 1954على جائزة الغونكور، وكذا دراستها الجنس الثاني، الذي خلق سجالا تغيرت معه حياة العديد من النساء. تروي سيمون دو بوفوار بين صفحات سيرتها الذاتية المهداة إلى”سيلفي”Sylvie( منشورات غاليمار) :”اصطحبتها كي نتقاسم وجبة عشاء في مطعم يتواجد بالحي الذي أقطنه. بدت متوترة كثيرا، تفرك أصابعها بارتباك، وتجيب على أسئلتي بعينين شبه مغمضتين وصوت مختنق”. غير أنه سرعان ما انخرطت الطالبة والمثقفة في علاقة.

ستشارك سيلفي بوفوار، حياتها مع سارتر وأصدقائهما. رافقتهم خلال أسفارهم الجماعية غالبا، وناضلت بجانبهم وكذا مشاركتهم في تظاهرات نسائية كبيرة بين سنوات(1970-1980). لماذا؟يصعب دائما أن نفهم كيف سيتحول لقاء إلى صداقة. بل ويزداد اللغز فيما يتعلق بالحب.

سنة 1980، بعد وفاة موت سارتر، كشفت بوفوار لسيلفي عن رغبتها كي تتبناها. ترددت الشابة كثيرا. تقول بهذا الخصوص:”أكره هذه الفكرة المتمحورة حول أمٍّ/بنت، والتي لاصلة لها بطبيعة علاقتنا”. بل انتهت إلى إدراك، أن الأمر لايتعلق بإشكالية بنوَّة، لكن بهدف حماية تراثها الذهني. ماحدث بعد ذلك، أنصف اختيار بوفوار.

منذ سنة 1986، كرست سيلفي حيزا كبيرا من يومياتها للاشتغال على نصوص أمها بالتبني، حتى يخلد تراثها بعد وفاتها. في هذا الإطار، أصدرت ”دفاتر الشباب” وجانبا كبيرا من الرسائل. تقول:”وفق تصور سيمون دو بوفوار، يأخذ كل وجود بعدا مطلقا. لذلك ترفض خسارة أيِّ شيء، بل على العكس من ذلك، صيانة غبار اليومي. لقد حلمت غالبا بأن توثق مختلف تفاصيل حياتها على شريط صوتي هائل حتى تتم المحافظة عليها تماما. ولكي تقترب أكثر من هذا الحلم، وتنصف المباشر، ثم تقدم شهادة بخصوص عشقها الحياة، جاءت كتابتها للرسائل”.

*إليزابيث لاكوان

سنتجاوز علاقات غرامية، غير ذات قيمة كبيرة، خلال فترة مراهقة بوفوار، نرصد بعض تجلياتها في مذكراتها. لكن، تبقى الحكاية القوية لبداية شبابها، تلك الجامعة بينها وإليزابيث لاكوان، الملقبة ب”زازا”Zaza، فتاة التقتها في المدرسة نتيجة إلحاح”اللذة”. منذئذ، لن تبتعد الواحدة عن الثانية. لازالت رسائلهما تنتظر إخراجها إلى العلن مع أن بعضها تضمنته صفحات إحدى الكتب شبه المفقودة.

توفيت الصديقة المعشوقة عن سن الثانية والعشرين، خلال فترة بداية انطلاق مسار سيمون دو بوفوار. رحيل صديقتها شَغَل الصفحات الأخيرة من كتاب مذكرات شابة عاقلة (غاليمار) :”تظهر لي غالبا كل ليلة، صفراء تماما مرتدية قبعة وردية، ثم تفحصني بنظرة معاتِبة. لقد واجهنا معا المصير الموحِل الذي ترصد بنا، وظننتُ طويلا بأني أديتُ ثمن حريتي بموتها”.

*جان بول سارتر

لأنها قررت مواصلة دراساتها في تخصص الفلسفة- اختيار شجاع بالنسبة لفتاة خلال ذلك الزمان- صادفت سيمون دو بوفوار جمعا من الشباب الباحثين. أحدهم جان بول سارتر، إذا لم يكن أكثر هؤلاء تألقا فعلى الأقل يعتبر أكثرهم إبداعا. الشخص الذي امتلك سلفا فكرا، ورغبة أن يصير أكثر من مجرد أستاذ للفلسفة.

في حدود واحد وعشرين عاما، أدركت بوفوار، بأن سارتر سيشكل القضية الكبيرة في حياتها. هكذا، كتبت في الجزء الأول من مذكراتها مايلي، ويشير السياق التاريخي إلى سنة1929 :”بوسعي دائما صحبة سارتر، تقاسم كل شيء. حينما افترقنا بداية شهر غشت، أدركتُ منذ تلك اللحظة بأنه لن يغادر مسرح حياتي قط”. نعلم أشياء كثيرة عن حياتهما المشتركة، والثنائي الأسطوري لمثقفيْن مثلما شكَّلاه.

توخت أسفارهما، مواقفهما، مؤلفاتهما الإخبار عن أهم الحكايات المتعلقة بهما، وماتطلعا لتقديمه قصد النظر والتأمل. لكن الرسائل تمثل في الجوهر مكونا ضمن باقي مكونات عملهما. فما الذي ترويه ألف صفحة تقريبا للرسائل المتبادلة بين بوفوار وسارتر؟ علاقة خاصة جدا، “حب ضروري”، تتيح حرية أمام”علاقات غرامية محتملة”، ثم”حكايات ربيعية صغيرة”، مثلما قال سارتر. حقبة طويلة من حياتهما1930 – 1963.

نعلم، بأن سيمون دي بوفوار عشقت كل شيء في الحياة، موهوبة تماما من أجل السعادة. تعكس رسائلهما بهذا الخصوص دليلا ساطعا. عاشت أيضا لحظات الإحباط، غير أنها تطلعت مع ذلك في غضون أسوأ أيامها، نحو مابوسعه منحها المواساة. مثال بالصدفة :الأحد 17دجنبر 1939، تعيش فرنسا أجواء الحرب، تعبأ سارتر، تخاطبه بوفوار:”وصلتني منكم اليوم رسالتين عذبتين جعلتني سعيدة تماما. من جهة أخرى، قضيتُ وقتا رائعا منذ أن كتبتُ لكم :أمدني ذلك حقا بقدرة على الاشتغال، وإذا أمكنني القيام بذلك على امتداد باقي الأيام، سأتحلى يوميا بالجرأة”.

تطوي أيضا رسائلهما المتبادلة مجموعة أخبار عن الفترة التاريخية، بحيث تشبه جريدة يومية. تعتقد بوفوار، بأنها’تتقاسم كل شيء”مع سارتر، يبدو بالتأكيد هذا البوح مجرد هلوسة، لكنها فعلا ارتبطت به. جمع بينهما عقد للشفافية المطلقة. تتوخى قول كل شيء والاطلاع بدورها على جل مايحدث. تدرك مدى غرابة ذوق سارتر فيما يتعلق بالطبيعة، لكنها ليست من النوع الذي يخرق قاعدة تبنتها مبدئيا. إذن، لم تتردد في سبيل الإخبار عن مختلف تحركاتها. يلزم سارتر معرفة جل تفاصيل نزهاتها وكذا وصفها لمشاهد مناظر طبيعية رغم عدم اكتراثه بذلك. شهر يوليو1938، تواجدت بوفوار بالقرب من بلدة شاموني وقد طوت مشيا”تسع ساعات ونصف”. بالتأكيد، ابتهج سارتر لأنه فوَّت هذا الميعاد. تخبره بقولها:”صعدنا ثانية عبر أودية، واكتسحنا ممرات جبلية وتمتعنا بمشاهدة مناظر بانورامية رائعة، عايننا الكثير من الثلج والصخر، وليس كل شيء… بل أحيانا مرعبا قليلا لكني أطير فرحا، فلم أر قط أجمل من هذا المشهد”.

تشكل أيضا”الغراميات المحتملة” وكذا المشاعر، جانبا من العقد القائم بينهما. كل هذا ليس أساسيا، مادام سارتر يجسد الأفق غير القابل للتجاوز. رسائل بوفوار وكذا حواراتهما المتبادلة، الصادرة فيما بعد، أماطت اللثام عن هذا الحب المطلق. كما الشأن بالنسبة لصورة ملتقطة لها، ذات يوم سبت من شهر ابريل 1980، وسط مقبرة مونبارناس، أمام قبر سارتر لم يوراى عليه التراب بعد، أظهرتها منهارة، تائهة، ضائعة.

بجانب سارتر، لم تشعر بوفوار بالشغف الشهواني الذي كانت تضمره لآخرين، بل يتجلى توافق رائع، تواطؤ، خلق منهما ثنائيا خالدا، ارتبطا بطريقة أبدية، مغامرة بمثابة تمرين لحرية حقيقية. تعيش”القندس الجميل”هكذا رُمز إلى بوفوار في أغلب الوقت، اتحادا وثيقا كليا ”معكم ياعزيزي الصغير”، وهذا”الفيلسوف الطيب”، حيث أثار إعجابها أساسا قوته الفكرية.

نلاحظ من خلال هذه الرسائل، بأن اختيار بوفوار تقرر في سن الواحد والعشرين ثم سن الرابعة والعشرين بالنسبة لسارتر، ولم يتم قط التراجع عنه، بحيث ظل التزامهما سليما واستمر تمسكهما برهان الشباب، علاقة صمدت أمام كل شيء، دون زواج، وبلا أطفال. يواجهان تحديات الحياة، التباعدات، المغامرات العاطفية لدى هذا الطرف أو ذاك، وكذا هذا”الضوضاء”الناجم بالضرورة عن حرية وشغف الآخرين. حب يشرف على كل شيء. لم يمتثل قط وفاؤهما للتصور البورجوازي، بحيث لانتخيل إمكانية تدبيج بوفوار إلى سارتر جملة من قبيل:”لقد خدعتك مع فلان”. كلمة لايعرف أيّ منهما دلالتها.

*جاك لوران بوست

سنة1938، كشفت بوفوار لسارتر عن سر علاقتها مع جاك لوران بوست، أحد تلامذتها القدامى. تحكي بدعابة كيف وقعا في شباك الحب :”حينما غادرت، عشتُ واقعة ممتعة للغاية غير متوقعة. لقد ضاجعتُ الشاب بوست لمدة ثلاثة أيام – طبعا كنتُ صاحبة المبادرة- تقاسمنا هذا الاشتهاء. نخوض طيلة اليوم نقاشات رصينة أما الليالي فقد كانت قوية بكيفية لاتطاق”.

على عادتها وصفت بوفوار بدقة تفاصيل أخرى :”راقب أحدنا الثاني طيلة ساعة، نرجئ وفق مبررات شتى لحظة الفراش. كان يثرثر بشغف، بينما أبحثُ عبثا داخل رأسي عن جملة متهاونة وملائمة عجزت عن التلفظ بها. سأخبرك لاحقا عن التفاصيل بشكل أفضل. أخيرا، ابتسمثُ ببلاهة وأنا أتفحصه(…). فيما بعد، ارتبكنا طيلة ربع ساعة قبل أن يقرر تقبيلي، فاحتضنته بقوة. هكذا، قضينا يوميات غزلية وليالي هائمة”. الخلاصة الموجهة إلى سارتر : “لكن لاتخشون من أن تجدونني يوم السبت كئيبة، وتائهة أو غير مرتاحة”.

بين سنوات (1937- 1940)، تبادلت بوفوار وجاك لوران بوست رسائل يومية خلال فترات ابتعاد أحدهما عن الثاني. ومع اندلاع شرارة الحرب العالمية الثانية، حاولا الإبقاء على حس الفكاهة لديهما، بحيث نتابع كل يوم، حكايات ومقاربات بوفوار بين صفحات مذكراتها، وكذا رفضها لحرب، ظهرت فيما بعد على أنها عمى يبعث على الشفقة:”صغيري بوست المحبوب…لقد أكد لي سارتر البارحة، وأيضا اليوم أكثر، بأنه لن تندلع الحرب”(20مارس1939). غير أن طبول الحرب، دقت فعلا يوم 3شتنبر 1939، ويوم 17أكتوبر كتبت بوفوار مايلي :”يقال بأن الحرب اندلعت حقا :هذا يجمد عظامي. لايمكنني الاعتقاد مجرد لحظة تجنيدكم لخوض المعارك”.

عاشت بوفوار”تحولا جذريا ”نتيجة”هذه القطيعة في حياتها”، وكذا”هجمة التاريخ التراجيدية”، مثلما تشرح سيلفي لوبون بوفوار :”سيقودها عمل شاق حول الذات صوب مساءلة الفردانية، ولامبالاتها بالسياسة فترة شبابها، ثم بحثها الشيزوفريني عن السعادة”.

*نيلسون ألغرين

بعد متاهة الحرب، استضيفت بوفوار سنة 1947 إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإلقاء سلسلة محاضرات في عدة جامعات. حينما اكتشفت نيويورك، بنوع من الحماسة وسعت إلى تقاسم مشاهدها مع سارتر، لم تدرك آنذاك أن رحلتها تلك ستغير مجرى حياتها :”تجولتُ مشيا كل أزقة مدينة مانهاتن فاكتشفت حاضرة رائعة، وذات سمو يلامس الجبال، في نفس الوقت هي مدينة تنتزع من زائرها رغبة التطلع نحو زيارة مدينة أخرى. أريد البقاء هنا لبعض الوقت دون التعرف لأيّ شخص، قدر ماتمنحني هذه المدينة الدفء في قلبي، أشعر هنا بالحرية فلا شخص يراقبني، أظل نكرة حتى داخل الفندق. وضع رائع”.

وبما أنها قررت زيارة شيكاغو، فقد أخبرت صديقة الروائي نيلسون ألغرين بالذهاب لملاقاة بوفوار. هكذا، سيقضيان معا ليلة وظهيرة، قبل رحلة بوفوار إلى لوس أنجلس. ألغرين لم ينجز بعد عمله الأساسي :الرجل ذو الذراع الذهبي(غاليمار). اصطحبها لاكتشاف المدينة، أحيائها البئيسة، حانات الحي البولوني، عشقت بوفوار مختلف ذلك خاصة صعقة الحب نحو ألغرين.

اعتقد الغرين، بأنه نتيجة مفعول علاقتهما الغرامية، ربما تخلت بوفوار عن سارتر وفضلت بالتالي البقاء في أمريكا. بعد رحلات ذهاب وإياب عديدة، ستعود بوفوار إلى باريس، لكن استمر تواصلها مع ألغرين غاية . 1964يقول مقطع رسالة لها تؤرخ لسنة 1953، مايلي :”بين طيات إحدى أحلامي، إبان الليالي الأخيرة، أعلنتُ لكم بأني سأدفن في قبري وأصبعي يزينه خَاتَمكم، هذا ماأنوي القيام به. خاتمكم في أصبعي، ووجهكم داخل فؤادي قدر بقائي على قيد الحياة”. فعلا تمسكت بوعدها :ظل الخاتم ملتصقا دائما أصبعها.  

اتسمت غالبا الرسائل إلى ألغرين بكونها طريفة ومفعمة بالصدق :”لا، ياعزيزي نيلسون، أعترف لكم بأني لم أندم قط لكوني أوقعتكم في شَرَك الفخ. لاترغبون سوى في تسلية صغيرة خلال ليلة ربيعية جميلة، وأنا بدوري لاأتطلع سوى إلى ليلة ساخنة وهادئة بعد رحلة شاقة وطويلة إلى أمريكا، بقيتُ خلالها وحيدة ومضطربة. فقط ليلة ساخنة ومريحة بين أحضان رجل لذيذ، وستكتشفون لحظتها ماسيحدث لنا؟لقد وقعنا معا في الفخ. فلايمكننا التخلص من هذا الوضع، الأمر محزن، لكن بما أنه ظالم لنا معا على السواء، فلست نادمة بل سعيدة لأني اتصفت بما يكفي من المكر قصد خداعكم”. وقد ألحت بهدوء :”آه !لن أخلي سبيلكم أبدا، بقدر ما أستطيع؛سأمسك بهذا الفخ مقفلا بدقة، لأنكم منذئذ تنتمون إلي مثلما أنتمي إليكم”(28أكتوبر 1947).

تريد بوفوار أن تعيش هذا”الحب العابر للأطلسي”بزخم وشغف حد الجنون. إنها بوفوار أخرى غير معروفة، متحررة أكثر من ذي قبل، سعيدة، مجروحة أحيانا، هكذا تبرزها رسائلها المكتوبة بالانجليزية التي ترجمتها إلى الفرنسية ابنتها بالتبني.

مع ألغرين، لم تعد قط”القندس”(الكاستور)، بل هوية لتلك العبارة التي اختتمت بها رسائلها :”سيمون بأكملها رهن إشارتكم”. تروي لحبيبها الأمريكي مختلف يوميات باريس، أدبيا وسياسيا.

في المقابل، يفتقد القارئ إلى أجوبة ألغرين. ظلت في حوزة سيلفي دو بوفوار، وقد ترجمتها، لكن أمر إصدارها، يحتاج للأسف لترخيص قانوني يجيزه الطرف الأمريكي، حتى تتمكن دار النشر غاليمار من إخراجها إلى العلن. نكتشف جانبا من فحواها، عبر استشهاد بوفوار ببعض كلام ألغرين في جزئها الثالث من المذكرات، قوة الأشياء(1963) :”أنتم، لديكم سارتر وأيضا حياة معينة :أشخاص، فائدة فكرية ملموسة، يكتب ألغرين الذي تزوج ثانية زوجته السابقة، قبل انفصاله عنها مرة أخرى. لقد انغمستم في الحياة الثقافية الفرنسية وخلال كل يوم تحصدون إعجابا حول عملكم وحياتكم. أما شيكاغو فهي تقريبا أبعد من مدينة أوشمال عن كل شيء. لذلك، أعيش هنا حياة عقيمة متمركزة حصرا على ذاتي رافضا تماما التأقلم”. أوشمال، مدينة قديمة مكسيكية إبان حضارة المايا. عزلة ألغرين، تشعرنا بنوع من القسوة. أفق تحدس معه بوفوار بأن حكايتهما المشتركة :”محكوم عليها قريبا بالنهاية”.

رغم ذلك، استمر تمسك بوفوار بهذا الحب الفريد. تتطلع إلى الجسد”الساخن والمريح ”لعشيقها”التمساح”(لقب ألغرين)؛وهي”الضفدعة” الفرنسية البئيسة التي لم تتخيل مرة أنها ستبعث بكلمات منزاحة عن جادة الصواب إلى”فتى فظ” يصغرها بسنة تقريبا، جعل منها ”بلهاء”.

بوفوار لاتخيفها تلك الألقاب السخيفة قليلا المتداولة لدى العشاق. إنها شخصية حرة والسخرية لم تختف. هكذا، كتبت 8نوفمبر 1947 :”نيلسون حبيبي. لم يتغير أيّ شيء. دائما نفس الغرام بالنسبة إليكم، أنا متعبة جدا”.

سنة 1952، تعيش سيمون دو بوفوار في باريس، بعيدة عن ألغرين. تبلغ سن الرابعة والأربعين، وتشعر سلفا بكونها عجوزا. إحساس ثابت لديها، مثلما يوضح حوارها مع مجلة (La paris review) سنة :1964″لقد أحسستُ دائما بعمق أن يوميات الحياة، الانطباعات، المعيش، مختلف ذلك يتلاشى…إنها مسألة شخصية. تمثلتُ دائما بكيفية قوية جدا معنى الوقت المنقضي. اتجه باستمرار تفكيري إلى كوني بلغت عمرا متقدما. فمنذ سن الثانية عشر، تخيلتُ برهبة بلوغ المرء ثلاثين سنة، هناك شيء ما بصدد الاضمحلال”.

من المؤكد، بعد ألغرين، أنها وضعت خاتمة لحكاياتها الغرامية.  

ثم ظهر كلود لانزمان، شاب يبلغ من العمر سبعة عشر سنة تقريبا، انضم إلى هيئة تحرير مجلة الأزمنة الحديثة التي يشرف عليها سارتر. مثلما بدا واضحا، فقد وجه اهتمامه نحو بوفوار. هكذا، دعاها ذات أمسية إلى السينما. سرعان ماأدركت بأن الدعوة مجرد ذريعة، رغم ذلك استجابت. استمر غرامهما غاية سنة 1958، ثم أعقبته صداقة أنهاها فقط موت بوفوار.

بوفوار، المتطلعة بالأحرى نحو التعايش، رحبت بأن يتقاسم معها لانزمان فضاء بيتها. وقد كشفت إلى ألغرين عن هذا المستجد بواسطة رسالة بعثت بها يوم 3غشت 1952 : “آه، يانلسون، لقد حدث معي أمر غير قابل للتصور :يوجد شخص أبدى تعلقه بي، أكثر من ذلك يعشقني. وضع جعلني نصف سعيدة ونصف حزينة :سعيدة لأنه وضع جاف أن يعيش الشخص بلا حب، وأيضا حزينة مادامت أمنيتي انحصرت في أن لايعشقني أيّ شخص ثان سواكم…أنا مغرمة به، سنعيش خلال شهر أكتوبر تجربة حقيقية، لقد ذهلت جراء ماوقع قطعا وصدقا. لقد استقر عزمي قبل ذلك، على أن أحيا كامرأة عجوز، حياة بلا حب. بالنسبة إليه، لازلت شابة وقد أحبني”.

فيما بعد، وتحديدا يوم 15فبراير1954، كشفت له بوفوار مايلي :”تتساءلون إن لازالت حياتي منطوية على السحر. لم أتكلم منذ فترة عن حياتي لأنه مثلما يقولون، يتعب الاعتراف بالحقيقة، مجمل الحقيقة. نعم، نحتاج إلى نزهات طويلة على امتداد نهر السين وأنهار أخرى كي نتبادل بيننا الحكي بكيفية هادئة”. ولأن هذه النزهات لن تتحقق على أرض الواقع، فقد استطردت بوفوار :”غير أني سأبذل مجهودا. وقد سبقتموني بهذا الخصوص. حسنا، بالتأكيد اختفى هذا السحر. لقد وُجِد، ولن يعود قط. أولا، وربما في مقام ثان، لايهم، نتيجة دواعي عمري، أجدني أكثر فأكثر تحت سطوة العالم المحيط بي، وقد توقف سحره نهائيا. ثم، أساسا، لم يعد في وسعي أبدا أن أُغرم، أو أعشق بالكيفية التي أحببتكم بها. شعور انتهى إلى الأبد”.

مثل كل عشاق العالم، تواعدا على أن يموت أحدهما بين ذراعي الثاني. مات ألغرين عن عمر، يناهز السادسة والسبعين، وحمل معه كثيرا من الضغينة إلى بوفوار المتوفاة سنة 1981، عن عمر الثامنة والسبعين. لكن غاية أقصى حد، ظل نيلسون و بوفوار متأكدين من غرامهما غير القابل للتحقق، المستحيل، مع انه استدرج بهما نحو مغامرة جميلة بقدر ألمها.

12يوليو:1956″تقولون : يصعب جدا محو كل مامضى. طيب، ينبغي لكم بنفس المعنى معرفة مدى قسوة وقع ذلك بالنسبة إلي، بحيث لن يتلاشى هذا قط بكيفية مطلقة(…). أشعر دائما بعمق ارتباطي بكم، من خلال علاقة دافئة، حية، رائعة أساسية، أفهمكم مثلما أعلم بأنكم تفهمونني”.

فيما يتعلق بكلود لانزمان، فقد طرح أمام العموم مراسلاتهما، بالتعليق عليها، وهذا مقتطف من رسالة كَشَف عنها سنة 2008، بمناسبة مئوية ولادة بوفوار :

“الخميس صباحا،

حبيبي،

يامرشدي(الإحالة على فترة سفرهما إلى الهيمالايا)، وحصاني الأسود الصغير، ووردتي على امتداد هذا العالم(زرنا قبل ذلك دَيْر جبال البرانس)، صغيري، أحبكَ ياحبيبي، وكم أنت مغفل !نعم، ياقلبي، أعشقكَ غاية الأبد، غيابكَ يقتلني، أنا لكَ :ألا تعلم؟ لحسن الحظ أنكَ استعدت صوابكَ يوم الاثنين، وإلا بادرتُ لتوبيخكَ بسبب كتابتكَ لأشياء من ذلك القبيل. كما لو أنكَ لم تكن ممتزجا بي، جسدا وروحا، كما لو أنك لاتعلم هذه الحقيقة ! آه !أودّ احتضانكَ بقوة، فأتحسس رقبتكَ وأنا أكرر لحظتها، حبيبي، كم أنت مزعج. بعد أسبوع سنكون متعانقان”.

وأضافت بوفوار بأنها على استعداد كي تنتظره سواء في سالزبورغ أو ميونيخ، حسب رغبته، مع تأكيدها :”في حالة حدوث أمر طارئ أو مانع معاكس، سأكون على الأرجح يوم الاثنين وبشكل يقيني يوم الثلاثاء في فندق غولدينير هيرش، حيث بوسعك إرسال برقية أو الاتصال هاتفيا. أفتقدكَ بكل الصيغ، فلتأت بسرعة. احضني. امتزج بي. أتفحصكَ بدموع الحب، أعشقكَ حياتي، زوجتكَ و قندسكَ”.

من الرائع دائما الإصغاء لبعض تعابير بوفوار. لكن، حينما قرأنا الرسائل الصادرة، لاحظنا بأن مضامينها لاتخبر سوى بالقليل عن علاقتها مع لانزمان. إذن، وحدها رؤية متكاملة لرسائلهما تتيح المجال لإعادة رسم بعدها التركيبي. من أجل ذلك، يعتبر أساسيا عقد اتفاق بين سيلفي لوبون دو بوفوار وكلود لانزمان.

حينما زرتُ سيلفي دو بوفوار، خلال شهر فبراير، أدركتُ سخطها لكونها قرأت في جريدة”لوموند”قبل أيام حوارا مع كلود لانزمان بخصوص رغبته المتعلقة ببيع رسائله مع سيمون دو بوفوار وقد أوضحت بأنها لاترغب في خروجها إلى العلن.

تستبعد ابنة بوفوار كلمة”المنع”، موضحة في المقابل معارضتها لكل إصدار جزئي :”أخبرتُ كلود بموقفي سنة2008، إبان لقاء فكري حول مئوية ولادة بوفوار. كنتُ دائما متفقة بخصوص إصدار رسائلهما. لكن، قبل ذلك، أرغب في الاطلاع عليها، وسبر مضامينها، والتيقن من أنها قد حافظت على أصالتها وتكاملها”. ترفض سيلفي دو بوفوار :”أن نتوافق مع التاريخ”، من خلال حذف لرسائل تزعج أحد الطرفين، أو كليهما.

النزاع معقد بين الاثنين. هكذا، يعتقد لانزمان بأن ابنة بوفوار ترغب في إبعاده عن مشهد والدتها، والحيلولة دون قراءة رسائله الغرامية. تأويل، اعتبرته سيلفي مثيرا للسخرية، قياسا لمختلف المسودات التي قدمتها إلى غاليمار :ستمائة رسالة إلى نيلسون ألغرين، ثم سبعمائة وثمانون صفحة تضمنتها مراسلات متبادلة بين بوفوار وجاك لوران بوست، أو أيضا سبعمائة صفحة شملت رسائلها إلى سارتر، والتي عثر عليها بعد وفاة والدتها سنة 1986، وانكبت عليها باهتمام كي تفكك رموزها. تساءلت الوارثة في المقدمة :”أليس المأمول حاليا قول كل شيء بغية إظهار الحقيقي؟أن نضع جانبا بفضل قوة الاعترافات المباشرة، مختلف الاكليشيهات، الأساطير، الصور، جل الأكاذيب، بهدف إماطة اللثام عن الشخصية الحقيقية؟”.

من شاهد يوما شكل الخط في مسودات سيمون دو بوفوار، ستتجلى أمامه بوضوح ضخامة منجز سيلفي. آلاف الساعات قصد فحصها النصوص، الرسائل، ومختلف المسودات. لقد أبدى سارتر تذمره من الوقت الذي يلزمه حتى يتمكن من قراءة رسالة للقندس (كاستور).

 بوفوار نفسها، اعترفت برداءة خطها إلى نيلسون ألغرين :”لاأعرف كيف تستطيعون تفكيك مضامين رسائلي، أخشى عدم اكتفائكم بوضعها في سلة المهملات، لأني أعجز تقريبا عن إعادة قراءة ماخربشتُه صباحا”.

تواصل سيلفي تلقيها نسخا، بعث بها مراسلون يتوخون إثراء أرشيفاتها، مثلما تتطلع إلى إصدار رسائلها الشخصية مع بوفوار؟هاجس يشغلها. الموضوع حساس، ويشعرها الإلحاح بالانزعاج. تدرك بأن رسائل الكاتب ليست مجرد وثائق خاصة بل مكونا إلى جانب باقي مكونات الميراث الفكري.

شكَّل بالنسبة إليها صنيعها حيال إرث بوفوار”مسألة بقاء”، مثلما اعترفت إلي. قبل أن تضيف :” يمثل مشروع إصدار رسائلي معها، قضية أخرى. إنها حياتي، وغاية الآن، تظل في حوزتي أنا فقط”.

طبيعة موقفها كما لو استدارت وجهة ذاتها، وكذا سياقات حياتها التي ترويها هذه الرسائل.

*مرجع المقالة :

Vanity Fair France ;numéro57. Mai 2018.                   

             

 

    

                     

 

مقالات من نفس القسم