أشتاق إلى عزلتي

موقع الكتابة الثقافي art 37
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

روايا خليل آل ربيعة

طارد الشمس..
طارد الهواء..
طارد الوحدة يا قلبي المزدحم
يا قلعة الضجيج
يا أمل الثرثرة

حلقي بعيدا أيتها الصيحات المرتبة
وألفي أغنية عن الصيف
حتى لو كنتِ إلى هذا الوقت في صراعٍ مع الجليد

تجاهلي أذيال الضباب الكثيفة
وأشباح المساء
ونقيق ضفادع البحيرة
تجاهلي فرقعة المستنقعات
بمشهد الأيام النظيفة
وبأجنحةٍ بيضاء
أصلحي دمار الحرب والثورة

تجاهلي حتى طبول الاحتفال
وطلبات الأطفال
بالصعود على ظهرك
لا بأس.. سيتفهمون يوماً أنه نوع آخر من الاحتفال
وإن كنتُ أغادر أحدهم لأجل العزلة..
فلستُ أغادره وحده..
بل العالم كله..
باحثة عن إرشادٍ وتعاطف

فيا عزيزي الإنسان الذي لا يعرف رفاهية الصمت
عند من يخرج لطريق الغابة وحيدا بكل الأعباء..
لا تحكم على عزلتي..

لا تحكم على عزلتي..
إن لم تخرج للطريق.. كبقايا إنسانٍ يحمل في ذراعه سلة فارغة
ليجمع نفسه وشتاته.. صوته وآثاره وذكرياته
يذهب في الطريق.. ليتذكر نفسه.. ليس اسمه
ليس عائلته.. ليس رفقته.. ولا حتى ذاتية سيرته
بل ضميره.. بل طبيعته
يذهب في الطريق.. دون هويته

لا تحكم على عزلتي
فربما ستشعر مثلي يوما
أنك شبح على هامش الوجود وماهي إلا ثوان حتى تتلاشى
بعد أن كنت تصدق أنك وجه حقيقي

لا تحكم على عزلتي
فربما ستكتشف مثلي يوما
أنك أضعت دورك في المسرحية
ونسيت نصك في السيناريو
بل أن حتى دور الشجرة لم يعد شاغرا
ولم يعد بإمكانك أن تنسحب للخلف ولا للظل
لأن مقاعد الجماهير والأزياء التنكرية قد سُرقت جميعا

لا تحكم على عزلتي
فقد يتحتم عليك يوما
أن تواجه العالم بأسره وحدك
بعد أن أشفقوا عليك فأعطوك أدواراً مسرحية
كان أهمها مَشاهِداً بدقيقتينِ وتموت
ثم تأتي الحياة لتشفق عليك مثلهم
فتعطيك مشاهداً حقيقية لتموت.. وتقاوم أنت ذلك

ورغم تحديدهم لمصيرك مسبقاً
تقاوم بسيفٍ صديء
بإرهاقٍ بأرق
فتعتزل النزاع سواء هُزمت أو انتصرت
وتختار العزلة لتجد السلام فقط
فلا تحكم على عزلتي

لا تحكم على عزلتي
فهنا على مسرح الأرض ازدحامٌ كبير
وأجراس الأعناق تهتز بنفس الإيقاع
أما جرس الحياة الفاضلة.. مدينتي الفاضلة التي في قلبي
فهو محرف..
فهو لا يلقى السكينة ها هنا.. في هذا العالم المتشابه المزيف

في هذا المجتمع الذي ينسخ بعضه بعضا بدلا من أن يتكاثر
في هذا المجتمع الذي يخترق قوانين الطبيعة ويكرر المصائر

ويا عزيزي الإنسان الذي لا يعرف رفاهية الابتعاد
أنا بحاجةٍ للعزلة..
بحاجةٍ للنافذةِ.. للرياح.. للحريةِ في تنهيدة
لأنغامِ نايٍ جديد..أو قيثارة.. وربما جريدة
أنا بحاجةٍ لضحكاتٍ ودموعٍ وأفكار.. ورقصاتٍ جديدة
بحاجةٍ لمزهريةٍ وعهدٍ جديد.. وآفاقٍ بعيدة
لهذا.. أنا أشتاق إلى عزلتي
أشتاق إلى عزلتي..
رغبة من روحي التي تشتهي امتزاجا مع التربة
لأنمو كسنبلةِ قمحٍ صفراء
رغبة من روحي التي تشتهي امتزاجا بالحلم
لأنبهر بقشةٍ.. أو بعشبٍ مبلل
لأنبهر وأنا أرى نفسي في حبات التوت
وأنبهر وأنا أتنفس الضوء
وأتنفس الموج بخياشيم السكوت
لأنجو بعزلتي لبعض الوقت

فأنا لبعض الوقت
أحب أن أعود للحياة.. كلونٍ من قوس قزح
كرائحةٍ من فطيرة تفاحٍ بنكهةِ الريف
أحب أن أعود لحياتي
كفراشةٍ.. كغزالةٍ.. كخنفساءْ
كفلاحةٍ بصدى أغنيةٍ شعبية
تزرع الهندباءْ
أحب أن أعود لحياتي كما هي أنا في الأصل
وردا ورياحينا وتفاصيل عزباء

فلا تحكم على روحي وسجيتي
فأنا لبعض الوقت أشتاق إلى عزلتي

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم