فرانسوا باسيلي

فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حديث القرين 

لي قرين 

يجلس مثلي 

في عرين الوحشة 

كأنه أهلي 

وكأني ريشةٌ هشة 

في لهاثه التي تلفحني 

كلهاث روحٍ

تترك الأرض حزينة

علي جناح الدهشة 

 

لي قرين 

يحتل جسدي 

يكتب كل يومٍ بيت شعرٍ بيدي 

وكل بيتٍ يكتب

يصيبني برعشة  

 

كأنه أنا الذي أكتب 

أو كأنه يكتبني 

ويمحيني 

لي قرين 

يقتلني 

ويحييني 

وأقتله 

في حلمي 

وفي يقيني 

مكانه مكاني 

زمانه زمني 

لا فرار لي منه 

كأنه 

البعيد

وطني 

 

بدا وتجلي 

كمن يعلو ويعلي  

دنا وتدلي 

ومال كأنه يملي 

كتاباً لا ينجلي 

وبدا لي 

كشبحٍ يحوم حولي 

يحضنني كظلي

ثم يخطفني صاعداً هابطاً 

من جبلٍ يشبه صنين 

أو سانت كاترين  

فارتجفت قلت من أنت؟ 

قال أنا القرين 

قرينك الخالق الناطق الأمين 

قلت انتظرتك قرنين وألفين 

ولم تأت من قبل ومن بعد 

كأنك لا أحد 

كأنك بحرٌ له جزرٌ بدون مد 

كأنك سؤالٌ ليس له رد 

 

قال جئت أحدثك

 حديث الأمس والغد 

أول الزمن وآخر الزمن  

لتعلم أن كنت تعلم 

أو تحلم إن كنت تحلم 

وفي كل حالٍ لا غبار عليك 

قلت حدثني إذن 

لعلك كل ما بقي لي 

من حسرة الوطن 

 

قال وقد تملكه الحنين 

إلي سرير شهرزاد 

كنت أسكن رحمها الرحيم 

كالجنين 

أشرب لبن الجن 

وأقضم خبز النهد 

كالقرابين

وأنهل من منبع الموت والميلاد 

من جزع شهرزاد

صرت يافعاً فتيَّا 

صرت فيك وأنت فيّا

 

حدثني حديث مسافرٍ 

تبع السراب من الوهاد للوهاد 

ضاحكاً وباكياً .. دَانِيَا قَصِيَّا

لا يصل مكاناً ولا يستقر 

حدثني حديث مهاجرٍ 

حلق دون أجنحة 

ترك البلاد تضرب البلاد 

وفر لأجل خلاص روحه الفرحة

ونفسه الحزينة حَدَّ الموت 

حَدَّ نواح الأضرحة 

وأنين الزنازين 

 قال أنا قرينك 

إلهي إلهك 

وطني وطنك 

نفسي حزينةٌ مثلك، وأنا حزين 

 

قلت لماذا جئتني، أين كنت؟ 

ولماذا تأخرت إن كنت تأخرت 

فربما زمانك غير زماني؟

قال إلهي إلهك 

لكن زماني ليس زمانك 

بيننا الأيام والأماني 

قلت عاتباً تركتني وحدي 

وأنت روحٌ من روحي

وجسدٌ من جسدي 

ألست أخي ابن أبي وأمي؟ 

ألست إبن الانسان وابن الشمس 

إلهي وإله الأقدمين؟

كيف تركتني ريشةً بيضاء 

في مهب الغزاة 

والدعاة

والطغاة 

ولقمةً علي موائد المقامرين  

وحدي أحارب الصباح والمساء 

أدفع عن نفسي جيوش المحاربين 

دود الأرض وحيات السماء

كيف تركتني وحدي 

تطعنني حراب الأعداء والمحبين 

كأنك تريدني

عريساً في صفوف الشهداء 

حياً أرزق عند ربي 

راضياً مرضيَّا 

  

قال خفف عنك 

لا تلمني علي طبيعة الأشياء 

فلا أنا ولا أنت  

من يطعم الطيور في الفضاء 

فلتقبل ما ليس بيدك 

وتغير ما بنفسك 

عندها تدخل إلي فرح سيدك 

وتزف في ليل عرسك 

 

قال أنا قرينك، لكني لم أعد أفهمك 

لا تشي بما في نفسك 

صامتاً، إلا ما تيسر من شعرٍ 

لم تعد بالفكر والأحاديث سخيَّا 

ماذا جري؟

قلت جري ما جري 

ما يري ومالا يري 

ربما انشقت الأرض تحتي ألف شق  

ربما رأيت أن الحق ليس الحق 

والحق كان معي، واستدار عليَّا 

 

 

قال لو تُفْضِي بما فيك

قد يخفف عنك 

فنحمل العبء سويَّا 

 

قلت لا الإفضاء ولا الإسراء يجدي 

فما عندي يظل عندي 

وما لله لله 

قال ضاحكاً: وهل أنت قيصر؟

قلت شيءٌ من قيصر في دمي

وفي الروح شيءٌ من الله 

قال ألله الله

كأنك قد أتيت بكتاب 

من أين هذه الرؤية العلوية؟ 

قلت أغلقت عيني عن التراب 

وفتحت قلبي لصبية 

تمشي علي أصابع السحاب 

كفرسٍ في موكب الفرعون 

شدتني خلفها لنجري 

وما أزال لاهثاً 

أدري ولا أدري 

بما سنفتح من ممالكٍ سحرية 

 

قال بعد صمت 

إبق كما أنت

كما عرفتك صافياً نقيَّا  

قلت لم تر ما كان خفيَّا 

قال أراك تحمل في روحك 

صخرة الكون، أو جبلاً عتيَّا 

ثم قال مداعباً 

أو ربما هو مخاض قصيدة

وما كان الشعر عليك عصيَّا

لعل القصيدة سر العذاب  

قلت بل هي الثواب والعقاب

تزين لي حضور عرس الأرض 

وتعد لي طقس الغياب 

ولا أقسي علي نفسي سوي الغياب 

قال هل غاب أحدٌ من الأحباب؟ 

قلت غابوا دون أن يغيبوا 

كما يغيب في حضوره السراب 

يجيئون من أمسي ومن غدي 

فأقيم عندهم ويقيمون عندي 

أبعد من عيني وأقرب من يدي 

غابوا ولم يبرحوا

روحي ولا جسدي 

 

قال لم أعد أفهمك، ماذا دهاك؟ 

أين بهذا الفكر وهذا الشعر تذهب؟

أين تشرق؟ أين تغرب؟ 

أين تهرب من سياط الأساطير 

من حملك الكبير والصغير 

أين تهجع أين سكناك؟

يا قريني عد لنفسك 

تكلم كي أراك 

 

قلت ما نفع قولٍ لم يعد معناه معناه 

كيف أعود 

ولا عودة لمنفيٍ من منفاه 

ولا لمن كان غريباً شقيَّا 

عاش في برديةٍ لإخناتون 

صار أبطالها نسياً منسيا 

إلا في فؤاده الأسيان

وكأن لا سلوان في النسيان 

من مصر دعوت نفسي 

سفر الخروج بلا خروج 

سفر الدخول بلا دخول 

لا وصول ولا حلول 

لا فرار ولا نجاة 

فالقلب هو القلب 

والرب هو الرب 

وشهرزاد هي الحياة  

يظل عشقها ناصعاً وفاجعاً 

ورائعاً شهيا 

وأظل في غفوةٍ بين ذراعيها

سامعاً وطائعاً

ظامئاً وجائعاً

ما دمت حيَّا 

 

صمت القرين 

كمن طعن في السن عتيَّا

وسار مثقلاً 

في الطريق الهابط إلي سكناه 

وسرت مسرعاً 

في الطريق الصاعد إلي الله 

أطويه طيَّا

 

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم