عاطف محمد عبد المجيد
في ديوانه ”يمشي في العاصفة“ الصادر عن دار آفاق للنشر والتوزيع بالقاهرة، لا يكتب الشاعر عزمي عبد الوهاب قصائد نثر، بل يرسم لوحات شعرية بديعة، تُلْقي بالدهشة على كل من يقف أمامها قارئًا لها، أو متأملًا خطوطها وتفاصيلها، مغيّرة مفهومه عن الشعر الذي كان يطالعه من قبل، بعد الوقوع على شعر يمس أعماق النفس الإنسانية، معبّرًا عما يجيش داخلها من مشاعر متباينة.
في ديوانه هذا يبدو عزمي عبد الوهاب منحازًا للقصيدة السلسة البسيطة المليئة بالشعر الفاتن، فكرةً وصياغة وسردًا، يبدو منحازًا للشعر الذي يهز أوتار وجدان القاريء قبل أن يُحلَق في فضاء عقله وتفكيره. كما يبدو أيضًا أن القصيدة تُمثل بالنسبة له حائط فضفضة وبوح، يلجأ إليه الشاعر كي يُخرج ما في داخله، ليشاركه المتلقي عذاباته وأفراحه، ويُدْخله عالمه الخاص، الذي شكّله هو وفْق رؤيته الخاصة للحياة وللوجود:
”ما جدوى أن تدق بعنف
باب امرأة
نائمة في جب سحيق؟
ما جدوى الحياة؟“.
الديوان يمكن تقسيمه إلى قسمين، أولهما يحتوي على عدد من القصائد القصيرة، التي يصور كل منها مشهدًا أو حدثًا إنسانيًّا، يجمعها معًا عنوان واحد هو ” لرجلٍ حمل البحرَ على كتفيه “ وتحتل مساحة سبعين صفحة تقريبًا من صفحات الديوان التسعة والتسعين، فيما يحتوي القسم الثاني من الديوان على ثلاثة قصائد هي: سأحكي لكِ كثيرًا، يمشي في العاصفة، اتركيه لحاله يا حنين.
في قصيدته متحف الشمع يرسم عزمي عبد الوهاب لوحة تشكيلية تتكون مفرداتها من الأشجار، العصافير، القطارات، الهواتف التي لا تنقل كلام المحبين، النساء اللاتي استسلمن في معركة غير متكافئة مع الوحدة، الأطفال الذين شاخت براءتهم: ”فيا إلهي:
حرّر هذه المدينة
من قبضة امرأة
حبست الشمس في كفها
قبل أن يتحول الكون إلى متحف للشمع“.
أما في قصيدته رغبة فيكشف الشاعر عن أسباب جديدة للسفر:
”السفر رغبة تتجدد
كلما أوشكت امرأة على البكاء
وعجز شاعر عن كتابة قصيدة لامرأة
حافظت على حريرها
حتى يريح الشاعر رأسه ويحلم“.
الشاعر يسأل أباه في قصيدته يا أبي، لمَ لمْ يخترْ له اسمًا غير اسمه حتى يعرف نفسه إذا ما ناداه صوت من الماضي؟ وخيبة أمل تعرض لها الشاعر تكشفها لنا قصيدته جثة:
”حفنة ذكريات ضالة
دفنت على بابها
صارت جثة
معروضة في الأسواق
لا يسمع أنينها العابرون
مَن يشتري جثة
سوى رجل خائب مثلي؟”
وفي قصيدة المعنى لا يجد الشاعر معنًى للثورة ما دامت لم تزر بيت حبيبته، ولا معنى لهتاف: يسقط…ما دام هو سقط من ذاكرة الهاتف، بل لا يجد معنًى للمعنى أيضًا.الشاعر يرى أن القصيدة لابد وأن تذهب إلى الجحيم ما دامت لم تُدفّيء غرفة امرأة في الشتاء، بل إن الله سيعذب هذه القصيدة كثيرًا لأنها نامت في أوراق شاعر وتركت امرأة تتعذب في برد الوحدة.
هنا نجد قصائد كثيرة تسكن غلافيْ هذا الديوان، تُعبّر عن مشاهد حياتية وإنسانية، يعيشها كثيرون بكل تفاصيلها، منها مثلًا قصيدة مسافة التي ترصد بُعد المسافة بين زوجين ينامان على سرير واحد غير أن الفاصل بينهما كبير:
”اثنان في السرير
بينهما مسافة
أنفقا العمر في اجتيازها
وحين اقتربا
كان شخير أحدهما يعلو“.
بديوانه هذا حاول عزمي عبد الوهاب، قدْرَ ما يمتلك من أدوات فنية وفكرية، أن يُغير مفهوم الشعر، من مجرد كونه قصائد جافة، إلى قصائد حية طازجة تقترب من روح الإنسان وتمتزج معها، مؤثرة فيها، محوّلةً إياها من مجرد كيان لا إحساس فيه، إلى كائن يتعاطى مع حياته وحياة الآخرين كما ينبغي.