يعد ديوان “يملأ فمي بالكرز” الصادر عن دار “الأدهم” إبان وفاة الشاعر الراحل فتحي عبدالله صباح يوم الخميس 18 فبراير2021، هو ديوانه السادس وعمله الأخير المنشور، بعد دواوين: راعى المياه-هيئة الكتاب1993، سعادة متأخرة -هيئة الكتاب1998، موسيقيون لأدوار صغيرة-هيئة قصور الثقافة2000، أثر البكاء-هيئة قصور الثقافة 2004، الرسائل عادة لا تذكر الموتى– منشورات الدار 2007
لكن شاعرنا الراحل أعلن على صفحته الشخصية على فيس بوك أنه انتهى من ديوان جديد أطلق عليه اسم(للجبل رعاة لا ينامون) وأنه سيقوم بنشر قصائده تباعاً وبالفعل قام بنشر سبع قصائد من الديوان المذكور ثم دخل في أزمته الصحية الأخيرة فتوقف بالتالي نشر القصائد ثم وافته المنية للأسف لنفقد شاعراً حقيقياً وإنساناً نادراً..
واحترازاً من تأخر ورثة أو أصدقاء الراحل الكريم في نشر قصائد هذا الديوان المخطوط، رأيت أن أنسخ هذه القصائد السبع وأن أكتب لها هذه المقدمة رغبة في تثبيت وجود هذه القصائد في دفتر الشعر المصري وكذلك الإشارة ولفت النظر إلى ما حوته من تميز وجمال..
تتبدى قصائد الديوان المخطوط (للجبل رعاة لا ينامون) للراحل فتحي عبدالله (المولود عام 1957والتي تنتمي تجربته الشعرية لما تم التعارف على تسميته بجيل الثمانينات الشعري الحداثي) باعتبارها شاهداً على مرحلة خاصة بحق وفاتنة، ربما في سبورة الشعرية العربية المترامية، قوامها الاقتحام والفتح العارم والشبقي لبوابات الخيال المشرعة عادةً على استحياء، لكنها الماكرة العصيَّة طول الوقت، ورفدها بطاقة خلاقة ونهمة للتحليق والاقتحام وصولاً للكشف والاكتشاف واللمس والذوق ثم الرشف حتى الثمالة، مما يضخ الدماء الفوارة في عروق الشعرية ويضاعف قدرتها بالتالي على قنص أرواح وكيانات وتواريخ وحيوات رعوية:
أعرف أن حبيبتي في صحراء
و حولها رعاة يشعلون النيران في
ملابسها التي تحملها
فارفع ذراعي لغيمة قريبة
وأهرب إلى كهف بعيد..
وكأنما ارتأت هذه الروح الشعرية الجسورة أن تعيدُ الخلق كلما يبزغ النور على الكون المنظور وصنوه الخفي، وأن تقتات على روح الشعر الشفافة، البدائية والسحرية والوحشية، وتفكك أنماطها وأحلامها وكوابيسها وأنقاضها الملونة العجائبية:
نسمع في أول الجبل طبولاً وحشية
وندفن أعضاءنا في الرمال
وتقبض على رأسي بيديها الصغيرتين
وتغني بصوتها الذي يخطف الطير
فأرى أعناقاً مقطوعة
و ريشاً على رأس أسد..
هذا الاندياح الفني الفياض، الذي يبدو من قوة وحِدَّة وعرامة انطلاقه، وكأنهُ غير محسوب ولا متماسك ولا يخضع مطلقاً لأي حسابات للقبض والتأطير على هيئة عمل فني أو جسد محدود بتراتبيته وحيّزه المكاني والزماني و الفني الجمالي، يمكننا أن نعده وشماً أو خصيصة جمالية تمثل بصمة الراحل الأسلوبية، التي توزعت بامتداد دواوينه الأسبق ثم وصلت لأعلى درجات انفلاتها وبالتالي تميزها، في هذه القصائد المخطوطة بعد أن اختبرت هذه العرامة سابقاً في “يملأ فمي بالكرز”:
الساحر خلع قبعته وأخرج صقرين
أمام الخيمة التي ننام بها
و قال: لا يخرج من هنا ملاكم
أو لاعب بالطيور
فقبضت حبيبتي على عود القصب
و قالت: لا يمكن أن نترك الحزام على حاله
أريد أن أزور الضحية
والرمال تغلق النافذة
وهلالي تملؤه الرغوة البيضاء
فأين المحفظة التي ورثها المقتول
في أول الجبل..
و يتضح جلياً أن قصائد ديوان “يملأ فمي بالكرز” تشترك مع هذه القصائد المخطوطة، وكأنما هي حالة أو رؤية للعالم عبر منافذ متجددة، لكن مساحتها اتسعت لتجربتيْن أو ديوانيْن ينبعان من نفس الروح والتوجه الفني خاصة قيمة تصدير الحسية و أسطرة الحالة الشبقية:
يؤلمني هلالي هذه المرة
فقد أهملته كثيرا
و أريد أن أدخل أصابعي في الرمل
وأقضم الحشائش المبلولة
وأفرح بالرغوة البيضاء على ظهري
وأخلع سروالي أمام الشمس في نشوة
فإذا جاء الطوفان ولم أدرك السفينة
أنام على ذراعيك في خوف
و تأخذني إلى شجرة لا تأتي الطيور لها
وتسمع الصدقات بين حين و آخر
وننزع حمالة النهدين
ونذهب إلى فراش من الرمل
حتى الصباح..
ثم رفد هذه القيمة الجمالية وتغذيتها بكل ما هو متاح أو مُخْتَرع، بدءاً من الصحاري و التواريخ:
لقد خطفوها من أعلى الجبل
ولفوها بالملاءة الحمراء
و قرؤوا على جثمانها الممزق
لفائف(قمران)
ولم تجد قمحها كما قالوا
ولا أكياس الذهب..
و مروراً بالأساطير و الحكايات وحتى الرموز الثقافية:
فقد رأي (ابن عربي) إليتها على صدري
وأنا أقرأ فصوصه على شمعة ضعيفة
أدعو أن تقوم على أول الجبل
فالرحلة في أولها
ولا ذراع لي..
نحن في ترنيمة فتحي عبدالله الأخيرة، الأكثر اقتراحاً جمالياً وجنوناً خاصاً في الحقيقة- بإزاء نصوص طائرة ومحلقة للأعلى وللأسفل معاً، في سموات الآلهة والأنبياء والأولياء والأقطاب وزعماء وكهان القبائل، وفي نفس اللحظة الشعرية، في باطن الأرض الأولى، حاملة الحكايات والأساطير والترانيم:
فأنا عاصفة سوداء
تأخذ العظام المكسورة إلى بئر لا
يعرفها أحد
وتغطس بين الدلافين في غمضة عين
وتخرج بالخاتم الضائع..
مع الجدات والحبيبات والجنيات و الدراويش والراقصين والخائفين طول الزمن الحالمين بالتماس النبع من بين أصابع العارفين الباحثين عن السلوى في الحب أو وسط الجماعة البشرية الحاضنة أياً كان شكلها أو مكوناتها الثقافية:
تتبعني المجندة الشقراء في البراري
وأنا لا صقور لي
وتقرأ صحائفها أمام البوذيين
في كبرياء لا حدود له
لا تقترب من سفينة المهربين
إلا بإشارة مني..
وكأن هذه النصوص طيور خرافية لها القدرة على استخدام السكين وإسالة الدم، لكنها لا تزيل إلا الزوائد غير المنتجة مثل التواريخ المزيفة والذكريات التي ثبت عجزها عن تجديد أجنحتها لصالح قلب الإنسان الحقيقي:
ربما خطفها حارس الرؤوس
وأنزلها إلى بئر عميقة
وتنتظر الأدلاء من مهاجر صغير
يطرد الذباب عن حوضها
ويبكي على العشب حتى تعود
وحملها وراء ظهره
حتى يرى القمر نصفين
فيخلع قلنسوته السوداء
وينادي على روحي التي مزقوها في الحرب
فكيف أمشي على الجماجم
و العظام
والضحية تتبعني من سوق لآخر
و لا أرى مَلاكي إلا من المؤخرة..
إنها قصائد منفلتة، متوحشة وعارية، لا تتغيا إلا الوصول إلى كل ما هو جوهري وحقيقي وصافي ومتوهج وصادق .. إن الروح الفنية المتأرجحة بين السيريالية و الدادائية هنا، تجمع بين أطراف وأهداب وأعراف الوجود والتواريخ والذكريات والأصوات والأفكار والروائح واقتراحات رتق خيوط العالم الممزقة ..الخ بأداء عفوي لا افتعال فيه ولا تغريب رغم الجمل التي تبدو وكأنها ممزقة الأنفاس أو مقطعة الأوصال بل هو الصدق فقط، حتى لو كان صدق الحواس التي انفلتت أخيراً من عقالها الخانق، فصارت هي الروح المنفتحة على تشوشها البديع وذاكرتها الملتهبة البليغة، وحواسها العرفانية الباطنية التي تذوق وتعرف:
فيأخذني المنشد الأعمى إلى حلقة البوذيين
ويضحك من الإشارات المفضوحة
حبيبي شارته خضراء
ويضع رأسه على بطني..
وصارت كذلك هي البلاغة المنفتحة، باندياحها وشجاعة خيالها ومكره وتحفزه، على جميع البلاغات ولكن بالضد والعكس و النقيض.. ربما وصل هذا الشاعر الكبير بديوانيه الأخيرين، المنشور منهما و المخطوط، إلى ذروة تميزه في هذه الشعرية التي يقدمها نصه بالتحديد في ديواننا العربي الحديث.. وربما تبقى هذه القصائد بمثابة محفز جمالي للحفر في مجمل أعماله وإعادة اكتشاف ترنيماته ورؤاه الفنية، بعد اكتمال همسه وصراخه وبوحه الفني بالرحيل الفيزيقي.. تلك النصوص التي ربما، لم تعطي نفسها لنا نحن المتلقين، نظراً لطبيعتها المراوغة، بما يكفي ويليق بتميز التجربة الشعرية التي خرجت من رحمها وخصوصيتها، حتى الآن..
———————————————
القصائد:
(1)
شمعة لروحهما
في رحلتها إلى الجبل لم تحمل طائراً
ولا وضعت حقيبتها على الأرض
وتركت أصابعها في الهواء
وأنا في أمطار غزيرة و معطفي ثقيل
أردد في سري
يا لها من ملاك أخذني من الطوفان
بعد أن فقدت ذراعي
و أبي
وسرق أخوتي عقود أمي
وتركوني في أحراش مليئة بالذئاب
أسمع رنين خلخالها في الليل
وأتبع عطرها من حانة لأخرى
فإذا جاء المجنون إلى بابي
ودق على طبلته
أعرف أن حبيبتي في صحراء
و حولها رعاة يشعلون النيران في
ملابسها التي تحملها
فارفع ذراعي لغيمة قريبة
وأهرب إلى كهف بعيد
قد تكون مقيدة اليدين
أو لمسها الحواة في طوافهم الأخير
وتحتاج إلى أقدامي التي أكلتها الريح
فأصرخ في براري الله
أن يأتي لها المملوك الذي تحبسه
في صندوق أسود
وتعطي له كوفية من القطن
كي يزور حبيبها
و يضع أمامه الخاتم
فيخرج مجندون من الصحائف الأولي
يدورون على الكباش و التماثيل
ويحرقون البخور على رأسه
فإذا رأي قمراً نصفه مظلم
يدرك أنهم خطفوا حبيبته في الليل
و لا بد أن يزور الضريح
ويوقد شمعة لروحهما كي تعود
في الصباح
على محفة من خيوط الكتان
فقد رأي (ابن عربي) إليتها على صدري
وأنا أقرأ فصوصه على شمعة ضعيفة
أدعو أن تقوم على أول الجبل
فالرحلة في أولها
ولا ذراع لي
وأبكي على صدرها في الصباح
و آخذها إلى غرفتي كي أنام على أنفاسها
وأنا في رعشة وراء أخري
حتى نصبح شجرة.
(2)
نسمع في أول الجبل طبولاً وحشية
وندفن أعضاءنا في الرمال
وتقبض على رأسي بيديها الصغيرتين
وتغني بصوتها الذي يخطف الطير
فأرى أعناقاً مقطوعة
و ريشاً على رأس أسد
و أبي يمضي وحده في الظلام
يتبعه لصوص إلى مخازن الغلال
فأصرخ على حارس الحقول الذي ترك
صندوقه أمام المنزل
حبيبتي تخرج عارية لقمر لا تراه
و تضع قميصي الممزق على رأسها
ولها جنود من البيض و السود
يحرسون ظهرها إذا نزل المطر
وأنا ألقى بكوفيتي على أقدامها
وآخذها إلى سفينة تمشي في الرمال
يدي على مفتاحها الأول
وأضحك من صدرها المملوء بالرغوة البيضاء
فإذا جاء المملوك وحملها إلى أعلي
وأعطاني قبعة و أغصاناً طويلة
وأشار إلى غمامة ربما تهبط في سهل
بعيد
هناك رؤوس مقطوعة
و أكياس بيضاء
و ثعالب
وأدلاء ينامون على ظهورهم في الصباح
ويبكون في كل لحظة على من يخسرون
أرواحهم في أول الرحلة
فأقبض على ذراعها
والذئب أمامي و خلفي
وأصرخ على أشباح تدور وحدها
على الأطراف
لقد أغلقوا الصندوق يا ملاكي
ولا هواء لنا ولا ممرات
فهل يأتي المقتولون بضجيجهم
إلى الموكب
و يوزعوا علينا طوابع البريد
والتمر الذي احتفظوا به من الرحلة
السابقة
أم يملؤون السفينة بالأصابع المقطوعة..
(3)
أتى حامل الصحائف ببخوره النفاذ
وحبيبتي بين طيور سوداء
تنقر أعضاءها في لذة واضحة
و أنا بين وحوش لا أسمع إلا أنفاسي
وأحاول أن أهرب إلى أثر بعيد
أو أشير إلى حبيبتي
أن تغطي وجهها من النيران
فقد أتى الملثمون بالأناشيد العالية
ويملؤون الجبل باللوز والمشمش
وقريباً يفتحون المزاد على آخره
فمن يقرأ المخطوط على جاره
في الليل
و يسمع طبلة المجنون
يخرج وحده على الطريق
ويأكل حبات العنب المتروكة
وأنا أملأ صندوقي من رمل لا يسمع
وأواني مثقوبة
وأنام على ظهري بعد هروب الشمس
وملاكي مصلوب بين الأشجار
لا ورد لديه ولا حناء
ويريد الماء من العين الكبرى
ورعاة الماعز يقتربون من القمر
المشقوق
من يصرف عني عتالين قساة
و جراحين يحبون الأطراف المنزوعة
واللؤلؤ بين العينين
وأنا مخطوف من سارية تمشي
في وديان لا أحد عليها
ولا أجد سريرك إلا والنور يطوف
عليه
ليل نهار..
(4)
الساحر خلع قبعته وأخرج صقرين
أمام الخيمة التي ننام بها
و قال: لا يخرج من هنا ملاكم
أو لاعب بالطيور
فقبضت حبيبتي على عود القصب
و قالت: لا يمكن أن نترك الحزام على حاله
أريد أن أزور الضحية
والرمال تغلق النافذة
وهلالي تملؤه الرغوة البيضاء
فأين المحفظة التي ورثها المقتول
في أول الجبل
هناك غمامة سوداء علي الطرف البعيد
فنادى على الحطاب أن يجمع الأصابع
المقطوعة
والرؤوس التي أكلها الذئب
و يطوي الصحائف دون أن يهرب
الميتون منها
فأنا لا أترك ظهري لغلام
لا يعرف النقوش
وإنما ذراعي لتاجر الماعز
الذي أكل من طعامي
ووضع خاتمه على عصاة غليظة
وحملني في الطوفان
وأنا أضحك من طيوره الخضراء
التي تحط على كتفي
وتذهب إلى الخيمة وحيدة..
(5)
صعدنا على أطرافنا في الليل و النهار
ونمنا في الهواء
أخاف على صدرها من عواء الذئب
وأضع يدي على الخوذة المقلوبة
وتضحك من أصابعي في الطعام
وترفع أكمامها لأعلى
لم أذهب لسيدي في المغارة
ولا أحب الأحراش بذبابها الأبيض
وأهرب إلى جبل عليه راية حمراء
يجتمع الملثمون على طبق من فضة
وينثرون النقود على الرمل
وأشهق عاليا مع الموزة الأولي
وأضع كوفيتي بين الساقين
يؤلمني هلالي هذه المرة
فقد أهملته كثيراً
و أريد أن أدخل أصابعي في الرمل
وأقضم الحشائش المبلولة
وأفرح بالرغوة البيضاء على ظهري
وأخلع سروالي أمام الشمس في نشوة
فإذا جاء الطوفان ولم أدرك السفينة
أنام على ذراعيك في خوف
و تأخذني إلى شجرة لا تأتي الطيور لها
وتسمع الصدقات بين حين و آخر
وننزع حمالة النهدين
ونذهب إلى فراش من الرمل
حتى الصباح..
(6)
لم أضع لها ذراعي على الرمل
ولم أقطف الوردة وانتظرت الملثمين
على أول المنحني
وهم يضعون الصحائف الممزقة على رأسي
ويقيدون أطرافي
ويتركونني في العراء
أشم فريستي بصعوبة شديدة
وأبحث عن عصاتي المكسورة
ولا يردني أحد
ولا يأخذ صندوقي لأعلي
وأتقلب على الحصى و الحجارة
أين عطرها المنثور بين الجثث
أين ملابسها التي تأتي وحدها في الليل
ربما خطفها حارس الرؤوس
وأنزلها إلى بئر عميقة
وتنتظر الأدلاء من مهاجر صغير
يطرد الذباب عن حوضها
ويبكي على العشب حتى تعود
وحملها وراء ظهره
حتى يرى القمر نصفين
فيخلع قلنسوته السوداء
و ينادي على روحي التي مزقوها في الحرب
فكيف أمشي على الجماجم
و العظام
والضحية تتبعني من سوق لآخر
و لا أرى ملاكي إلا من المؤخرة
التي تهرب من الذباب
و ليس لها أزهار أو ثمار
فأعقد أصابعي على رأسي
وأضحك من هذيانه بين الجثث
ربما تعثر على الخاتم
أو الجوهرة البيضاء
أو قميصي الذي تعلق بالشجرة العجوز
فيأخذني المنشد الأعمى إلى حلقة البوذيين
ويضحك من الإشارات المفضوحة
حبيبي شارته خضراء
ويضع رأسه على بطني
وأصابعه على هلالي المقلوب
ويبكي من ألم لا أعرفه
فإذا انتهى من الزيارة وحمل عصاته وحيداً
أتعثر من حفرة إلى أخرى
وأخاف من جنونه
فقد عبث بحقيبتي أمام العابرين
وقطع حمالة النهدين بأسنانه
و يدي في سرواله المفتوح
حتى انتهت النوبة في سلام..
(7)
تتبعني المجندة الشقراء في البراري
وأنا لا صقور لي
وتقرأ صحائفها أمام البوذيين
في كبرياء لا حدود له
لا تقترب من سفينة المهربين
إلا بإشارة مني
فأنا عاصفة سوداء
تأخذ العظام المكسورة إلى بئر لا
يعرفها أحد
وتغطس بين الدلافين في غمضة عين
وتخرج بالخاتم الضائع
وتضحك من نوبات الصرع التي تصيب
المهرب الكبير
إذا رأى الشمس دالية على بابه
فقد عرف أن حبيبته في السفينة
و أنها معصوبة العينين
وتبكي ليل نهار
وقد يطلقون الكلاب عليها
فمن يا ترى يقتل القبطان
في تلك اللحظة
ويأخذ قبعته إلى خادم الجلسة
كي يبدأ العزف على جيتارها المكسور
وتعلو الفراشات وتهبط في سهولة نادرة
وأنا أتقلب على الرمل
في ألم لا احتمله هذه المرة
وأمزق ما تقع عليه يدي
حتى أعثر على خاتمها المفقود
فأصيح على طيور خضراء
ترفرف بالقرب من رأسي
لقد خطفوها من أعلى الجبل
ولفوها بالملاءة الحمراء
وقرؤوا على جثمانها الممزق
لفائف(قمران)
ولم تجد قمحها كما قالوا
ولا أكياس الذهب
فأغمي عليها مرة أخرى
وأخذت في البكاء
إلى أن وضعوها على تابوت أبيض
و رائحة من هنا أو هناك
و دقات عالية
فأخذتها الرعشة المعهودة وصاحت
عطره في خشاش الرمل
وفي الصندوق المغلق
و بين أصابع قدمي
ولا يمنعني منه أحد
فأنا روحه في الجبال
وفي الورود
وفي سفينة الهاربين
حتى يعود إلى صدري
في سلام..