فاطمة الزهراء زيتون
جلست بجوار صديقتها المهذبة تشكو لها مأساة أن يرتبط الإنسان بشخص لم يدرك حتى الآن أنه مرتبط،
إنه لا يعلم شيء حتى عن مجال دراسته، يعتقد أنه عبقري في تتبع الكائنات الدقيقة، كيف للثلاجة أن تدرك رحلة نمو مثل هذه الكائنات، فطر الخبز أكثر دفئا منه، البلهارسيا أكثر رومانسية إنه لا يعلم أي شيء ولا يتعلم أي شيء حتى من الحشرات، كانت صديقتها المهذبة كاتبة قصص وأخبرتها أنها تحب أن تعلم منها تفاصيل أكثر عن الواقع، وحقيقة مأساة البشر، فما كان من صديقتها إلا أن أبدت لها كم هي “جدعة وتسد”، وفي الحقيقة كانت تملك من الثقافة ما يجعلها تعلم أن تفاصيل المأساة أفضل من الكائنات الدقيقة التي يهواها حبيبها ولا تهواه!
كانت تعلم أن صديقتها تستطيع أن تحول خيبة أملها لمجد شخصي، بعيدًا عن صفحة الإهداء فهي مجد آخر لأي عمل أدبي، لكنها كانت تتخبط بين نشوة الكلام واللذة الوقتية، وبين خيالات من مشاعر جميع البشر على رأسهم البكتريا، شغلها هذا عن التفكير في حسد صديقتها التي تستمع بتركيز وهي تملأ كأسها بعصارة كائن آخر حتى لو كانت بهذه العصارة كائنات دقيقة مقززة، صديقتها العاشقة كانت في الطور الأول تنتظر أن يتبولها حبيبها في النهر، ولم تدرك أن صديقتها الكاتبة سترى أشياء فظيعة لا ينبغي لعذراء أن تراها أثناء هذه العملية،
كانت الصديقة المهذبة تنتظر بشدة أن تجني ثمرة التجربة، تجربة هذه الثرثارة التي أحبت أحد أفراد رجال الثلج، بعيدا عن كون رجل الثلج هذا يتحلى بما يشبه الشرف،
لم تستطع الفتاة أن تتمالك رغبتها في الغثيان وهي تستمع لها تروي كيف استقبل رغبتها في دراسة لغة جديدة؟، لقد أخذ الأمر على محمل جاد جدا، جلس على الكرسي المخصص لحياته بين الكائنات الدقيقة وأخبارها أن تنتظر منه في الغد مجموعة كتب خاصة بقواعد الإسبانية، وموعد لأول محاضرة لكورس مصحوب بالعنوان،
لم يدرك أنها فقط أرادت أن تشاهد معه فيلم مميز بالأسبانية كانت قد حكت له بعض تفاصيله يوم أن تقدمت بنفسها لخطبته، فاضطرت أن تخبره بذلك ببعض التلميحات التي قتلت صديقتها المهذبة وهي ترويها لها بتركيز ولحسن الحظ صندوق القمامة كان بالجوار، فاستفرغت البنت،
أكملت العاشقة دموعها بمرارة في حلقها، تروي تفاصيل أبيات الشعر التي تترجمها خصيصا لأجله، بعد أن خمنت عشقه للإنجليزية، ووصفت حيرتها بين فيس بوك وتويتر،
إنها لا تعتقد أنه يقرأ من الأساس، مستحيل أن يلا يبادلها أبيات الشعر بأخرى ولو بالصينية، لقد اضطرها في النهاية لمشاركة أبيات لإمرؤ القيس، وعندها لم تجني غير بلوكات المهذبات وشماتة المهذبين، كل ما في الأمر أنها اكتفت بعلامات التنصيص،
مما اغتصب مقدرتهم على الفهم، ورسخ موهبته في البلاهة، لقد ركز الجميع في ما تحوي الكلمات المنصصة من معنى، وكان هذا ضار بما لا يكفي بشفاعة عند الحمار فيحاول الفهم، كان يهتم بحبوب المضاد الحيوي أكثر من الشيكولاته، كان دائما يهتم إن كانت أعراض البرد المستنتجة في صوتها المزكوم في الهاتف، ليست مصحوبة بحمى تستلزم بعض اللبوس، لقد عرضا عليها ليلة الامتحان أن يحضر لها اللبوس بنفسه، خوفا على مستقبلها ..
كان جادًا في ذلك لدرجة قتلتها بلا حمى
استعدت لأن تروي لها كيف يشرح لها حركة الأمعاء بمنتهى الصلابة بعد أن زغولت معدته الفارغة من الطعام وأن هناك فارق كبير بين ذلك وبين أن يلا مش مهم ..
كان يفعل ذلك بدافع رومانسي جدا، الرجل أراد فقط أن تعلم أنه بحاجة شديدة لساندوتش الشاورما التي حملته إلى المعمل في الوقت المناسب،
لم يلتفت لأن المخلل كان من صنع يديها، ولا أنها أحضرت له كانز بارد، كان حريص على فهمها للمعلومات، لدرجة قد تجعلك تبرر له ذلك بكلمة واحدة وبسيطة “مرتبك” الراجل مرتبك يا نوال،
لكن صديقتنا المهذبة ويؤسفني أن أخبرك بذلك ظلت مهذبة، لا تبدو عليها الدهشة، ولا التأثر لقد كانت جادة مثله، ولم تحصل نوال على مجدها الخفي لا في ابتسامة فهم أو تفهم من حبيبها تدرك منها أنه التمس شيء من مكنونها، ولا مجدها الخفي بين طيات كتاب المهذبة التي قررت أن تعلم بعد الحقائق بنفسها فذهبت للمعمل، ولم تتفاجأ نوال بها تعتزل الكتابة قبل أن تبدأ، لقد حصلت على كرسي المرتبكين بجواره في المعمل،
واتجهت نوال للتمثيل ..
ولم يصبح يرضيها (مجد خفي).