إيمان أحيا
كان دائم الزيارة والتفقد لمحل لقمة عيشه، ترصد عينه كل جديد فيه، وكأن المكان على اتساعه قد أصبح تحت سيطرة عينيه، فكل جديد فيه يعني ربحا جديدا، أليس عجيبا أن تكون لقمة عيش أحدهم جريمة يرتكبها في أكبر مكان للعبرة، سرقة شواهد القبور؟ ولكن لايمكن التوقف أمام هذه الشخصية بحال من الأحوال، فلن يصل المتوقف إلى فهم تلك الحالة مهما أطال الوقوف.
في إحدى زياراته حظي بصيد ثمين من تلك الشواهد المعدنية، ألقاها على عربته الكارو مخبأ اياها تحت بضاعته من الخردوات(الروبابكيا) التي يجوب بها الشوارع طيلة اليوم، وبالفعل لم يلحظها أحد فمن سينفق من وقته للانتباه لما تحتويه عربة خردوات معروف أنها لاتحمل سوى أشياء غثة تثقل على أصحابها، فيمتنون من يخلصهم منها. وفي نهاية يومه وصل إلى مكان تسليم بضاعته حيث لكل شيء وزن وثمن، فرحا بصيده، تقدم بشواهده ليقبض ثمن ما كشف عنه الميزان ويشتم بلذة رائحة مال عفن أخفى مصدره معلم قبر كان يدل على صاحبه “هنا يرقد فلان”.
ولما عاد إلى مكان يشبه البيت حيث يعيش، اكتشف وجود أحد تلك الشواهد مختفية في ركن ما وسط بعض الأشياء الأخرى لم يلحظه، تهلل وجهه كمن وقعت عيناه على كنز وألقاه جانبا بنية التصرف فيه لاحقا، مر يوم ثم آخر ولم يلحظ رفاقه خروجه في ساعاتهم المعهودة، فتفقدوه فإذا به جسد ملقى بلا روح بجواره شاهد قبر حالت أميته بينه وبين إدراك التشابه، فقد كان الشاهد يحمل اسمه على احد تلك القبور.