مدمن الغناء ذو الساق الواحدة والجناحين

موقع الكتابة الثقافي uncategorized 9
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد الحفيظ طايل

بترت ساقي اليمنى في الحرب
من يومها والغناء وسيلتي للطيران

أحياناً
كهزاز الذيل

أزقزق أحياناً كعصفور وأحلق عالياً
متحولاً إلى نقطة رمادية تتحرك

اقلد مطربين فأتحول إلى ببغاء

ثمة أغان تصلح لحلاقة ذقن شخص بساق واحدة واستغنى عن العكاز
وأخرى لشرب القهوة واضعاً ساقاً على هواء
وثالثة لحل المشكلات البسيطة
أما الصعوبات المركبة
فيلزمها ما يعن لي من أغان قصيرة وحادة وأحياناً غير مفهومة
كل ما أحتاجه هو ذاك اللحن الذي يتردد في دماغي بلا عازفين

مغن وحيد بساق وحيدة
تخلصت مني الجوقة والعازفون
-كما تخلص العالم من ساقي –

ومنحوني فضاء فسيحا

لو أن عازفا واحدا إلتفت حواليه لاكتشف حجم الاتساع
لو أن منشدا واحدا ضاق بالوحدة لردد معي الأغنية

ساق وحيدة لشخص وحيد
يغني
ويعيش في الطيران

تلعب الساق اليسرى دور ذيل الطائر بفرح
حين نرقب العالم

ساق يمنى مبتورة في الحرب
تحيا بلا شقيقات
وحدها كبنت وحيدة
تحكي لنفسها حكايات
وتملك أحلام اليقظة الخاصة بها
وتغني لنفسها
أحيانا
تتجلى لذاتها
على شكل ساق شجرة في انتظار أن تنبت
تعلن عن نفسها عندما يقف عليها طائر مغن

تطلق على نفسها أسماء وصفات
وتبتسم لظلها
الذي يطول ويقصر
كلما وقف عليها طائر
أسرت له بأحلام يقظتها
وغنت معه أغنيتين
واحدة لذاتها وأرسلت الأخرى لشقيقتها

دفة المغني

أنا ذيل الطائر
ولدت ومعي شقيقة رافقتني دوما
سهرنا معنا وجبنا شوارع المدينة
قفزنا الحواجز
وتعثرنا معا
سكرنا وعربدنا
نمنا في فراش واحد كعاشقتين
ونبتت لنا نفس الأعضاء
بتوافق فذ
أصابع خمسة لكل واحدة
نبتت كالحواس
كأيقونات مدلاة من شجر
تقاسمنا البناطيل والأحذية والجوارب
وتبادلنا الحكايات
حكايتين لكل مشهد
زرنا نساء كثيرات
ولدينا أسرار لا تحصى
سهرنا على النيل
وتطوحنا سويا
وحاولنا تحدي الجاذبية
بميل فطري للطيران
راقصتين
كالفراشات
لكنها الحرب( تثقل القلب1 وتلحق العار بالمتخلين ولم نتخل كنا متعبتين2 فقط ، كانت يدانا متشبثتين بمقولة قديمة لم نعد نتذكر من قالها لكنها الأرض مملوءة بالفخاخ وبآحديث قروية عن الغولة وعن السواقي المهجورة، وعن سباخ ذاتها، كنت وأختي قصاصتي أثر نتبع الحكايات أينما حلت ونتداولها سرا بيننا وننقشها على جدران كل كهف شغفنا به )
زرنا كهوفا احتمى بها نبيون وحكماء
حكت لنا أمنا حكايات عجيبة عن الثعلب الذي فات
وعن العنقاء والرخ والخل الوفي
وعن سذاجة المحبة
و استحالة الرفقة الدائمة

مرة في الحرب سقط على كتفي رفيق الخندق
حملته وجريت بعيدا بعيدا
وضعته على الأرض
واكتشفت أنه بلا رأس
ولاح سؤال حول هؤلاء الذين عاشوا بلا قلب أو بلا روح
عادة يفقد الناس أعضاءهم أو يعطلونها عن العمل

الناس يحتاجون لساقين للمشي
والطيور تحتاج لجناحين للطيران
وذيل لتصحيح المسارات

الحرب كانت مفاجئة
بلا عدو واضح
وبلا جنود
كان الغزاة
يجيئون في كتل كرمل العواصف
والأسلحة تطلق زخاتها من أماكن خفية
والظلال تطير عاليا وترفرف
كانت الخنادق مقلوبة
ونظارات الرؤية الليلية أصابها العطب
وعندما انتهت الحرب
لم أجد ساقي

أنا مدمن الغناء
رأسي مملوء بعازفين وشهداء
يداي جناحان أفردهما وأطير
فأرى عوالم شتى
أحط على ساق شجرة وحيدة
وأغني لها
وتحكي لي عن أحلام يقظتها

أنا رفيق ساق الشجرة
أتوحد في الغناء والحكايات
وأعيش في الطيران
أرى العالم كأنه بيضة
وأنقر السحب
لعلها تمطر
فتنمو أغصان لساقي
1-أمل دنقل
2-جمال القصاص

تساعدني ساقي اليسرى في الطيران

مقالات من نفس القسم

علي مجيد البديري
يتبعهم الغاوون
موقع الكتابة

الآثم