محمد أحمد شمروخ
القصة وما فيها حكاية كانت تحكيها الأم لأطفال في ذلك الزمان كانت تسليتهم الوحيدة، قبل أن تصل الكهرباء وتقضي علي ذلك الطقس الإنساني الجميل.
أتذكر جيدا حكايات أمي رحمها الله، التي كانت تقصها علينا كل ليلة قبل النوم، في بيتنا القروي البسيط، وللعجب أن أمي كانت تغير أحيانا في القصص لا أعرف عن عمد أم هو النسيان، حكايات جعلت عقلي يسرح بعيدا مع أبطال القصص وأتخيلهم في هيئتهم وأشكالهم.
مر الزمان وبدأت تستهويني قراءة الشعر والقصص، حتى إنني كنت أنسخ دواوين الشعر التي تروق لي، وأنا أقف في شارع المدينة المؤدي إلي المدرسة الثانوية، كتبت أول قصيدة أو هكذا كنت أظن، سعادتي وأنا أردد تلك القصيدة علي مسامع زملائي وأري الإعجاب في عيونهم جعلني أصر علي كتابة الشعر، بدأت اشتري ما تقع عليه يدي من كتب كانت تطبع وترسل لمدينتنا البعيدة في جنوب مصر، أتابع عددا من المجلات الثقافية الأسبوعية والشهرية.
أرسلت ما أكتب إلى عدد من تلك الإصدارات وكان عدم النشر هو المحصلة النهائية، لتسوقني الصدفة إلي شاعر متحقق يعرف شروط الكتابة والإبداع، صرت أسمعه ما أكتب، وفي ليلة أخبرني بأن ما اكتبه ليس شعر بل هو قصة مكتملة الأركان، حزنت ليلتها في النهاية لست شاعرا، قام بحذف الكلمات الموسيقية لأري أول قصة لي منشورة في جريدة الجمهورية القاهرية، ساعتها لم أصدق وأنا أري اسمي يتذيل القصة وعنواني البريدي، طفت علي أصدقائي وأحبابي فخوراً بقصتي الأولي المنشورة في جريدة كبرى.
وتوالي النشر والكتابة وتلمست طريقي إلي كتابة القصة وعرفت بالممارسة شروط كتابة القصة القصيرة، اشتركت بمنتديات أدبية استفدت الكثير من أدباء وكتاب من شتى أنحاء الوطن العربي، أخذوا يعلمونني كيفية صناعة القصة ومع انتشار الإنترنت بدأت الكتابة والنشر في أماكن كثيرة، ترجمت بعض أعمالي عن طريق أصدقاء إلى اللغة الفرنسية واللغة الروسية.
فازت بعض القصص بجوائز محلية، وعندما دعيت إلي جامعة الدول العربية لحضور توزيع جوائز مسابقة اشتركت فيها، عرفت جيدا ماذا قدمت القصة وما يمكن أن تقدمه، أنا في جامعة الدول العربية أحضر احتفالية، أتجول، أري الأمين العام لجامعة الدول العربية، وقتها السيد عمرو موسي علي بعد خطوات قليلة وجمع غفير من نجوم الفن والمجتمع وصحافيات من دول عديدة.
في مسابقة للعمل الأول فازت مجموعتي القصصية “أبهي صور للحزن” بالمركز الأول وتم طباعة العمل وتوزيعه.
أعترف أنني غير غزير الإنتاج وأكتب القصة بمزاجية عالية جدا، ولا أطارد قصة أبدا، لا اهتم بكثرة المنتج وأعول علي جماليات الكتابة الفطرية غير المصنوعة، حاليا لدي مجموعة قصصية للنشر ومشروع فيلم سينمائي أعكف علي كتابة السيناريو والحوار.
تعرضت القصة القصيرة إلي ما يشبه التهميش في ظل هيمنة الرواية الشقيق الذي يلتهم كل الفرص والجوائز المتاحة، اتجه الكثيرون لكتابة الرواية عل وعسي يحالفهم الحظ في اقتناص شهرة أو جائزة مالية ضخمة.
وظللت أنا مخلصا للقصة وأكتبها بحب كبير، حتى قصصي سمة من سماتها أنها قصيرة، وأغلبها لا يتعدي صفحة وقليلة جدا القصص التي عبرت الخمس صفحات.
أنا راضٍ جدا وأعلم أنه في النهاية قيمة المنتج ليست في عدده. وأتمني لذلك الجنس الأدبي الهام جدا الازدهار، خاصة أنه يعبر عن مشاكل المهمشين والمتعبين وظلت له السطوة الكبرى علي مدي عقود طويلة.