مالك رابح
تتحدث كلاب المستودع وكأنها قد خرجت للتو من مشهادة فيلم في السينما، إنها الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها التحدث، ليس فقط لأن صاحب الشغلانة أمرهم بذلك، بل أيضًا، وهو أكثر أهمية، لأنه أمر مفروض عليهم من قبل مخرج وكاتب الفيلم كوينتن تارانتينو.
في الحقيقة صاحب الشغلانة لم يأمرهم بذلك تحديدًا، لكنه، بأنف جاد للغاية، أعطاهم أسماء مختلقة وأمرهم، كجزء من خطة السلامة، ألّا يتطرقوا في كلامهم مع بعضهم البعض إلى أشياء شخصية. الشيء الوحيد المسموح لهم التحدث به، إن حقًا حرقتهم الرغبة بالحديث، هو عملية السطو التي سيقومون بها وهو شئ إذا توخينا الصراحة، ممل، زائد عن الحاجة وتم مشاهدته في ديشليون فيلم مسبقًا.
طبعًا لا يُتوقع من كلاب المستودع الصمت على طاولة الإفطار؛ إنهم يبدأون في الحديث حول أشياء أخرى (تأويلات لأغنية لايك أ ڨيرچين لمادونّا ونظريات نحيفة عن البقشيش) ويحدث أنه بالحديث عن تلك الأشياء الأخرى، تتمرد كلاب المستودع على المفروض، من تحت لتحت، وتكشف عن نفسها وتكون ما يمكن أن نطلق عليه شخصية دون أن تكون شخصية.
يفرض علينا نحن أيضًا قانونًا من هذا القبيل، كشركاء في الجريمة كوننا على قيد الحياة وفي الوقت نفسه، وكما يتوقع منّا تمامًا، كمحافظين على غموض النظرة الأولى، كإنسان ملائم في قفص خشبي عصري من الأشياء المتاح الحديث عنها والأشياء الواجب تجنب الإشارة إليها، نقبل، ككلاب المستودع، ما فرضه الوضع الراهن من تعسف لكن على الجهة المقابلة وبشكل تلقائي لا يخضع للتوجيه، يتسرب من بين أصابعنا ما يدل عن شخصيتنا، عبر ماذا؟ بالضبط، عبر الحديث عن تلك الأشياء الأخرى.
الحديث عن الأشياء الأخرى؟ ربما الكلام عن الفيلم مصطلح يعبر عمّا أريد أن أشير إليه؛ كحركة تكتيكية في الموعد الأول، يوفر الكلام عن الفيلم الذي شاهدناه في السينما قبل دقائق مساحة آمنة تضمن تدفقًا للحديث من جهة وفرصة للتواصل الشخصي دون القلق من أي خسارة. إنها، ببساطة، آلية للهرب من الصمت أو الدفع إلى الحديث عن عملية السطو وفي الوقت نفسه هي عباءة للتخفي من المفروض.
في كل مرة، نوغِل في الحديث عن حالة الطقس أو مراجعة قائمة الطعام بصوتٍ عال، أو نفعل كما فعلت كلاب المستودع التي استخدمت التقافز حول ثقافة الپوپ لصالحها ونقدم انطباعتنا عن أغاني عمرو دياب أو ويجز، تعليقاتنا الهزلية على أفلام بداية الألفية كالناظر وفيلم ثقافي وصرخاتنا ونحن نرمي إلى الطرف الآخر من الحجرة الأعمال الكاملة لمؤلف عظيم لا يجب ذكره، في كل مرة نفعل ذلك، بصدق وحرارة، نستخدم تكتيك الكلام عن الفيلم في حياتنا، نسكب من أعماق أنفسنا على الطاولة ونثقب في القفص الخشبي مساحة تصلح كباب. عقود قبل وصول كلاب المستودع، قدم لنا المخرج الياباني ياسوچيرو أوزو في فيلمه أوهايو مشهدًا عاطفيًا رائعًا بُني فقط على حوار عن الطقس وشكل السحب في السماء.
إن ما فرضه تارانتينو على كلاب المستودع لا يعتبر ظلمًا نظرًا لأنهم وجدوا طريقة ليلتفّوا حول الأمر. تارانتينو القادم من مدرسة متاجر الڨيديو والليالي الطويلة من الكلام عن الأفلام، يعرف أنه لا يوجد شئ حول الأفلام أكثر إثارة من الكلام عن الأفلام ولأجل ذلك لا يمكنه مسامحة أحد كلاب المستودع: مستر وايت.
كان الخطأ الذي وقع فيه مستر وايت وأدى إلى نهايته التراچيكوميدية هو بناءه تواصل شخصي على شئ آخر غير الكلام عن الأفلام وإن النهاية السعيدة، فرضًا، لمستر پينك (شخصية ثانية، مهسترة) هي مكافأة له لإخلاصه الشديد إلى المشي وفق قانون تارانتينو المفروض.
إنها معضلة المؤمن وغير المؤمن مَرة أخرى. غير المؤمن يرى استحالة بناء مشهد عاطفي بين شخصين عن طريق ملاحظات على الطقس وشكل السحب في السماء والمؤمن يرى أن مشهدًا كذلك قد يكون واحدًا من أفضل المشاهد الرومانسية في تاريخ السينما.