نهلة عبد السلام
فى الجب لا سيارة لينتشلونى.. ومن ثم فلا فرعون من بعدهم يكفلنى.. فى العمق لا علامات أهتدى بها.. النجوم بعيدة جداً.. بعيدة كاحتمال النجاة.. كأن ينبت لى جناحان.. أفكر بأن لكل شيء ثمن.. فهل يقايضون صوتى مقابل أجنحتى.. أتخيل الخرس.. أقارنه بالظلمة والوحدة.. لعلنى سأخضع شريطة أن تكون من ريش لا مرئى.. ريش يتبدى لى وحدى.. أرغب الإحتفاظ بميزتى سراً.. يعيننى لسانى الذى سيصير بلا وظيفة.. يباغتنى سؤال عن التذوق.. تلتهم ملوحة دموعى كل النكهات فأتغاضى عنه.
لا زالت بأول المشوار وقد تنازلت عن حاسة.. أعد على أصابعى ما تبقى.. أشعر بأهميتها مضاعفة إذ تحولت إلى لغة الإشارة.. على كل لا يهم فثمة عالم مصاب بالطرش يدعى الإنصات.
الجروح قصاص.. لا أدرى ممن أقتص.. ما من أحد أخبرنى أن خروج الريش كمثل خروج الروح يتعادلان فى الألم.. هى صفقتى التى ارتضيتها.. أبرمت عقد بنوده واضحة.. ليس به مطمور سوى الطرف المشترى.. وشهود تعمدوا استخدام اليد اليسرى.. وقعوا بخط سئ.. سرت رجفته إلى كيانى فوقعت بلا تحفظات.. كما وأن بيئة الجب مقنعة حد أنك لن تكلف نفسك عناء قراءة السطور.. ستمنحهم أكلاشيه بل وستزيدهم حاسة بصرك كعربون محبة.
فى الصحراء لابد أن تعد ما تبقى لك من حواس.. أحصيتهم فإذا هم ثلاثة.. أحب الأرقام الفردية.. استبشر بها سنوات سمان.. أشتم رائحة إغواء زليخة.. أفزع لهاجس النكوص.. الإرتداد إلى قديمه.. ما كلفنى حاستين.. بلا إرادة منى ينحنى أصبع وتتنحى حاسة بلا مطالبات من حشود أو ضغوط من جموع.. تتنحى على إثر إدمانى المقايضة لقاء بقائى.
السمع واللمس يتبختران.. والصحراء لها سفينتها أيضاً.. والتى حتماً ستغرق لو بات يقودها قبطانان.. كما وأن اثنان رقم زوجى وحفر قبر لأحدهما أمر ملح.. لا يقبل التسويف خاصة وما يثيرانه من ضجيج وصخب.. لا زهرة أضحى بأوراقها فى تناوب ما بين الحاستين.. وعلى غير العادة الفائزة هى صاحبة الورقة الأخيرة.. البحث اليائس على خلفية مزعجة يشوشنى تماماً.. تهالنى كومة ريش كانت آخر ما تحققته باللمس حين نزعته عن جناحى.
الآن لا داعى للعد.. كما وأن رفع اصبع واحد سيجعل منى أضحوكة.. فأى قبول واستحسان هذا مع حاسة واحدة لا تكفى لا للحياة ولا للموت!.. البرزج لا يستحق عناء الرحلة.. خروج من جب وتيه فى صحراء وزاد من خضوع وتخلى.. لا داعى للعد فالأرقام باتت لا وجود لها.. ربما لذلك أفكر بمنحهم حاستى الخامسة ليكتمل لهم كفى كتذكار أخير.