مجنون من النعمانية

عبد النور مزين
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

عبد النور مزين

من كان ذاك الذي علمني كيف أحياك في الغياب؟ كل الحرائق على هذه الأرض وكل الدخان، من أجل شيئين يا جورية .
القلب والوطن.
وذاك المجنون المفتون بريتا وبلدة الزعتر والزيتون علمني ألا خلاص لي من كل هزائمي، إلا هزيمتي الأخيرة أمام محراب عينين كانتا وصيتين.
كانتا موطن القلب فكانتا وطنا.
فكنت، كما كان مجنون ريتا ، المجنون من النعمانية. وكنت أنت تكبرين في البعيد تحت عين القدر قصيدة من الحزن والأمل.
والأمل موسيقى القدر الصامتة وعبق الأيام القادمة.
وأذكر من النعمانية
دندنة.
وأعشق في روح أيامي كيف كبرت برغم الحرب و
برغم الدماء والأشلاء، شجرة الدندنة.
تزهر اليوم في عينيك
حين الأشلاء تحضن ما تبقى من الأشلاء.
وتسخر من زنازين القبيلة وكل وصاياها
ومن ليالي السبي الطويلة بتلاليا.
تسخر راحتاي، على وجنتيك،
من خديعة الأيام،
وما علمتنا القبيلة وكل مدارس الحكام
وتقرأ راحتاي على خديك
حكم القدر الوحيد على وجهك.
وتقرأ عيناي كتابين من القدر في عينيك.
كتاب جورية الذي لم يضل الطريق إلى عيني، وكتابي أنا الذي حبا كل هذا الوقت، تحت الحرائق وتحت القصف، ليفيء في عينيك.

والقصيدة حياة ثانية. هكذا علمني مجنون ريتا من عبق الزيتون والزعتر. نحياها على مهل، على ألم ونحياها على أمل.

وفي الغياب كتبتك يا جورية قصيدتي الطويلة كحديقة برية. عشقت الشوك فيها قبل ورودك الندية. سيجت خرائطها بكل هزائمي فكانت قلعة القدر، وكانت كل انتصاراتي.

لم أعرف طعم الهزيمة الحقيقي إلا ويدي في يديك.
لم أعرف طعمها المر إلا آنذاك، وعيني في عينيك.
ماذا سنفعل بهذا النصر أيها العالم اللعين؟
كل الانتصارات تبقى سدى جوريتي، ما دامت الهزيمة تكبر في الروح، كالخديعة، من الحليب الضائع إلى الحليب المشتهى.
…………………
*من نص روائي قادم
*كاتب من المغرب

مقالات من نفس القسم