فاروق حسنى: لست شاذاً وصفوت الشريف ألصق التهمة بى

فاروق حسني
فيسبوك
تويتر
واتس أب
تيليجرام

حاوره : البهاء حسين 

يرى البعض أنه لم تكن لـ”فاروق حسنى” موهبة أخرى غير ذكائه وشياكته، بالذكاء أقنع “مبارك” فاحتفظ بالكرسى، جالساً على الوسادة الهوائية، بتعبيره، حوالى ربع قرن. كوزير لثقافة مصر، يسبقه لقب الفنان. وبالشياكة أقنع “الهانم” فظلت تبارك مهرجاناته. كما أنه، بالشياكة، والفرشاة جزء منها، اجتذب عدسات المصورين، ودخل فى الأثناء إلى حلبة الجدل، مرة بالآراء المثيرة، يطلقها فتشتعل الحرائق، ومرات بالمعارك يستدرجه إليها خصومه، فينفعوا من حيث أرادوا أن يضروا. والحاصل أن فاروق حسنى أصبح شعاراً لمرحلة ودليلاً على عصر.

فاروق حسنى فى الثالثة والسبعين من عمره الآن، ورفيقه فى هذا المشوار، الرفيق السرى الذى حرص على إخفائه وتنميته طوال الوقت هو الطموح. أما وقد وضعت ثورة يناير حداً لهذا الطموح، لم يبق له غير لوحاته وكلبه وخزينة أسرار سأحاول، بدورى، أن أستدرجه ليفتحها :                                

* بم تشعر الآن، وقد فارقك المنصب، لم تعد هناك سارينة، ولا موتسيكلات ولا علم يرفرف!

– لم يتركنى المنصب، أنا الذى تركته، ثم لم يكن هناك علم ولا سارينة، لا شىء من هذا القبيل، كنت أؤدى مهمة، وقد انتهت بسلام.

* لا بد أن الكرسى يترك ملامحه على القاعد فوقه، أقصد أن السلطة تلوننا أحياناً بسلوك معين، ماذا تركت فيك السلطة؟

– هناك نقطة مهمة، فيما يتعلق بى، أن الفن قد حمانى، منذ الطفولة والفنان بداخلى يستمد القوة من التاريخ ومن الذات، وهذه القوة الذاتية هى التى صانتنى من السلطة، لقد انقلبت الوزارة على أيامى إلى فن، فى كل مكان، فى المتاحف وفى المراكز الإبداعية وفى الآثار والمكتبات..إلخ. أنا نضحت على الوزارة، وهى لم تترك أثراً سلبياً علىً، كأننى لم أدخلها! أدينى قدامك أهو !

* خلينى أسألك عن الثورة، هل توقعتموها، ثم إلى هذه الدرجة كان النظام هشاً، لقد غرق فى شبر ثورة !

– لا، لم نتوقعها، لا النظام ولا رأس النظام ولا الثوار أنفسهم توقعوا هذه المفاجأة المذهلة

* وأين كان مفكرو الحزب الوطنى والمحللون الاستراتجيون، أعضاء لجنة السياسات، أين كان حدسهم؟

– لا تسألنى عن الحزب، أنا لم أكن عضواً فيه، ولا فى لجنة السياسات

* أول ورقة يملؤها الوزير هى استمارة عضوية الحزب، الوزير عضو بالضرورة؟

– لن تجد اسمى لا على ورقة ولا استمارة ولا كارنيه ولا يحزنون، لم يحدث شىء من ذلك، كنت أذهب إلى الحزب مرة كل عام عندما يأتى رئيس الحزب ليرأس الاجتماع

* ألم يحاول جمال مبارك استقطابك، أو جر قاطرة الثقافة إلى هناك؟

– أنا نأيت بالثقافة والمثقفين، وأنا واحد منهم، عن الحزب، خفت عليهم من التدجين، واحتراماً للثقافة والحرية، رأيت أنه لا ينبغى للكاتب أن ينتمى إلى حزب، أى حزب. مكان المثقف الدائم على يسار السلطة !

* ابتسمت، كأننى أقول له : ما علينا، لأن مهمة الرجل الأساسية كانت إدخال المثقفين “حظيرة الدولة “، وقد أفلح، ولكى لا يضيع الوقت فى الأخذ والرد رحت أسأله عن الدهشة التى قابل بها الناس براءته من تهمة “إهدار المال العام”، وهو قال، بمرارة:

–  اندهشوا أم شمتوا. إذا كان لأحد أن يندهش فهو أنا. لقد فوجئت بهذا الكم من الشكاوى الكيدية، لكننى كنت واثقاً فى سلامة موقفى وفى قضاء مصر

* ربما اندهشوا بسبب الفساد الذى كان متفشياً فى الوزارة، أو ربما لأنك تستثمر فى مجال السياحة؟!

– أى فساد وأى استثمار، نحن لا نتحدث هنا عن مليارات

* أنت تقيس على ما أعلن من فساد بعد الثورة؟

– يا سيدى فى 23 سنة كانت فى الوزارة قضية فساد واحدة، وبسيطة، ليست بالملايين ولا بالميارات، مجرد موظف. أما مسألة الاستثمار، فأنا لا أملك إلا share  (حصة) بسيطة فى أحد المراكب

* كم تبلغ؟

– 10 % أسهم قابلة للمكسب والخسارة، وهى الآن خاسرة  

* لكن أيام الوزارة كانت أسهمك رابحة، بدون شك؟

– والله السياحة وقتها كانت ماشية، لكن 10 % ها تكسب كام يعنى، بحسبة بسيطة لو المركب فيها 40 كابينة، ها يبقى لى كام فيها، كابينة !

* نرجع للثورة، قلت إن ثورة يناير حررتك من الكرسى، كأنك كنت مرغماً، مثلاً، على الوزارة ! حتى المرات التى قدمت فيها استقالتك منها كانت نوعاً من المناورة السياسية؟!

– والله سموها كما تشاؤون، الحقيقة بداخلى أنا. أنا عندما عرضت علىً الوزارة رفضتها بإصرار، مبدياً أسبابى للدكتور عاطف صدقى، لكنه رفضها، واحتراماً لصداقتى مع الرجل قبلت. قال لى: يا أخى دول سنتين تلاتة، هو إنت تقعد برة 18 سنة وجاى على سنتين تلاتة تتكلم، فأحرجنى، كنت كل يوم، بعدما جلست على كرسى الوزارة، أشعر أننى لن أكون وزيراً فى الغد، ساعتها قلت إننى أجلس على وسادة هوائية، بمعنى أننى غير ملتصق بالكرسى، وعلى فكرة أنا لا يشرفنى الكرسى، لأننى أشعر بداخلى أننى أهم منه. أنا فنان معروف فى نهاية الأمر! 

* هل لعبت الصدفة دوراً فى اختيارك لهذا الكرسى، أم هى الضريبة التى دفعتها للأمن أثناء وجودك فى فرنسا !

– أنا يشرفنى أن أقوم بدور أمنى، لأنه كان لحماية وطنى، ينبغى أن يحسب هذا لى لا علىّ، فقد كنا فى حرب 73 وقبلها، هذا يشرفنى ويشرف أى إنسان. لكن الحقيقة أن الصدفة هى التى جاءت بى، فقد عملت معه مساعداً وخبرنى الرجل لمدة 6 سنوات، وعندما طلب منى تولى حقيبة الثقافة رفضت، كما قلت لك، وذكرت ذلك فى حياته رحمه الله. هذه هى الحقيقة

* أستاذ فاروق.. هل أنت، بالفطرة، مثير للجدل، تتحرش بالعواصف، ثم تخرج منها بسهولة كالشعرة من العجين!

– عمرى ما اختلقت معركة. دائماً ما كانت المعارك تأتى لى. وهنا لا بد أن أتصدى لها، وإلا كنت جباناً. وربما كانت وجهتى فى العمل الثقافى غير مرضية لكثيرين، وبالتالى تكون لهم ردود فعل. والجدل مطروح ومطلوب، ولا تنس أنه إذا لم يكن لك أعداء فأنت غير موجود !  

* ليس إلى درجة أن تتكلم فى شىء ليس من شأنك ولا من اختصاصك أن تتكلم فيه. من طلب منك أن تفتيه فى مسألة الحجاب؟!

– أولاً أنا لم أعقد مؤتمراً صحفياً، لأقول رأيى فى مسألة الحجاب، كنت أبدى رأيى فى جلسة خاصة، مع إحدى الصحفيات، بالتليفون، وسألتنى هل هذا الكلام للنشر أم لا. فقلت : ليس للنشر، لكن لو سألتنى الآن عن رأيى فأنا ما زلت ضد حجاب الأطفال، لأن هذا اعتداء على طفولتهم، وسجن مبكر لأنوثتهن

* قلت ذلك لاحقاً، فى معرض التخفيف من وقع الصدمة، فهل ما  زلت على رأيك القديم فى الحجاب، على إطلاقه؟ 

– أنا شخصياً لا أحب الحجاب، حجاب المرأة بداخلها، لكن كل واحد حر،أنا ضد الحجاب المستورد بالذات، الحجاب الآتى من الشرق، إنت كان عندك اليشمك الجميل جداً، لباس الأميرات والسيدات المحترمات، كان عندك حتى البرقع، شىء جميل.. مصرى مائة بالمائة، فلماذا نستورد الحجاب من إيران أو السعودية أو غيرها

* استكمالاً لجزئية الجدل.. تعتبر نفسك شخصية غامضة أم تتعمد الغموض !

– لست غامضاً، أنا شخصية واضحة جداً جداً، لكن الغموض فى عقل الآخر، والدليل حوارك معى الآن والحوارات الأخرى التى أجريتها طوال ثلاثين عاماً، كانت فى منتهى الجرأة والصراحة

* كلمنى عن ضحاياك

– ( باستنكار ) ضحاياى!

* أحمد قدرى وغيره    

– ألم تكن مصر ضحية أحمد قدرى

* كيف؟

– التخريب الذى تم لآثار مصر على يديه

* الرجل اجتهد؟

– لا اجتهاد فى العلم، إما أن تكون طبيباً، لتجرى العملية للمريض أو تتنحى عنها، لكنك لا تجرى العملية ثم بعد ذلك تجتهد ! تجتهد فى أثر عظيم بحجم أبو الهول. لقد كانت فضيحة أمام العالم، والنتيجة أن القلعة باظت وباظ أبو الهول. لو أننى لم أنقذ غير أبو الهول، يكفينى ذلك 50 سنة. وأنا لو كنت تركت أحمد قدرى كانت تبقى جريمة، كان سيدمر أشياء أخرى. حد يجيب طلبة فى كلية الفنون الجميلة علشان يرمم أثر !!

* وعبدالحليم نورالدين؟

– ما له

* أطحت به هو الآخر، وهو رجل مشهود له بالكفاءة والعلم؟

– ومن قال لك إننى أطيح بمثل هؤلاء ! على أى أساس حكمت، هل كنت رئيسه فى العمل، عبدالحليم رجل عالم، لكن إدارة الآثار شىء وعلم الآثار شىء آخر. أنا كنت أدير الآثار

* دائماً ما كنت تنجو من المعارك، هل لقدرات خاصة لدى فاروق حسنى أم لأنك مسنود؟

– ما كان ينقذنى هو الحق والحقيقة، ولا يمكن لأية قوة، مهما تكن أن تدحض الحقيقة. وقد كان رهانى عليها دائماً

* إذن لم تكن مسنوداً من الهانم؟

– منذ 6 سنوات وعلاقتى متوترة بالهانم

* بسبب؟

– لأننى كنت ضد التوريث

* وجمال مبارك؟

– كانت علاقتى به فاترة تماماً

* هذا يعنى أن علاقتك فى السنوات الآخيرة كانت بالرئيس فقط؟

– هو فعلاً إللى كان بيساندنى

* هل كانت للرئيس المخلوع أية اهتمامات ثقافية، هل كان مثقفاً أصلاً؟

– أنا مش عايز أقول لك مثقف ولا مش مثقف، إنما كان يدرك ما يتم من عمل. اقتصاد مصر قائم على السياحة والسياحة مبنية على الآثار. وهو كان يدرك ما تم فى الآثار خلال 23 سنة، 42 متحفاً، ترميم الآثار من أبو سمبل لإسكندرية، الآثار الإسلامية التى كانت مهملة أمام أعينكم كلكلم. النهاردة 430 أثر ترمموا، وشارع المعز، وأن تصبح الجمالية مكاناً للترويح، كل ده ما يرضيش حد، لازم يرضيه طبعاً

* هل كنت تشعر أن لدى الرئيس استراتيجية ثقافية لمصر، رؤية لدورها الحضارى والثقافى؟

– هو شايف إنه هناك نشاط

* ألم تتناقشا معاً فى أى شأن ثقافى؟

– هو كان بيسبنى أشتغل. لم يكن أحد فى هذه الدولة يسألنى عن شىء، كل ما تم من صواب أو خطأ أتحمل وحدى مسئوليته

* إذن كان قرار مصر الثقافى بيدك وحدك؟

– بالضبط، يعنى المتحف المصرى الكبير، من الذى تخيله؟ أنا، إنه ابنى، متحف الحضارة إبنى، أنا أب لكثير من الأفكار والمشروعات الكبيرة، دون أن أكلف الدولة مليماً واحداً، كلها تمويل ذاتى، ومن أجل ذلك لازم أى رئيس يبقى عليك

* ألم يحدث أن طلب منك أى شىء له طابع ثقافى؟

– طلب منى مرتين ديوان أحمد شوقى

* الخلاصة: كان لدى الرئيس حس فنى أم كان رجلاً عسكرياً مصمتاً؟

– يضحك : لا تنتظر منى أن أقول فيه كلمة وحشة، كان الرجل، على الأقل يشعر بما أفعل  

* وهل كان يستجيب لك إذا قصدته فى علاج كاتب على نفقة الدولة؟

– فوراً فى الحقيقة، لا أستطيع أن أنكر ذلك، عمره ما رفض علاج كاتب على نفقة الدولة

* قلت إن النظام القديم كان كلما استمر سنة فى الحكم، تراجعت مصر معه 10 سنوات. ما حصتك أنت فى هذا التراجع، ودورك بالأساس حماية الذوق العام، هذا الذوق لم يحدث أن تراجع بمثل ما حصل على يديك، وفى عهد مبارك؟   

– أسستطيع أن اقول لك إن هذا التراجع حدث بسبب أشياء كثيرة أهمها الثقافة المطلقة

* بمعنى؟

– بمعنى أن هذه الثقافة موجودة فى الشارع وفى المدرسة وفى البيت، عد معى كم قصر ثقافة وكم زاوية موجودة فى مصر، شوف التربية فى المدارس، شوف التليفزيون كان بيقدم إيه، كل هذه الأشياء لا بد من النظر إليها مجتمعة، لكننى أزعم أن وزارة الثقافة قدمت لمصر ما لم يقدم منذ عصر محمد على

* بما فيها فترة ثروت عكاشة؟

– ولا أى حد، أنا أنشأت 150مكتبة فى القرى والنجوع، و42 متحفاً، رممت القاهرة التاريخية، عملت المجلس الأعلى للآثار، صندوق التنمية الثقافية، المراكز الإبداعية، هذا هو كشف حسابى، لكننا، بكل أسف، ننسى، العقل المصرى نساى  

* دائماً ما تضايقك المقارنة بينك وبين ثروت عكاشة؟

– إطلاقاً، ثروت عكاشة أستاذى، ولولاه لما أصبحت وزير ثقافة. أنا بدأت الطريق إلى الوزارة، مديراً لقصر ثقافة الأنفوشى فى عهده

* علاقتك بالمثقفين، ومن خلفك النظام، قامت على العصا والجزرة، العصا فى مواجهة الرفض والجزرة ثمناً للإذعان. سأطرح السؤال بطريقة أخرى، دعنى أسألك عن هؤلاء : أحمد عبدالمعطى حجازى؟

– صديق

* صلاح عيسى؟

– علاقتى به سوية جداً،هو رئيس تحرير القاهرة ولم تكن لى علاقة بسياسته التحريرية، وعندما سألنى عن الخطوط الحمراء قلت له : ليست هناك خطوط حمراء

* الأبنودى؟

– علاقتى به رائعة

* ألم يطبل وراءك، مع بقية المثقفين، للنظام؟

– الأبنودى كانت له مقالات لاذعة ضد النظام، وكانت بيننا اتصالات حول هذه المقالات

* لم يتصل بك مبارك للفت نظره؟

– ها أقولك : الحكاية بتاعت صنع الله إبراهيم، عندما رفض الجائزة، قيل إن الأمن سيتعرض له، والحقيقة أننى كلمت الريس، قلت له : حصل كذا وكذا وسمعت أن الأمن قد يتعرض له، فقال لى الرئيس: ما فيش كلام من ده. هذه شهادة للتاريخ

* ربما، لأن التعرض لـ “صنع الله ” فى هذا التوقيت كان كفيلاً بإثارة زوبعة، ومبارك يدرك ذلك؟

– لا دخل لى بضميره، أنا أحكى لك ما حدث

* جمال الغيطانى؟

– الغيطانى صديق قديم، اختلفنا، لكننا الآن متقاربان

* الآن وقد غادر كل منكما موقعه؟

– حتى من قبل ذلك

* ألم تكن جائزة الدولة التقديرية التى منحت له ولغيره نوعاً من الاحتواء؟

– لست أنا من يمنح الجوائز !

* لكن كنت توجه الآراء؟

– يا سيدى الفاضل، أنا بحكم وظيفتى كنت أربأ بنفسى، بل أخجل منها، إذا وقفت مع أحد أو ضده، وقد أعطيت صوتى للغيطانى وفاروق جويدة ونعمات فؤاد، فعلت ذلك، لأرغم نفسى على السير فى الاتجاه الصحيح

* وجابر عصفور؟

– لسه مكلمنى

* بماذا شعرت عندما جاء للوزارة بعدك مباشرة؟

– سعدت لأنه رجل ثقافة

* وهل تشاور معك الفريق أحمد شفيق لتنضم لوزارته؟

– لا لم يتشاور معى، ولو فعل ما كنت لأقبل، أنا ما صدقت أمشى

* لسة عايز تقنعنى أن أحداً كان يرغمك على البقاء فى الوزارة؟

– أيوة طبعاً، الرئيس شخصياً، وقد رفض كل الاستقالات التى قدمتها له

* كان بيقول لك إيه؟

– إرجع مكتبك يا فاروق

* فترجع؟

– أيوه، ده الرئيس

* وهو الرئيس يقدر يرغم حد على حاجة مش عاوزها؟

– الرئيس يعنى الرئيس، وقد تخاطر إن لم تقبل

* وعماد أبو غازى؟

– أنا اكتشفته لما تولى منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، كان محجوباً عنى، رجل زكى وصاحب قدرات، ولم يكن يحب الظهور  

* لو أنك وزير فى ظل ثورة يناير، ما أول قرار تتخذه؟

– سأحضر 40 تمثالاً من سمبوزيوم النحت فى أسوان، لأزين بها ميدان التحرير، احتفاء بالثورة وبالشهداء

* ألم يكن لك دور فى نهب آثار مصر؟

– ( بعد صمت وتفكير متوتر وعابر ) أولاً أنا استعدت ما يقرب من 16 ألف قطعة من آثارنا فى إسرائيل، ومن أمريكا وغيرها من الدول. ثم إن كل شىء فى الدنيا قابل للسرقة، آثارنا على مساحة مليون كم2، فهل كان من الممكن أن نقيم على كل متر غفيراً! نحن حمينا الآثار بإنشاء المتاحف، ما أنجزته فى هذا القطاع بالذات شىء مهول، لكن لا أحد يريد الاعتراف به

* ولم يحدث أن حصلت الهانم أو الرئيس على أية قطع آثار بعلمك أو مساعدتك؟

– هذا كلام مضحك، ينم على جهل من يقوله أو رغبته فى الاتهام المجانى، لأن طبائع الأمور لا تسير هكذا، لا رئيس الدولة ولا أى أحد مهما تكن قوته يستطيع طلب أو أخذ شىء كهذا، لأنك لو استجبت له بضعف السلطة، لن يستجيب لك أمين العهدة، الأمور ليست بهذه البساطة، كل شىء مثبت ومسجل ولا يمكن التلاعب فيه

* كيف كانت علاقتك بـ ” زكريا عزمى “؟

– عادية جداً، لا يمكنك أن تعتبرها علاقة مميزة

* بمن من رموز هذا النظام ربطتك علاقة خاصة؟

– بالمشير طنطاوى، كان هناك تقارب فكرى بيننا

* هل هو قارئ؟

– المشير قارئ وسميع موسيقى، لدى الرجل اهتمامات وهموم كثيرة، وكان يفضى لى ببعضها

* إذن أنتم أصدقاء؟

– أعتبر نفسى صديقاً له

* تبادلتم النكات والأسرار والتسرية والرأى؟

– كتير

* هل كان لديه شعور بأن شيئاً ما سيحدث؟

– قال لى أكثر من مرة إن هناك شيئاً ما سيحدث

* نتيجة احساس كان يراوده أم معلومات؟

– المشير كان متوجساً من مشروع التوريث وكان ضده

* وهل استعد لهذه اللحظة؟

– لا أعرف، إسأل المشير

* وعلاقتك بـ ” فتحى سرور “؟

– علاقتى كانت عادية بكل هؤلاء

* عاطف صدقى، كمال الجنزورى، عاطف عبيد، أحمد نظيف، من من هؤلاء يمكننا أن نقول عنه، بتعبير أهلنا فى مصر، ملو هدومه !

– عاطف صدقى

* من أدهشك حجم فساده؟

– بصراحة أدهشنى الجميع 

* كيف ترى المشوار من المقعد الأخير فى مجلس الوزراء إلى المقعد الأول على يسار رئيس المجلس؟

– وزير الثقافة زمان كان ييجى سنتين تلاتة وعند أول تعديل كان بيمشى، أما أن تبقى طوال هذه المدة، رغم تغيير الوزارات، فهذا شكل من احترام المثقفين، وأنا كنت مندوب المثقفين عند الحكومة وممثلهم، كان زملائى فى المجلس يتعاملون معى كأننى إلكترون حر، وكنت محبوباً من الجميع

* وكنت من الذكاء بحيث لا تتطلع لما هو أكثر، رئيس وزراء مثلاً؟

–  هذا أسوأ منصب يمكن أن تتولاه

* هل عرض عليك؟

– ( لحظة صمت ) نعم

* من الرئيس؟

– من خلال حسين سالم، جاءنى بطائرة من شرم الشيخ وكنت عائداً لتوى من الإسكندرية وعرض علىّ المنصب

* سنة كام؟

– قبل نظيف مباشرة

* وبماذا رددت؟

– قلت له: وزارة الثقافة أحسن لى، فاندهش، ثم هاتفنى الرئيس سألنى: هو حسين عندك، قلت له أيوه يا ريس، وانتهى الموضوع برجوع سالم إلى شرم الشيخ

* وهل اعتقدت أن تكون ذمة الرئيس محل شك؟

– لم أتصور، إطلاقاً أن يمد يده للمال العام، أرجو ألا يكون ذلك حقيقياً

* من يعترف بلوحاتك؟

– كل من يفهم

* وإللى ما بيعترفش، يبقى ما بيفهمش؟

– لا، لكنه لا يعرف الفن التجريدى

* كل المجربين، فى كل الفنون، يمرون بمراحل، لكننا عرفناك تجريدياً فقط؟

– سوف أريك أعمالى القديمة

* عقب لى على هذه الكلمات : اليونسكو، الفشل، إسرائيل؟

– اليونسكو مؤسسة دومينية، مسيطر عليها. فشل : ما حصلش، حصل نجاح لأقصى درجة ممكنة، بدليل أننى حصلت على 22 صوتاً مقابل 8 أصوات للمرشح التالى. كنت أنتظر صوتاً واحداً لأنجح. أما إسرائيل فكانت عقبة فى الطريق

* رغم اعتذارك لها عن تصريح حرق الكتب بأنك لم تكن تقصد ما تقول؟

– أنا لم أعتذر، وبالفعل لم أكن أقصد، إنما عندما يقال لك هناك كتب إسرائيلية فى مصر وآخرون ينكرون، فى كتب، لأ ما فيش، فى هذه الأجواء لا بد أن تتعصب وتهدد بالحرق

* على ذكر الحرق، هل تشعر بالمسؤلية الأدبية عن محرقة بنى سويف؟

– هناك وظائف وهناك مسؤليات، الوظائف تبدأ من مدير القصر إلى مدير المديرية وهكذا حتى تصل للوزير، لكن أنت تريد أن تصل بالمسؤلية مباشرة للوزير، ثم أليس هناك قانون، ولا إيه!

* ما الذى يبقى من فاروق حسنى؟

– كثير، كل المواقع التى شيدتها ستبقى منى، وسيبقى فنى

* ثم وصل الحوار إلى المنطقة الشائكة.. شائعة الشذوذ، والحق أنى ترددت طويلاً قبل أن أسأله عنها، لقناعة بأن حقيقة كل منا ليست فيما يقوله، بل “فيما يخبئه”.. هناك فى الأعصاب وفى الضمير، مع ذلك رحت أحوم حول مدرج آمن من الرجل، وقد كان ذكياً وشجاعاً، إذ أدرك أن الوقت قد حان ليقول كلمته :

– أول ما جيت الوزارة كانت هناك جريدة اسمها “شباب الأحرار” كتبت بالخط العريض أن فاروق حسنى كان يسير فى مظاهرة للشواذ جنسياً، ليدعمهم. فثرت بالطبع، ذهبت للرئاسة…

* هناك من يقول إن لديه شريط فيديو؟

– إللى عنده يجيبو وله عندى مليون جنيه ! ها اديله مليون جنيه وهو واقف. المهم بعد أيام قليلة كنت مع المرحوم زكى بدر وتقدمت ببلاغات رسمية، فقال لى بالحرف الواحد: إنت عارف مين إللى عمل فيك الفصل ده، قلت له: مين، قال لى: موافى، سألته مين موافى، فرد بدر: صفوت الشريف

* إذن صفوت الشريف هو من ألصق بك إما تهمة التحريض على الشذوذ، أو حتى تهمة الشذوذ نفسها؟

– ( باحتداد مكتوم) أنا أقول لك ما حدث بالضبط، وإنت عارف طبيعة المصريين، يحكوا أى حاجة ويعيدوا ويزيدوا فيها. ما أريد قوله أن مصطفى كامل مراد، رئيس حزب الأحرار آنذاك، جاءنى ومعه محمد فريد زكريا، وهو حى يرزق، واعتذروا لى بشدة، مؤكدين أنه خطأ غير مقصود. وأخيراً التقيت بمحمد فريد زكريا واعترف أن المسألة كانت مدبرة! أنا لم أمش فى أية مظاهرة، وليس هناك ما يشبهنى. كل هذا من نسج الخيال وإللى عنده حاجه يقولها، هو أنا كنت فى صحرا! أنا كنت الملحق الثقافى فى باريس وكان هناك عاطف صدقى وأحمد ماهر وعبدالأحد جمال الدين ويحيى الجمل وفتحى سرور وممدوح البلتاجى وعلى السمان.. هل كل هؤلاء عُمى. مسألة غريبة، ومن يومها اتخذها البعض تكأة ليضايقنى

* هل تستاء كلما سمعت شيئاً من هذا القبيل؟

– على الإطلاق، هذا نقص يعانيه من يردده. إذا كان لديه دليل فليقدمه

* ألم تشعر بالندم، لأنك لم تتزوج؟

– ومن قال لك إننى لم أتزوج، لقد فعلتها مرتين، لكننى الآن غير متزوج

* هل هناك أطفال؟

– لا

* وما سبب انفصالك؟

– أنا فنان وكان من الصعب أن أستمر

* فيم تختلف المرأة المصرية عن غيرها؟

– المصرية بنت بلد وأم وزوجة

* وماذا عن الحب؟

– بطلته

* ألم تلوثك السياسة؟

– إطلاقاً

* تشعر بالندم على قرارات لم تكن صائبة؟

– إطلاقاً

* من أصدقاؤك؟

– كثيرون

* ألم تستغل منصبك لبيع لوحاتك؟

– الذين اشتروا لوحاتى اشتروها، لأنهم يعرفون الفن

والغريب أننى بالفعل رأيت لوحات جميلة لفاروق حسنى، لوحات لقوارب مائلة على شط إسكندرية، وأخرى تلتقط أشياء تخصنا، لا مجرد نقاط على القماش أو لطخات ملونة تذكرك بهذيان سلفادور دالى. قادنى حسنى إلى داخل المتحف الذى يؤسسه فى 9 شارع العزيز عثمان بالزمالك، وقد رأيت وتعاطفت معه بقلبى وإن ظللت بعقلى أرفضه.  

………………..

*نقلاً عن “الأهرام”     

مقالات من نفس القسم